أسلمة الدراما: أوهام البديل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
شتيوي الغيثي
فكرة البدائل الإسلامية تنتشر بشكل كبير منذ سنوات قليلة حتى أصبحت تحاول أن تغطّي كافّة جوانب الحياة، حيث تصطبغ العديد من الأشياء الجديدة بصبغة الإسلامية؛ بل أصبحت كلمة الإسلامية سلعة رائجة
تأخذ فكرة البدائل الإسلامية قابلية كبيرة لدى أوساط الشباب ذوي التوجهات الإسلامية، على اعتبار أن ما عداها إنما هو ضرب من ضروب الضلال، أو بأضعف أحواله لا يتوافق مع المجتمع المسلم ذي الأخلاق المحافظة، كون الخصوصية للمجتمعات الإسلامية تختلف عنها في غيرها، وتزداد مساحة هذه الخصوصية ضيقاً كلما تقلصت مساحة الجغرافيا الإسلامية من عام الخريطة الإسلامية إلى الحدود المحلية، أي من دائرة كبرى هي دائرة العالم الإسلامي إلى دوائر أصغر منها حتى نصل الدائرة التي تخصّ مجتمعَنا السعودي باعتباره مجتمعاً يتميز بخصوصية غير أي خصوصية أخرى، برغم أنّ الفضائيات العربية والاتصالات وشبكة الإنترنت ووسائل الإعلام المتنوعة كشفت عن وهم الخصوصية لدى أفراد المجتمع السعودي؛ إذ انكشف هذا المجتمع على الكثير من القضايا التي جعلته يتشابه كثيراً؛ بل ويكاد يتطابق مع كل المجتمعات الأخرى، ذلك أنه يتأثر ويؤثر فيها حد التبدل الثقافي لا على المستوى الفكري والثقافي وإنما حتى على مستوى أفراد المجتمع البسيط الذين لا يحملون أي أفكار تنظيرية.
والخطابات الإسلامية منذ أن أصدر محمد قطب كتابه (منهج الفن الإسلامي) تحاول فرض رؤاها الثقافية على أشكال الأعمال الثقافية من أدب أو غيره. ويتصدر مفهوم الأدب الإسلامي أهمَّ المجالات الثقافية التي يعمل عليها منظّرو الفكر الإسلامي المحلّي وغير المحلّي حتى أصبح مفهوم الأدب الإسلامي عند البعض يوازي مفاهيم النقد العديدة، إلى درجة أنه أصبح منهجاً دراسياً في العديد من الجامعات وكليات الآداب واللغة العربية في السعودية. ولكثرة المشتغلين على هذا المفهوم، والداعين أو الداعمين له، فقد أجبر حتى النقاد الذين لا يؤمنون بنظرية الأدب الإسلامي، على إدراجه في قائمة النقد لانتشاره بين أوساط الشباب الإسلامي المثقّف كبديل أدبي عن المفاهيم الأدبية أو النقدية الأخرى التي كانت تتواجد على الساحة الثقافية مثل أدب الحداثة.
وفكرة البدائل الإسلامية تنتشر بشكل كبير منذ سنوات قليلة حتى أصبحت تحاول أن تغطي كافة جوانب الحياة، حيث يصطبغ العديد من الأشياء الجديدة بصبغة الإسلامية؛ بل أصبحت كلمة الإسلامية سلعة رائجة إذ ظهرت الكاسيتات الإسلامية، وهي الأقدم في هذا المجال، ثم القنوات الإسلامية، والساعة الإسلامية، الجوال الإسلامي، العباءة الإسلامية، النشيد الإسلامي (الأغنية الإسلامية)، المجلة الإسلامية، السينما الإسلامية، والسوبر ستار الإسلامي... إلخ. وإذ لا أعترض على مثل هذه الظواهر التي هي خيار من ضمن خيارات أخرى يصح للمجتمع أن يختار منها، إلا أن اعتراضي ناتج بسبب الترويج أنّ هذه الأفكار هي الصحيحة وهي الطريق المستقيم وغيرها في حكم الضلال والزيغ والفسق والفجور والانسلاخ الأخلاقي، بل ويصل الحد أحيانا إلى التكفير في حالة استحلالها في الوقت التي كان من المفترض أن تكون هذه الأفكار متجاورة مع الأفكار الأخرى، والتي ليس بالضرورة أن نسميها إسلامية.
في الفترة الحالية، وبعد اتساع ظاهرة الدراما الرمضانية، هناك دعوة جديدة من قبل "بعض" الممثلين للتيار الإسلامي بتبني الدراما كنوع من تقديم "القيمة الإسلامية" لهذا المجتمع "المحافظ". وقد تعمدت هنا أن أضع الكلمات الثلاث : ( بعض، القيمة الإسلامية، المحافظ) بين مزدوجتين لما لهذه الكلمات من إشكاليات تقوض مفهوم البدائل فضلا عن تقويضها فكرة الدراما الإسلامية، إذ لا يحظى العمل الدرامي بقابلية لدى خطاب عريض من داخل التيار الإسلامي نفسه، لموقف سالف من تجسيد الشخصيات أو التمثيل، فضلاً عن الموقف المسبق من تجسيد بعض الشخصيات التراثية أو الدينية أو السلفية، فيما لو كان العمل الدرامي تاريخياً، لما لها من حساسية مفرطة لدى هذا الخطاب. هذا غير أن التاريخ نفسه هو تاريخ متداخل ما بين السياسي والديني، بمعنى لا يمكن الفصل بين ما هو سياسي في التاريخ عما هو ديني، والإشكاليات التي يثيرها التاريخ أكثر من أن يتم تجاهلها في الأعمال الدرامية، هذا في حال محاولة إجادة العمل الدرامي، وإلا فإن التحايل هنا وارد جدا لتبييض صفحات التاريخ عن تعمد وتجهيل مكرِّس للإيديولوجيا الإسلامية.
وأضع "القيمة الإسلامية" بين مزدوجتين، لأن القيم الإسلامية متعددة الجوانب والاتجاهات، بمعنى أنّ الكلّ تقريبا يحاول جرّ القيم الإسلامية إلى منطقته، فلا قيمة محددة يمكن الارتكاز عليها إلا كونها تتماشى مع القيم الإنسانية العامّة، والفنّ بعمومه يطمح إلى تسيّد القيم الإنسانية، وعلى ذلك فمن العبث قصرها هنا على القيم الإسلامية، كونها مشتركا إنسانياً إلا إذا كان الحال هو في تجسيد قيم تقليدية بإضفاء طابع الإسلامية عليها، فهذا فيه نوع من تكريس الهوة بين المجتمع الإسلامي والمجتمعات الأخرى، وهي إحدى مشاكل الإيديولوجيا الإسلامية التي لم تستطع تجاوزها للتقوقع الفكري والثقافي على الذات.
كما أنني أضع "المحافظ" بين مزدوجتين أيضاً، لأن المجتمع العربي بعمومه، والخليجي بخصوصه، ومنه المجتمع السعودي بالطبع، هو في الأصل مجتمع طبيعي تتفاوت فيه درجات المحافظة ودرجات الانفتاح، والمشاكل الاجتماعية والثقافية والدينية هي ذات المشاكل في المجتمعات الأخرى الكبيرة والصغيرة. وإذا ما أردنا الاقتصار على المجتمع السعودي فإن وسائل الإعلام منذ فترة انفتاحها تظهر بين فترة وأخرى أن هذا المجتمع تتشابه مشاكله مع مشاكل المجتمعات التي تطرحها الدراما التلفزيونية والتي يحاول الداعون لأسلمة الدراما إتيان البديل عنها. والسؤال الذي يدور في الذهن هو: هل سوف تستطيع الدراما الإسلامية أن تطرح مشاكل المجتمع والحساسة منها بالذات، والتي تهدد استقرار المجتمع كما هي، أم سوف يتم التعامي عنها وطرح مفاهيم اجتماعية أخرى قد لا تهم الناس البسطاء؟ وكيف سوف يتم التعامل مع المشاهد الحساسة والتي لا غنى لأي عمل درامي حقيقي من التطرق إليها كتجسيد الأدوار النسائية فيما كان العمل يدور حول قصة امرأة مظلومة مثلاً؟
إن مشكلة التيار الإسلامي أنه متعال على الواقع وطوباوي إلى أبعد الحدود، وحينما يحاول أن يقدم بعض الحلول التي ينتقدها عند الأطراف الأخرى، فإنها تصبح حلولاً مثالية جداً ليس لها على أرض الواقع أي وجود إلا في خيالات أصحابها، وعلى هذا الأساس كانت فكرة البدائل الإسلامية مجرد أوهام شكلية يطرحها ممثلو الخطابات الإسلامية لجر المجتمع نحو أهداف أخرى بعيدة المدى.