أمن الخليج من خلال باب البحرين إلى نافذة قطر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ظافر محمد العجمي
لا نغالي في الحماس عندما نقول إن كل صفحة خلافات تطوى بين الأشقاء الخليجيين تنشر قشعريرة من الابتهاج في الجسد الخليجي كله من الكويت حتى مسقط. فاستجابة لطلب من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، أمر حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى بالعفو عن جميع السجناء البحرينيين الذين صدرت بحقهم أحكام لتجاوزهم حدودها الإقليمية البحرية. كما لا نغالي حين نؤكد أن خلط السياقات التاريخية في الوثائق الأجنبية للوصول إلى التضليل قد ضخّم الكثير من الخلافات الخليجية، وخير دليل على ذلك هو سرعة حلها عند توافر النية الخليجية الصادقة. كما صار يشار إلى دولنا كأمثلة ناضجة ومستقرة في علاقاتها الدولية، بل لعل أوضح دليل على ذلك النضج تنوع وجهات النظر التي تنتهجها كل دولة حيال أمن مجلس التعاون. لقد جاءت المبادرة الكويتية الأخيرة من أجل رتق اللحمة الخليجية، ولتؤكد صحة انحيازنا الواعي إلى قدرة الخليجيين بأنفسهم على تجاوز كل خلاف، يسند ذلك النضج السياسي الذي وصلته العواصم الخليجية، وخير مثال على ذلك النضج هو الباب الذي فتحته مملكة البحرين لجعل البعد الاستراتيجي عاملاً من عوامل حفظ أمن الخليج. بالإضافة إلى النافذة الدبلوماسية القطرية الواسعة التي أصبحنا نرى ونشارك من خلالها في أحداث العالم المتغيرة.
فمن خلال باب البحرين أصبح لمملكة البحرين فضل في خلق نواة الدفاع الاستراتيجي للخليج العربي منذ عام 1820م عندما وقعت أول معاهدة مع الحكومة البريطانية، وتواصل هذا الأمر حتى نهاية السبعينيات كذلك ظلت البحرين على الدوام حجر الزاوية في ربط الغرب بالمنطقة، خاصة في مجال التجارة ففي السنوات الأولى لاستكشاف النفط كانت البحرين هي رأس الجسر لجهود المسح الأنجلو- أميركية في المنطقة. ويقول صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد في محاضرة له في لندن قبل سنوات: "لقد تمسكت دولة البحرين طوال سنوات القرن العشرين بمبادئ ومثل عليا يقرها العالم الحر ورفضت بصورة قاطعة الأيديولوجيات الثورية كالشيوعية والفاشية والنازية. وقد سبب هذا الالتزام متاعب مادية واقتصادية للبحرين؛ إذ تحملت نتيجة لذلك أعباء غارة جوية إيطالية في عام 1942م وأنشطة شيوعية ناصبتها العداء في أعقاب ثورة ظفار الماركسية في منتصف السبعينيات. ودأبت البحرين طوال هذه الفترة على أن تكون في مقدمة دولة منطقة الخليج في كل ما يتصل بروابط مع الغرب". ويضيف سموه: "لقد احتفظت البحرين بوضع فريد فيما يتصل بدور الغرب في منطقه الخليج، فالدور الذي تؤديه في خطط القوى الغربية في منطقة الخليج العربي جاء نتيجة تخطيط بعيد المدى وبصيرة نافذة رغم أن مواقفها قد تبدو جلية التباين مع المواقف التي تتبناها دول أخرى. وكانت متراساً تحطمت عليه الطموحات العراقية في عام 1961م عندما حشد عبدالكريم قاسم قواته المسلحة استعداداً لغزو دولة الكويت. فقد كان الوجود البريطاني في البحرين خير سند للكويت في ذلك الصيف". ثم يقول: "وفي ضوء الأهمية الاستراتيجية للبحرين والتزامها التاريخي بدعم الدفاع ليس عن قيمها ومصالحها في الإقليم فحسب ولكن عن قيم ومصالح جاراتها وحلفائها أيضاً فإن تمركز العمليات الإقليمية للبحرية الأميركية في البحرين لا يثير أي قدر من الدهشة حيث إن العلاقة بين دولة البحرين والولايات المتحدة الأميركية قد تطورت وتعمقت منذ تأسيس قيادة منطقة الخليج العربي في يناير 1949 رغم الضغوط المكثفة التي مارستها بعض الجهات على البحرين لقطع هذه العلاقة. من جانب آخر سمحت البحرين أيضاً لقيادة الأسطول الخامس "NAVCENT" بالانتقال إلى البر مما خلق واحدا من أكثر مراكز القيادة والاتصالات تقدما في المنطقة. ومن المؤكد أن هذا المركز يعتبر عنصر عمليات متقدما بالنسبة إلى القيادة المركزية لقوات الولايات المتحدة الأميركية "CENTCOM".
