جريدة الجرائد

اتجاهات حوار الرئاسة في مصر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يوسف نور عوض


احتلت مصر مكانتها الحديثة مع صعود محمد علي باشا إلى الحكم، إذ نظر إليها في ذلك الوقت على أنها بوابة الاتصال مع أوروبا الحديثة، وسمي عصر محمد علي بعصر النهضة، ولم يكن أحد في ذلك الوقت يفكر في قيادة سياسية لمنطقة الشرق الأوسط، ولكن الأمر تغير بعد عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين عندما سيطر اليهود على أرض فلسطين، وبدأ العالم العربي كله يتوحد خلف هذه القضية، وعند هذه المرحلة ظهرت ثورة تموز/يوليو في عالم منقسم أشد الانقسام بين شرق وغرب، وكان انحياز الثورة نحو الشرق واتخاذها مواقف مضادة لدولة إسرائيل كفيلا بإدخال مفهوم القيادة السياسية للمنطقة، وهو المفهوم الذي لم يتبلور خلال حكم عبد الناصر إلى مشروع سياسي أو اقتصادي لأن كل ما كان يفكر فيه عبد الناصر هو القيادة السياسية،
ومع ذلك احتفظت مصر بقيادتها للمنطقة وهي القيادة التي استمرت حتى نكسة حزيران، التي تبعتها وفاة الرئيس عبد الناصر ليتولى الحكم الرئيس أنور السادات الذي غير بوصلة الحكم في مصر مئة درجة، عندما اعترف بإسرائيل وسافر إليها، ولم يتغير الوضع كثيرا مع تسلم الرئيس حسني مبارك سدة الحكم في مصر، إذ لم تعد مصر إلى دورها القيادي في العالم العربي ولم يعد أحد في الحقيقة يحفل بذلك بعد أن تغيرت المفاهيم، إذ لم يعد العالم العربي مشغولا بقضية النهضة المنقولة من العالم الغربي أو قضية الوحدة العربية، ولم يعد يصدق الناس بعد نكسة حزيران كثيرا من الشعارات التي كانت مقبولة في العالم العربي قبل تلك النكسة.
ولكن تحولات أساسية وقعت في داخل مصر التي انكفأت على ذاتها إذ تضاعف عدد السكان فيها بسرعة كبيرة دون أن تكون هناك إستراتيجية واضحة لمواجهة هذه الزيادة ودون أن يكون هناك تفكير في تجديد العلاقة مع السودان، أو حتى ربط بين مستقبل مصر ومستقبل السودان.
واليوم وحين تواجه مصر أخطر الأزمات في تاريخها بعد تفاقم حركات الانفصال في السودان نجد أن التفكير في مستقبل الحكم في داخلها يدور في إطار تقليدي، حيث التركيز لا يكون على نظام الدولة أو على توفير الأمن للسكان من خلال إيجاد علاقة جديدة ومتطورة مع السودان، بل يتركز التفكير على إيجاد فرعون جديد وكهنة جدد يديرون شؤون البلاد دون الاستفادة من الماضي، ويبنى هذا الاتجاه في مجمله على نظرية ليس هناك دليل على صحتها وهي أن الأمة لا تحتاج لأكثر من قائد لكي ينتقل بها إلى بر الأمان، ويسود مثل هذا التفكير في وقت جربت فيه الأمة حكم الفرد ومن حوله بطانته وقد عرفت 'عجر' ذلك و'بجره' ولا تريد تجربة جديدة من أجل مزيد من التعلم.
ونعرف أن مصر ستواجه خلال عام ألفين وأحد عشر مرحلة انتخابات رئاسية كان من الممكن أن تكون دافعا لكي يبدأ الناس فيها التفكير في ما كان عليه حال البلاد منذ قيام ثورة يوليو والأسباب التي جعلت حكم القانون والدولة الحديثة غائبا في أكبر دولة في هذه المنطقة، ولكن مصر لم تهتم بذلك وركزت تفكيرها على من يكون خليفة مبارك إذا قرر التنحي عن الحكم ورفض إعلان نفسه مرشحا جديدا، وكأن مستقبل الدولة لا يعتمد إلا على حكم فرد يكون صالحا أو مؤهلا للقيام بالمهمة.
ونلاحظ أن الاهتمام في أول الأمر تركز على شخصيات ثلاثة أولها جمال نجل الرئيس حسني مبارك الذي يدير حملته بمنتهى الحرص وسط احتجاجات التوريث، ويأتي التأييد لجمال مبارك من رجال الحزب الوطني الحاكم والأرستوقراطية التي يطلق عليها عادة كهنة السلطان والذين ارتبطت مصالحهم بمصالح النظام ولا يريدون نهايته بل يريدون الاستمرار بامتيازاتهم نفسها في ظل رئيس جديد هو في حقيقته امتداد للحكم القديم. ولكن لا أحد يتوقف ليتساءل كيف بنى هذا المرشح نفوذه وكيف استطاع أن يصل إلى هذه الدرجة من القوة.
وفي الجهة المقابلة يأتي الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية والذي أعلن أنه يريد تعديلات دستورية من أجل أن يرشح نفسه لمنصب الرئاسة، ولكن لا أحد يسأل ما المؤهلات السياسية والاجتماعية التي تجعل محمد البرادعي مرشحا لأهم منصب سياسي في مصر، وأما المرشح الثالث فهو أيمن نور الذي يقف خلفه بعض المثقفين الذين يطلقون على أنفسهم ليبراليين وهو مدعوم من حركة كفاية التي يساندها عدد من مؤسسات المجتمع المدني.
وهنا يذهب خيال الجميع أنه لا يوجد بين هذه المجموعة من له خلفية عسكرية أو أمنية وكأن من مؤهلات الذي يتولى الرئاسة أن يكون ذا خلفية عسكرية أو أمنية، وكان ذلك هو المدخل الذي ظهرت من خلاله صور اللواء عمر سليمان كمرشح محتمل لمنصب الرئاسة، وهي صور سحبت على الفور من الشوارع لتترك تساؤلات عند كثير من أفراد الجمهور الذين شكوا في أن نشر هذه الصور كان مجرد اختبار لرأي الجمهور إذ لا يستطيع عمر سليمان وهو يتولى منصبا حكوميا رسميا أن يعلن نفسه مرشحا لمنصب الرئاسة.
وكما نرى فإن المسرح السياسي في مصر في هذه المرحلة يعمل في إطار ثقافة سائدة وهي البحث عن رجل يقود البلاد، ولا مانع من أن تكون هناك فروق بسيطة بين المرشحين إذ المهم فقط في نظر العاملين في هذا الحقل ألا يكون هناك فراغ والمهم أن يأتي رئيس جديد ولا مانع من أن يأتي برجاله لكي يمارسوا نفس ما كان يمارسه الرؤساء السابقون والرجال الذين كانوا من حولهم، ولكن لا أحد يسأل هل وجود رئيس من هذا النوع كفيل بأن يحدث التغيير الذي يتطلع إليه الجميع؟
في رأيي أن ما تحتاج إليه مصر في هذه المرحلة هو وضوح في الرؤية، فهي لن تكون في موضع الصدارة في العالم العربي لأسباب كثيرة، أولها أنها خرجت من القضية المحورية التي كان يلتف حولها العرب، وهي قضية فلسطين كما أن الأصوات التي كانت تنادي في الماضي بالوحدة العربية قد خفتت ولم يعد هذا الشعار يحرك الواقع السياسي في العالم العربي، ومن ناحية أخرى فإن الظروف الإقتصادية في مصر لا تساعدها على القيام بدور القيادة إذ أنها لا تأتي في مقدمة الدول العربية من حيث التقدم الاقتصادي إذ تتفوق عليها في هذا المجال جميع الدول الخليجية، وقد كانت مصر في إطار الثقافة السائدة في المراحل السابقة ترود الحركة الثقافية ولكن العالم قد تقدم كثيرا في مجال الفكر، وعلى الرغم من تفوق كثير من الكتاب المصريين في مجال الرواية والأعمال الإبداعية فإن حظ الكتاب المصريين في مجال تطوير الفكر السائد في المنطقة ضئيل جدا ومعظم الكتاب يتبنون نظريات تقليدية عفا عليها الزمن، كما أن نظرية التعليم قد تغيرت بشكل كبير في العالم المتقدم إذ لم يعد التعليم هو فتح المدارس فقط تجاوز المفهوم نظرية التمدرس التي هي الأساس السائد في التعليم المصري وأيضا التعليم العربي، ودون الخوض في مثل هذه التفاصيل فإن الأمر برمته في بلد مثل مصر يحتاج إلى انفتاح على نظريات التحديث السياسي، وهذا التحديث يتجاوز فكرة البحث عن زعيم قائد إلى نظرية تأسيس نظام جديد للدولة، ويقوم هذا التأسيس في البداية على رؤية اقتصادية سليمة، وتتركز هذه الرؤية حول إقامة نظام مصرفي حديث يحفظ أموال الدولة والناس ويساعد على تطوير المشاريع، وأن ينشأ نظام ضريبي عادل، وكذلك نظام للضمان الاجتماعي يساعد على الانتماء الوطني ويوفر فرص العيش الكريم للمتعطلين كما يضمن أن يكون عادلا في استقطاع الضرائب من المنتجين، وأن يتم ذلك في إطار نظام حزبي متطور لا يقوم على أسس ايديولوجية أوتنظيمات حكومية بل على أساس مصالح اجتماعية واقتصادية واضحة . ولا بد أن يكون هناك تطور تعليمي حديث ليس الهدف منه تكديس الطلاب في المدارس أو الإكثار من حشودهم في الجامعات بل الهدف منه إعداد أشخاص قادرين على العيش في مجتمع حديث، ويعني ذلك ضرورة أن يعاد النظر في الأوضاع الإقتصادية والسياسية والاجتماعية برمتها وكذلك التوقف عن البحث عن رجل واحد يمكن أن يحقق الخلاص لجمهور المواطنين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف