جريدة الجرائد

جوزيف ستيجليتز : ماهي التكلفة الحقيقية لحرب العراق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يفترض أن تتضمن حساب "الفرص الضائعة"

واشنطن

كتبنا مقالا في بداية عام 2008، قدرنا فيه تكلفة الحرب في العراق بثلاثة تريليونات دولار.. وهي تكلفة كانت تفوق بما لا يقاس كافة التقديرات السابقة ومنها تلك الخاصة بإدارة بوش عام 2003، التي قدرت أن تلك الحرب ستكلف مبلغاً يتراوح ما بين 50 إلى 60 مليار دولار فقط. ولكن تقديرنا هذا (ويشمل التكاليف التي تكبدتها الحكومة، والتأثير الأوسع نطاقاً للحرب على الاقتصاد الأميركي) يبدو الآن أقل من الحقيقة بكثير، في هذه اللحظة التي تنهي فيها الولايات المتحدة مهامها القتالية في العراق.

وعلاوة على ذلك، فقد أدركنا، بعد مرور عامين على تقديرنا ذلك، أنه لم يتضمن ما يعرف بـ"تكلفة الفرص الضائعة"، والتي يمكن التعبير عنها من خلال السؤال "لو لم نكن قد فعلنا كذا فماذا كان سيحدث في تلك الحالة؟

على سبيل المثال: لو لم نكن قد دخلنا حرب العراق.. هل كنا سنظل عالقين في أفغانستان حتى الآن؟.. وهل كانت أسعار النفط سترتفع بتلك السرعة؟.. وهل كان الدَّين الفيدرالي سيصبح ضخماً على هذا النحو؟ وهل كانت الأزمة المالية ستصبح بهذه الدرجة من الحدة؟".

والإجابة على الأسئلة الأربعة السابقة هي: لا على الأرجح. فالدرس المركزي الذي يمكن لنا استخلاصه من علم الاقتصاد، هو أن الموارد -سواء تمثلت في الأموال أو في الاهتمام- عادة ما تكون نادرة. ولذلك فإن ما يتم تخصيصه لمسرح عمليات معين، يعني تلقائيّاً خصماً من الموارد التي كان يمكن تخصيصها لمكان آخر.

ولاشك أن الحرب في العراق قد حولت "اهتمامنا" عن الحرب في أفغانستان التي تدخل عامها العاشر الآن. فعلى رغم أن تعريف النجاح في أفغانستان كان دائماً تعريفاً مراوغاً، إلا أنه كان يمكن لنا على الأقل أن نعزز سيطرتنا على "طالبان"، ونقلص الخسائر التي مُنينا بها.

ولو كنا قد أرسلنا المزيد من القوات إلى أفغانستان عام 2003 عندما دخلنا حرب العراق، لكانت تلك السياسة قد حققت نتائج أفضل من إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان هذا العام.

ثم ماذا عن النفط؟ عندما غزت الولايات المتحدة العراق كان سعر برميل النفط أقل من 25 دولاراً للبرميل، ومع اندلاع الحرب ظل هذا السعر يرتفع حتى وصل إلى 140 دولاراً بحلول 2008، بسبب انقطاع إمدادات النفط العراقي، وعدم الاستقرار الذي سببته الحرب، والذي أثر على الاستثمارات فيها.

والدين الفيدرالي: ليس هناك شك في أن حرب العراق قد فاقمت من حجم هذا الدَّين.

ويكفي أن نعرف أن هذه هي المرة الأولى في التاريخ الأميركي التي تقوم فيها الحكومة بخفض الضرائب وهي ذاهبة إلى الحرب، وهو ما كان يعني أن تلك الحرب سيتم تمويلها بالكامل من خلال الاقتراض. وكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع الدين الفيدرالي من 6.4 تريليون دولار عام 2003 إلى 10 تريليونات عام 2008 (قبل حدوث الأزمة المالية).

والأزمة المالية: نتيجة لتينك الحربين المكلفتين اللتين تم تمويلهما بواسطة الدَّين، كانت أمورنا المالية في حالة يرثى لها حتى قبل تلك الأزمة وهو ما فاقم من الاتجاه النزولي في الاقتصاد عقب وقوعها.

فتلك الأزمة ترجع -جزئيّاً على الأقل- إلى الحرب. فارتفاع أسعار النفط كانت تعني أن الأموال التي تخصص لشرائه من الخارج، سيحرم منها الاقتصاد في الداخل.

وعلاوة على ذلك فإن الإنفاق على الحرب لم يوفر ذلك النوع من التنشيط الاقتصادي الذي كان يمكن أن توفره تلك النفقات لو كان قد جرى تخصيصها لمجال آخر. فدفع الأموال إلى المقاولين الأجانب العاملين في العراق لم يكن محفزاً فعالا في الأمد القصير، كما لم يكن يشكل في حد ذاته قاعدة للنمو في الأمد الطويل.

والذي حافظ على استمرار حركة الاقتصاد إلى حد كبير هو ذلك المزيج من السياسات المالية الفضفاضة واللوائح والقوانين المتراخية، إلى أن جاءت تلك اللحظة التي انفجرت فيها الفقاعة المالية التي سببت ذلك النوع من التداعي الحر في الاقتصاد الذي رأيناه جميعاً.

إن القطع بأننا لو لم نكن قد فعلنا كذا.. لما كان قد حدث كذا.. أمر صعب على الدوام، خصوصاً مع شيء على هذه الدرجة من التعقيد التي تسم الأزمة المالية العالمية، خاصة أن عوامل عديدة ساهمت فيها، مما يسوغ القول إنها كانت ستحدث على أية حال.

والحال أن حرب العراق لم تساهم في مفاقمة الأزمة المالية وجعلها أكثر حدة فحسب، بل إنها حالت أيضاً بيننا وبين الاستجابة لها بكفاءة. فالزيادة الكبيرة في المديونية، كنتيجة مباشرة من نتائج تلك الحرب، كانت تعني تقليص مساحة المناورة أمام الحكومة.

وفضلا عن ذلك، أدى القلق بسبب الدَّين الفيدرالي (الذي ضخمته الحرب)، والعجز المتزايد في الموازنة، إلى تقييد حجم الحوافز التي قدمتها الحكومة لتنشيط الاقتصاد، وهو ما كان يعني إعاقة قدرتها على الاستجابة للركود بكفاءة.

ومع استمرار ارتفاع نسبة البطالة، على رغم المحاولات العديدة التي بذلت لخفضها، فإنه لا سبيل أمام البلاد للخروج من ذلك الركود سوى حزمة تحفيز أخرى.

ولكننا هنا نواجه مشكلة من نوع آخر، وهي أن الدعم الذي يمكن تقديمه لهذه الفكرة سيكون محدوداً، بسبب الدين الحكومي المتزايد. ومعنى ذلك أن الركود سيستمر لفترة أطول، وأن الناتج المحلي سيكون أقل، ومعدل البطالة أكبر مما كان سيصبح عليه الحال لو لم تكن هناك أصلاً حرب.

جوزيف ستيجليتز - أستاذ بجامعة كولومبيا وحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد 2001

لندا بلمز - أستاذة السياسة العامة بجامعة هارفارد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف