ارتخاء إقليمي يسيج الوضع اللبناني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جورج ناصيف
ما زالت بيروت خاصة ولبنان عامة تعيش التداعيات الهائلة التي خلفتها الاشتباكات التي عمت أحياء عدة من العاصمة وخلفت أضراراً مادية ومعنوية وسياسية لن يكون من السهل معالجتها من غير خطة جذرية لإعادة النظر في انتشار السلاح في الأحياء انتشارا مخيفا يهدد السلامة العامة لساكني العاصمة وهم يبلغون نحو نصف الشعب اللبناني فضلا عن المجمعات الرئيسية الرسمية والخاصة.
أول هذه التداعيات اتساع رقعة المطالبين بسحب السلاح من العاصمة والتمييز القاطع بين سلاح للمقاومة يفترض ان يكون موقعه في المناطق الحدودية في مواجهة العدو الإسرائيلي وسلاح بات سلاحا ميليشياويا بدليل استخدامه في معارك الأحياء والأزقة هؤلاء المطالبون لم يعودوا يقتصرون على تيار "المستقبل" وحلفائه السياسيين بل باتوا يشملون أوسع مروحة اجتماعية واقتصادية لم تعد تجد مسوغا لهذا السلاح الذي فقد مشروعيته الوطنية والقومية عندما تحول إلى سلاح في الداخل.
ثاني هذه التداعيات الاجتماع الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الحكومة سعد الحريري والذي انتهى إلى التأكيد على امن العاصمة باعتباره امنا للبنان. هذه التداعيات تشير إلى الفارق الكبير بين النتائج التي ترتبت على أحداث 7 ايار 2008 عندما جرى استباحة العاصمة ونتائج اليوم. يومذاك لم تكن حكومة الاتحاد الوطني قد تشكلت ولم يتم انتخاب رئيس توافقي للبلاد ولا انعقدت قمة الدوحة التي حرمت استخدام العنف في الداخل واستخدام السلاح في حل المنازعات الداخلية ولا انعقدت القمة الثلاثية الأخيرة التي شهدتها بيروت وأكدت مجددا مقررات الدوحة، لجهة تحريم استخدام السلاح في الداخل.
أما الفارق السياسي الأساسي بين المناخ الذي أحاط بأحداث 2008 وأحداث الأمس، فيكمن في المصالحة العميقة التي جرت بين الحكم في سوريا وتيار الرئيس الحريري بحيث بات التنسيق كثيفا ويوميا ويشمل جميع الملفات السياسية والاقتصادية. لذلك فان مراهنة البعض على تكرار أحداث 2008 هي مراهنة لا تجد أساساً لها من الصحة في التوازنات الداخلية أولاً.
بهذا المعنى، فقد انتهت المواجهة السياسية بين تيار "المستقبل" برئاسة الرئيس رفيق الحريري و"حزب الله" إلى تسجيل كل من الفريقين نقاطاً لصالحه تمنع القول ان طرفا قد انتصر بشكل كاسح. بالنسبة لتيار "المستقبل" ظهر انه امتلك عددا من الأوراق في طليعتها:
ظهر قدر كبير من الاحتقان الشعبي حيال السلاح المنتشر في الأزقة الأمر الذي يمنح شعار "بيروت منزوعة السلاح" مصداقية شعبية.
تراجعت الهالة المعنوية التي تحيط بـ "حزب الله"
تأكدت العلاقة الطيبة بين الرئيس الحريري والقيادة السورية من خلال السحور الذي دعي اليه الحريري على مائدة الرئيس السوري وان يكن جرى التأكيد على ضرورة حماية المقاومة ومنع اي مس سياسي أو امني بها.
في المقابل حقق "حزب الله" عددا من المكتسبات اهمها: أكد انه ممسك بمصير الحكومة نجاحاً أو فشلاً وان لا سبيل إلى محاصرته على الصعيد الحكومي.
نجح الحزب في إعادة تبريد المطالبة العامة بسحب السلاح من بيروت، حيث ان الاجتماعات الأمنية المتلاحقة وأبرزها المجلس الأعلى للدفاع انصرفت إلى دراسة سبل تعزيز الجيش وقوى الأمن الداخلي وانحرفت عن الموضوع الأساسي الذي كان وراء اجتماعاتها وهو إخراج السلاح من العاصمة.
نجح الحزب في جعل موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان شديد التقارب مع موقفه وعلى مسافة كبيرة من اطروحات تيار "المستقبل" وسائر قوى 14 آذار. نجح الحزب في دفع مسألة شهود الزور في التحقيقات التي جرت حول عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى الواجهة السياسية بشكل طغى على سائر الموضوعات.
لكن لبنان يتحرك في ظل معادلات اقليمية هي التي فرضت وتفرض محاصرة اية مشكلة داخلية ومنعها من الإخلال بالتوازنات العامة. عنوان هذه المعادلات الاقليمية اتجاه الولايات المتحدة إلى تهدئة المشاكل والبحث عن حلول سياسية سلمية لها وقد تجلى ذلك في ثلاثة ملفات: في العراق في الساحة الفلسطينية والعلاقة مع سوريا.
ففي العراق تحزم الولايات المتحدة حقائب جنودها من اجل إنهاء دورها القتالي في العراق وتسليم السلطة الأمنية إلى الجيش العراقي تدريجيا الأمر الذي أملى مرحلة من التهدئة الواضحة مع إيران التي من غير دور جدي لها في مستقبل العراق لن يكون ممكنا لهذا الانسحاب العسكري ان يتم بأقل الخسائر الممكنة.
وقد تجلى الهدوء الأميركي في التعاطي مع الملف الإيراني في فتح الباب امام المفاوضات بين الستة الكبار والسلطات الإيرانية من اجل التوصل إلى مخرج مقبول للقوة النووية الإيرانية كما تجلى في التعاطي الأميركي الهادئ مع شروع روسيا بإمداد المفاعل النووي الإيراني بوشهر بالطاقة اللازمة لتشغيله.
وعلى الصعيد الإسرائيلي الفلسطيني تم الانتقال بضغط أميركي مباشر إلى مرحلة المفاوضات المباشرة التي ستستمر 12 شهرا والتي يخطط لها ان تنتهي برسم الخطوط العريضة للحل النهائي حول القدس والحدود والمستوطنات والتعويضات وسائر البنود الشائكة.
صحيح ان لا آمال كبيرة تعلق على المفاوضات الإسرائيلية ؟ الفلسطينية وان النقاش يجري حول 42% فقط من أراضي الضفة الغربية، وان الطرف الفلسطيني ذهب ضعيفا إلى المفاوضات ومرغما بعد تهديد واشنطن قطع المساعدات الأميركية عن السلطة (3. 1 مليار دولار تشغل 120 الف موظف) وصحيح انه من الصعوبة التكهن بالنتائج منذ الآن الا ان الزخم الأميركي كما يبدو هو زخم جدي محاط برعاية عربية من جانب مصر والأردن.
اما في لبنان فيبدو واضحا ان لا اعتراض أميركيا على عودة الخيمة السعودية ؟ السورية المرفوعة فوق لبنان ولا دخول في لحظة مناوشات سياسية مع سوريا التي تبدي ارتياحا متزايدا إلى علاقاتها مع فرنسا وتركيا سواء بسواء. اذن مناخ من الارتخاء الاقليمي يسيج الوضع اللبناني ويمنع اي انفجار يهدد الاستقرار الداخلي بانتظار القرار الظني الذي يبدو انه مرجأ إلى السنة المقبلة.