ومما سبق نرى أن مملكة البحرين قد سبقت دول مجلس التعاون ببصيرتها في ضرورة الدفاع الاستراتيجي كأحد طرق حفظ الأمن في الخليج منذ 90 عاماً، ولعل خير مثال على قناعة دول المجلس بصحة المسعى البحريني، الاتفاقيات الأمنية الحالية التي وقعتها دول المجلس مجتمعة أو فرادى مع الدول دائمة العضوية في مجلس والأمن ومع حلف شمال الأطلسي ودول مبادرة أسطنبول.
من جانب آخر تحرك الدبلوماسية القطرية توجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، ثم يحركها نشاط رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني فشرع بذلك نافذة ضخمة تفوق الـ65 كيلومتراً التي كانت لقرون عدة المنفذ القطري الوحيد مع العالم. فوفق مدرسة سياسية جريئة تعدت الدبلوماسية القطرية أنشطة تبادل السفارات والبعثات الدبلوماسية، أو حتى إرسال المساعدات، أو الشجب من خلال المنابر لما يعترض مسيرة مجلس التعاون أو العمل العربي المشترك. ففي سِفر الإنجازات نتيجة حضورها الباهر في كل تجمع دولي نجد توسيعاً في العلاقات مع دول إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ودول أوروبا والولايات المتحدة. وكلما طوينا صفحة من ذلك السِفر طوينا معها اليأس من حل أزمة في لبنان أو السودان أو اليمن أو فلسطين أو تشاد، حيث تستند النجاحات القطرية إلى شبكة علاقات معقدة وضخمة مع صناع القرار حول العالم، لكن الكسب القطري الكبير هو في فتح الدوحة لملفات ذات قضايا مستمرة في التدهور ولم تلتفت لها الدبلوماسية العربية أو الدولية إلا بإشارات عابرة حيث كان يتم ترحيلها من قمة إلى أخرى ومن مؤتمر إلى مؤتمر. وما يهمنا أن أمن الخليج جاء كأولوية من خلال النافذة القطرية على أنه "ظاهرة إقليمية ودولية لأن المنطقة تتمتع بأهمية استراتيجية استثنائية بالنسبة لدول العالم نظراً لموقعها الجغرافي المتميز، وثرواتها الضخمة الثابتة من احتياطيات النفط والغاز" كما قال الشيخ حمد بن جاسم، ونتيجة ذلك الإدراك قررت قطر استمرار فتح النافذة مع جمهورية إيران الإسلامية حتى نرى ما يجري هناك، ونطلعهم على ما نعتقد حيال ملفهم النووي، ونتيجة لذلك الإدراك أيضاً تجاوزت قطر محاذير الاتصالات في سبيل تحريك القضية الفلسطينية، مما جعل العالم مجبراً على الالتفات تجاه النافذة القطرية.
لقد أسرجنا القلم لإبراز جوانب تستحق الإشادة في دولتين من دول مجلس التعاون وقبل نزع السرج نقر أنه لا يمكن القول إن دول المجلس تدرك التهديدات التي تواجهها دون تباين، كما لا يمكننا القول إن الأولويات غير مختلفة، لكن ما يمكننا قوله هو أن التباين في فهم التهديدات واختلاف ترتيب الأولويات قد جاء نتيجة نضج عميق في الإدراك، وبالتالي هو إثراء للجهد الخليجي لحفظ الأمن بشكل عام سواء كان مبكراً كباب البحرين أو حديثاً كالنافذة القطرية وعلينا تقبله.