جريدة الجرائد

بداية الحقبة الأميركية الجديدة في العراق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الكلفة الخفية للحرب تشمل خسارة السمعة والمكانة لدى الحلفاء


نقل المهام الاميركية: حمل ثقيل سيكون على عاتق العراقيين


واشنطن - هشام ملحم


انتهت المهمة القتالية الاميركية في العراق التي سماها الرئيس السابق جورج بوش "عملية الحرية العراقية"، وبدأت حقبة جديدة سماها الرئيس باراك اوباما مساء الثلاثاء "الفجر الجديد". ولكن حتى أكثر المراقبين تفاؤلا بمستقبل العراق يعترفون ان الظلمة لم تنجل كليا لكي يبزغ الفجر الجديد.

انتهاء المهام القتالية رسميا لا يعني انتهاء العنف، وخاصة ارهاب تنظيم القاعدة، كما ان الطريق لا يزال طويلا امام القوى العراقية الرئيسية للتوصل الى وفاق سياسي دائم، وحتى تشكيل حكومة تمثيلية جديدة بعد حوالي 6 أشهر من الانتخابات لا يزال بعيد المنال، ويشكل قلقا متزايدا للقيادة العسكرية الاميركية وللبيت الابيض.
رسميا ستنحصر مهام القوات الباقية حتى الصيف المقبل (50 ألف عنصر) بتوفير خدمات التدريب للقوات العراقية، اضافة الى القيام بعمليات خاصة ضد العناصر الارهابية بالتنسيق والتعاون مع القوات العراقية. ولكن الاهداف الاميركية، الانية وفي المستقبل المنظور لا تزال كما كانت عليه عندما كان لاميركا اكثر من 160 الف عسكري في اعقاب زيادة عديد القوات في 2007 أي : منع العراق من الانزلاق مجددا الى الحرب الاهلية، ومنع وقوعه في الفلك السياسي الايراني، ومكافحة القاعدة، اضافة الى محاولة التوسط بين مختلف القوى العراقية.

لن تكون بداية النهاية
أعلان اوباما رسميا نهاية المهمة القتالية للقوات، بعد 7 سنوات ونصف السنة من حرب اختيارية تعتبر من اطول الحروب واكثرها كلفة في تاريخ الولايات المتحدة، قد يكون بداية النهاية لفصل مهم ومؤلم لاميركا والعراق، ولكنه لن يكون بداية النهاية لشراكة او "تورط" اميركا في العراق، كما يحلو لمنتقديها ان يقولوا. وهذا ما عناه اوباما حين قال في خطاب القاه من المكتب البيضاوي ومن وراء المكتب ذاته الذي جلس وراءه الرئيس بوش في مارس 2003 ليعلن بداية غزو العراق "مهمتنا القتالية تنتهي، ولكن ليس التزامنا بمستقبل العراق". وذّكر اوباما الاميركيين بان حكومتهم انفقت خلال العقد الماضي أكثر من تريليون دولار على حروب "كنا نمولها عادة من خلال الاستقراض من الخارج".

الجرحى والتكاليف الهائلة وخسارة سمعة اميركا
وتحظى قضية "كلفة" او "ثمن" الحرب باهتمام الخبراء والاكاديميين، الذين يختلفون حول تحديدها او تحديد المقاييس التي يجب ان تستخدم في التوصل اليها. واضافة الى الكلفة البشرية حيث بلغ عدد القتلى الاميركيين 4500 وجرح حوالي 32 الفا، هناك ما يمكن تسميته "بالكلفة الخفية" للحرب، كمعالجة المصابين بجروح بالغة (يزيد عددهم عن 18 الفا) مثل خسارة اطرافهم وتوفير الاطراف الاصطناعية لهم او الذين يتطلبون عمليات جراحية مكلفة او معقدة في الرأس او الصدر، او يحتاجون الى عناية نفسية او تدريب طويل. ونظرا لان معظم الجرحى هم في العشرينات ، وهذا يعني انهم سيتطلبون عناية صحية او نفسية لاربعة او خمسة عقود، فان كلفة علاجهم ستكون بالمليارات.
كما ان هناك ثمنا سياسيا ومعنويا واستراتيجيا من الصعب قياسه، مثل خسارة السمعة والمكانة الاميركية حتى في اوساط الحلفاء بسبب العنف (الاميركي والعراقي و "الجهادي") الذي استهدف مدنيين عراقيين في ظل الاحتلال الاميركي (حيث يعتبر المحتل وفقا للقانون الدولي مسؤولا عن حفظ الامن والنظام) ناهيك عن الاخطاء الفادحة او الممارسات السيئة التي يعترف بها الان العديد من المسؤولين . وليس من المبالغة القول ان حربي العراق وافغانستان، وتحديدا كيفية ادارة هاتين الحربين قد اضرت كثيرا بقدرة اميركا على طمأنة اصدقائها وحلفائها، وتخويف اعدائها وخصومها في الشرق الاوسط وخارجه، وما يعنيه ذلك "للقيادة الاميركية" في العالم. في هذا السياق، نادرا ما يتحدث الاميركيون، من سياسيين ومحللين،عن الخسائر البشرية العراقية التي تقدر بمائة الف قتيل على الاقل.

غياب اللهجة الانتصارية
ربما لهذه الاسباب وغيرها غابت عن خطاب اوباما اللهجة الانتصارية او الاحتفالية، التي ميزت خطاب سلفه بوش بعد انتهاء الحرب النظامية ضد الجيش العراقي عقب سقوط بغداد، ربما لانه يدرك ان الحرب لم تنته بطريقة تقليدية بغالب او مغلوب وان العنف سيبقى حاضرا في العراق بشكل او بآخر في المستقبل المنظور، والوضع معرض للتدهور.
جاء خطاب اوباما على خلفية بروز اصوات اميركية مختلفة، اما ايدت الحرب ولعبت دورا في نشوبها مثل نائب وزير الدفاع السابق بول وولفويتز، او ساهمت في تبريرها سياسيا مثل الخبير القانوني نوح فيلدمان، او كانت متحفظة مثل السفير السابق في العراق رايان كروكر تحذر من مخاطر الانسحاب العسكري والسياسي الكامل، وتدعو الى ابقاء قوة عسكرية محدودة، بعد توقيع اتفاق أمني جديد اثر تشكيل حكومة جديدة. ويقول بعض هؤلاء انه كما ابقت اميركا قوات في كوريا الجنوبية بعد انتهاء الحرب الكورية منتصف الخمسينات حيث لعبت دورا رئيسيا ليس فقط في ردع كوريا الشمالية بل في صيانة الامن الاقليمي في شرق آسيا، كذلك فان ابقاء قوة محدودة في العراق سيطمئن حلفاء واصدقاء اميركا في المنطقة، ويعزز الثقة بالتزامات واشنطن، كما انه سيكون تحذيرا لخصوم واشنطن، وتحديدا ايران من انها لن تترك فراغا استراتيجيا وامنيا في العراق.

انعدام صبرنا الاستراتيجي
ويثير هؤلاء ايضا مسألة الالتزام الاميركي "الاخلاقي" بالعراق، وخاصة اذا تبين مع قرب انسحاب القوات بكاملها ان البلاد عادت الى طريق الحرب الاهلية. ويتساءل هؤلاء : كيف سينسحب اوباما من العراق ويتركه ينزلق الى حرب دموية، خاصة ان الجميع لا يزال يذكر بوضوح اهوال الاقتتال الطائفي وخاصة في 2006 و2007 . وقال كروكر في مقال نشره في واشنطن بوست ان "القصة الجديدة" لا تزال في بداياتها وانها ستتأثر باحداث لم تقع حتى الان. لكنه عبر عن قلقه من ميل واشنطن للتخلي عن التزاماتها: " انعدام صبرنا الاستراتيجي هو امر تبين مع مرور الزمن ان خصومنا تعلموا ان يعتمدوا عليه، كما كان يخاف منه حلفاؤنا..في لبنان والعراق وافغانستان وباكستان".
من جهته يرى الخبير القانوني فيلدمان انه اذا وصل العراق الى حافة الحرب الاهلية وطلب قادته المساعدة عسكريا ستكون اخطار الرفض الاميركي فادحة. ويضيف في وول ستريت جورنال "الرد السلبي سيؤدي الى التعجيل بالكارثة، لانه سيبين انعدام الثقة بالعراقيين ،الامر الذي سيخيف هؤلاء ويؤدي الى اعادة تنشيط الميليشيات".
وبغض النظر عما سيكون عليه المشهد الاميركي-العراقي في الصيف المقبل- موعد سحب ما تبقى من القوات- فان المجتمع الاميركي، الذي خدم اكثر من مليون ونصف المليون جندي منه في حرب العراق، سيواصل، لسنوات طويلة، العيش في ذكرى حرب العراق ومضاعفاتها.. وثمنها الباهظ.




التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف