الإسلاموفوبيا الأوروبية... قصور الرؤية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مصدرها الجهل وسوء الفهم
واشنطن - روبرت ماركواند
يعمل "روفل علي" محاسباً بإحدى الشركات في لندن التي يأتيها يومياً بالمواصلات العامة من نورث امبتونشير التي نشأ فيها بين بقية أفراد عائلته البنغالية. ويعتبر التصوير الفوتوغرافي هواية رئيسية له، غير أنه يوفر بعض الوقت لإدارة اتحاد المهنيين المسلمين في أوروبا. ويضم الاتحاد عدداً من الباحثين البيولوجيين البحريين، والمحامين وأساتذة الجامعات والاختصاصيين في الفيزياء الفلكية، ومدراء الشركات التنفيذيين والأطباء والفنانين والشخصيات السياسية وقادة المجتمع المدني المسلمين في عشر دول أوروبية. ويتم اختيار الشخصيات بناء على الإنجازات التي حققتها في مجال التخصص المعين. ويقدم هؤلاء المهنيون محاضرات ودروساً ملهمة، فضلاً عن تنظيم ورش العمل التدريبية لشباب المسلمين في الدول الأوروبية.
وينتمي السيد علي إلى الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين إلى أوروبا. وهو جيل يهتم بتعليم الأبناء وتشجيع حب الرياضة والمشاركة في المناسبات والأنشطة الفنية الثقافية. وبدلاً من الاستسلام للوظيفة، يتحمس هذا الجيل لإنشاء وامتلاك أعماله الاستثمارية الخاصة. ويعتقد على وزملاؤه الآخرون في شبكة المهنيين المسلمين المنتشرة في مختلف الدول الأوروبية -يصل عددهم إلى 70 مهنياً- أن في إمكانهم تقديم شيء للمجتمعات الأوروبية التي انتموا إليها، فضلاً عن قدرتهم على تقديم القدوة الحسنة لأبناء وبنات الجاليات المسلمة المهاجرة.
بيد أن هؤلاء الناشطين المسلمين، يواجهون الآن موجة عنيفة معادية للإسلام والمسلمين في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها دول القارة الآن. وليست المجتمعات الأوروبية الرئيسية وحدها هي التي تظهر نزعة العداء هذه للإسلام والمسلمين، بل هي شعور بالقلق والخطر يزداد يومياً في أوساط المسلمين الشباب من ذوي التطلعات الدينية الطموحة.
ومن رأي علي -وهو أحد أفراد هذه الفئة الأخيرة من المسلمين المهاجرين- أن الجزء الأعظم من سوء فهم الإسلام في المجتمعات الأوروبية، يعود إلى جهل هذه المجتمعات بالإسلام أصلاً. فغالباً ما تنظر المجتمعات الأوروبية من زوايا ضيقة لا تتعدى حربي العراق وأفغانستان وحركة "طالبانrdquo;إلى آخره. ويصف علي سوء الفهم هذا وحصر الإسلام في مظاهر العنف وحدها بأنه أمر مؤسف ومثير للحزن. وعلى عكس هذه الصورة يتطلع علي وزملاؤه إلى عكس صورة أفضل عن الإسلام والمسلمين في أوروبا.
وعند المقارنة بين أوضاع الجالية المسلمة في أميركا وأوروبا، يجب القول إن في أوروبا الغربية -وليس في الولايات المتحدة- يتم الاحتكاك اليومي بين الثقافة الغربية والإسلام. فالمسلمون المهاجرون في أوروبا يتراوح عددهم بين 30-20 مليون نسمة، أي ما يعادل حوالي 4 في المئة من مجموع سكان القارة، مقارنة بنسبة أقل من واحد في المئة في أميركا. أما المساجد التي كانت تقتصر على المدن والمراكز الحضرية وحدها حتى وقت قريب، فهي تنتشر اليوم في أقصى مناطق الريف الأوروبي. في الوقت نفسه يزداد حضور المسلمين في الشوارع الأوروبية، مع العلم أن معظم هؤلاء ليسوا مهنيين متخصصين، إنما يعملون في مختلف قطاعات تجارة التجزئة والزراعة والخدمات الغذائية، والأعمال العامة.
غير أن الخلافات التي نشأت مؤخراً فيما يتعلق ببناء مركز إسلامي في موقع "جراوند زيرو" بمدينة مانهاتن، انعكس على أوروبا وكان سبباً في تصاعد العداء للإسلام والمسلمين، لا سيما في أوساط الأحزاب اليمينية الوطنية المتشددة. والملاحظ أن ردة الفعل اليمينية المحافظة إزاء بناء المركز، تتنافى وما دعا إليه الرئيس السابق جورج بوش -وهو يميني ومحافظ أيضاً- من تمييز بين الإسلام والإرهاب.
"ومنذ العام الماضي -وقبل الخلافات المتصلة ببناء المركز الإسلامي في نيويورك- بدأ الحوار الأوروبي العام بشأن قيم الهوية الثقافية والانتماء الوطني يتشكل على أساس حجج أوروبية قديمة عن قيم التسامح والتعددية وحرية التعبير" كما يقول إدوارد مورتمر -نائب رئيس سمنار سالزبرج في النمسا-الذي شارك في إنشاء شبكة المهنيين المسلمين المذكورة. كما شهد العام الماضي ضغوطاً ملحوظة ومتنامية في معاداتها للإسلام. فقد أجرت سويسرا استفتاء شعبياً حظر بناء المآذن، بينما حظرت بلجيكا ارتداء البرقع من قبل النساء والفتيات المسلمات. إلى ذلك تخطو فرنسا في نفس الاتجاه الذي سارت نحوه بلجيكا. وفي شهر يونيو المنصرم، جعل ناخبو مدينة روتردام الهولندية -التي تعد ثاني أكبر مدينة هناك، وتسودها أغلبية سكانية من الأقليات العرقية المهاجرة- "جيرت فيلدرز" زعيم الحزب السياسي الأشد تطرفاً وعداء للإسلام، ثالث أكبر زعيم في السياسة الهولندية. وينادي البرنامج الانتخابي لفيلدرز بحظر القرآن وبناء المساجد وفرض ضريبة على ارتداء الحجاب ومنع هجرة المسلمين الجدد إلى هولندا. ويمكن القول إن الإسلاموفوبيا انتشرت خلال السنوات الخمس الماضية في أوروبا -على يمين ويسار العملية السياسية الأوروبية- أكثر من أي وقت مضى من إقامة الجاليات المسلمة في القارة. وفي إطار هذا التصعيد لنزعة العداء للإسلام، ينادي شعار المجموعة النرويجية "أوقفوا أسلمة أوروبا" بالمبدأ التالي: تمثل العنصرية أدنى درجات الغباء البشري، بينما تمثل الإسلاموفوبيا أعلى درجات الحس البشري السليم".
ومما يثير الانتباه أن معظم الحوار الأوروبي الذي يدور عن الإسلام والمسلمين، يحدث وكأن لا وجود مطلقاً للمسلمين في أوروبا. كما يلاحظ أن في هذا التجاهل للمسلمين تجاهلا للكثير من الفوارق الثقافية بينهم. فالمسلمون الفرنسيون ينتمون إلى أصول معظمها عربية وأفريقية، بينما يغلب عدد مسلمي جنوب أفريقيا على الجالية المسلمة في بريطانيا -التي تضم أجناساً وقوميات مختلفة منها بنجلاديش وباكستان والهند وعدد كبير من المسلمين القادمين من مختلف دول العالم-. أما المسلمون الهولنديون فمعظمهم عرب وإندونيسيون، بينما يغلب المهاجرون الأتراك على الجالية المسلمة الألمانية. وفي باريس ولندن بالذات يشكو أفراد الجالية من الصورة النمطية السلبية الجاهزة التي تروج عنهم. وهي نفسها الصورة التي يزداد انتشارها الآن في بقية العواصم الأوروبية.
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"