جريدة الجرائد

أزمة الإصلاح في الخليج

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أحمد عبد الملك

دعونا نعترف بكل صراحة بأن هنالك أزمة تواجه عملية الإصلاح في منطقة الخليج. والإصلاح الذي نعنيه ليس في تشكيل المنظمات والأطراف التي تخطط لحالات إحتقان سلبية أو كل ما من شأنه أن يلحق أضراراً بالمجتمعات الخليجية. كلا، ليس ذلك، لأن الزمن تجاوز مرحلة المراهقة السياسية حتى بشكلها العنيف أو الفوضوي. بل إن واقع الأمر يتطلب أن تتقارب وجهات النظر بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، ولربما حصلت بعض التنازلات المتبادلة، من أجل ضمان مستقبل مطمئن لشعوب الخليج.
إن الإصلاح الذي نعنيه هو التفاهم بين المجتمع والحكومة على أمن ورخاء وتقدم المجتمع! وهذا لا يختلف عليه الطرفان! ولكن نظرة كل طرف لشكل الإصلاح أو شكل الأمن والرخاء والتقدم هي التي قد تختلف. ومن هنا قد تنشأ التجاذبات أو الاتهامات أو "التجييش" حتى في الدول التي فيها برلمانات مُنتخبة.

في الشهر الماضي كنتُ أحاضر في ملتقى ثقافي في القطيف بشرق المملكة العربية السعودية، وسألني أحد الشباب: لماذا تميّزت دولة الكويت عن سائر دول الخليج بديمومة الديمقراطية وانتشار هامش أوسع من الحريات مقارنة ببقية دول المنطقة؟ وكان الرد واضحاً بأن دستور الكويت هو سبب بقاء الديمقراطية في ذلك البلد. بل لقد تميّز ذلك الدستور بصيغة تعاقدية لاقتسام الالتزام والمسؤولية بين الحكومة والشعب بصورة أرضت الطرفين وهيأت الأرضية الصالحة لقيام الديمقراطية بكل طقوسها وأساسياتها. كما أن تجربة مجلس الأمة (المنتخب) أيضاً دعمت من الالتزام بالدستور، حتى في أحلك الظروف التي مرت بها البلاد ونعني الاحتلال العراقي.

ولذلك، فإن أهم مرتكزات الإصلاح في المنطقة العربية ينبغي أن تُقام على التشريعات التي تحكم العلاقة بين الحكومة والشعب، لا أن ينفرد طرف بصياغة تشريعات تؤمِّن له اليد الطولى على مقاليد الأمور، بينما قد يُضيّق الخناق على الأطراف الأخرى، ويُلقى لها بفتات المساهمة الصورية، والهوامش التي تضيقها القوانين. وإذا ما تمت صياغة التشريعات صياغة يرضى عنها الطرفان، وبعقلية المشاركة الصالحة، دون فرض أو وصاية أو ضغط، فإن ذلك سيُصلح الحياة السياسية ويؤمِّن لها الاستقرار وللبلاد الأمان وفرص التنمية الحقيقية لا الخيالية والموسمية. ويحفظ، في الآن ذاته، ثروات البلدان بصورة حكيمة بما يحقق الرخاء لكافة فئات الشعب. كما يحقق الرغبة المشتركة في حياة سياسية واقتصادية واجتماعية ناجحة. وهذا أيضاً يعتمد على التزام إيجابي وبناء لمؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز لأدوارها في المجتمع. وللحكومات دور كبير في تعديل التشريعات الخاصة بهذا الموضوع.

ومن ملامح الأزمة التي نحن بصدد الحديث عنها اليوم، حالة التشكك والتشكيك بين الطرفين؛ التي قد تفرز ملامح رفض أو إقصاء أو عنف بينهما في بعض الحالات. ذلك أن عدم استقرار ميزان العدالة بين مختلف مكونات المجتمع، قد يفرز هذه الحالة! التي ليست من مصلحة البلدان ولا الشعوب. ومن هنا فإن استقلال القضاء يعتبر من الخطوات الأساسية في رفع حالة التشكك والتشكيك بين الطرفين. حيث يكون جميع المواطنين سواسية أمام القضاء دون تميّز للألوان أو الأصول، كما تنص على ذلك الدساتير القائمة. لكن الإشكالية أن الممارسة قد تختلف أحياناً عن هذه النظرة النظرية أو الأمل!

إن ديمقراطية فرنسا لم تفرق بين النبلاء والفنانين والفلاحين؛ تماماً كما فعلت "الجيفرسونية" في الولايات المتحدة، خصوصاً بعد مساواة السود بالبيض التي أرساها أبراهام لنكولن، وناضل من أجلها "مارتن لوثر كينغ". ولذلك، فإن التقاء الأطراف كلها حول مصلحة الجميع -لا مصلحة البعض- من أهم خطوات رفع حالة التشكك والتشكيك.

والملمح الآخر يتمحور حول وحدة المجتمع وتماسكه! وهذا يعتمد على مدى المشاركة في القرار، وحقوق الأقليات، ولربما الأغلبية في بعض الدول، وعدم استفراد طرف بالقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، دون الطرف الآخر. كما أن هذه الوحدة وذاك التماسك يعتمدان على وضوح الأهداف التي يسعى الطرفان لتحقيقها، وشفافية الرؤى لإصلاح المجتمع. والمشاركة تأتي عبر صناديق الاقتراع، التي تأتي بنواب الشعب كي يعاونوا الحكومة ويشاركوها في سبيل رخاء وطمأنينة المجتمع، لا أن تفرض الحكومة قرارات "فوقية" على المجلس، ولا أن يحاول المجلس زعزعة هيبة الحكومة بطرح الثقة المتكرر.

إننا نعتقد أن المشاركة في الحكم ينبغي أن تتم وفق تنظيم عمل يسمح لجميع فئات الشعب بالمساهمة في تلك المشاركة.

وهنالك بلدان لا يخدم الديمقراطية فيها نظام المناطق، وبلدان أخرى وضعت قوانين صارمة للمُرشّح. كما أن هناك انتقادات عديدة لنظام "الغرفتين" في البرلمان. وهذه أمور قد تفت في عضد الديمقراطية أو تقوض البرلمانات وتحولها إلى "مجالس شورى" غير فعالة كتلك التي عفا عليها الزمن.

وأخيراً، فإن الإصلاح في الخليج قادم لا محالة؛ والوقت كفيل بتحقيقه مهما طال أمد الخلاف حوله؛ وقد يتحقق بتفاوت في المنطقة. والمهم في هذه المرحلة أن يتم التوصل إلى صيغ مشاركة للتفاهم حول مستقبل المنطقة، وإلا يتم السماح بنشوء بؤر العنف والإكراه والجماعات الإرهابية، وأن يكون جميع المواطنين شركاء في بناء أوطانهم، وإن اختلف تفكيرهم عن النمط المعمول به منذ أكثر من سبعين عاماً!




التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
نعم المقال
بوسالم ١ -

غريب في امور قراء إيلاف المقالات ذو المحتوى الراقي لا توجد بها تعليقات مع انها من افضل ما قرأت عن صيغة الحاكم و المحكوم في الخليج العربي. مقلات السنبوسه المحشيه و مقالات خضير يا خضير تحتوي على رقم قياسي في التعليقات مع انها لاترتقي الى الورقه التي كتبت عليه . سبحان الله