العيد فرحة.. وبلاهة.. وزكي قدرة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
شريف عبدالغني
أما وقد دخلنا أول أيام عيد الفطر، فقد وجبت علينا وقفة مع ما أنجزناه خلال شهر رمضان الفضيل. وقبل أن تذهب الظنون بأحدكم أوضح أن الوقفة المقصودة تتعلق بما تريده حكوماتنا منا باعتبارنا مواطنين شرفاء نمشي جنب الحيط، ونسمع كلام أولي أمرنا الذين بالتأكيد يفهمون أحسن منا ويعرفون ما هو الصالح لنا فنفعله وما هو الطالح فنتجنبه. نحن مثل "زكي قدرة" عامل المجزر الذي جسد شخصيته القدير عادل أدهم في أحد الأفلام.. ليس لنا رأي.. وإذا كبست علينا الشرطة وضبطتنا في أمر مخالف للقانون يكون ردنا: "يا سعادة الباشا أنا عبد المأمور.. ادبح يا زكي قدرة يدبح زكي قدرة.. ما تدبحش يا زكي قدرة، ما يدبحش زكي قدرة".
والمؤكد أن ما تريده حكوماتنا العربية خلال رمضان، هو "التسلسل" أمام الشاشات التلفزيونية لمشاهدة المسلسلات التافه منها والممل، فضلاً عن "التسمر" أمام برامج النميمة والزيجات والطلاقات والعلاقات الشرعية وغير الشرعية. ومجمل هذه الأعمال التي تدفع فيها حكوماتنا دم قلبها هدفها الأوحد نشر البلاهة في صفوف الأمة، وذلك تحقيقا لهدف قومي قد يكون الحماية من وجع الرأس الذي تجلبه السياسة والألفاظ المقعرة ثقيلة الظل مثل الإصلاح والديمقراطية والنزاهة والشفافية. وقد يكون الهدف الاتجاه نحو مستشفيات الأمراض العقلية لنريح ونستريح ونعيش مثل المجانين.. في نعيم.
فإذا أتى العيد وفعل حصاد البلاهة طوال الشهر فعلته، وأنكر خلّ خله وتلاقينا لقاء الغرباء، وأصبحنا محل فُرجة وتندر وهمسات أمم العالم، فلا تقل شئنا، فإن "زكي قدرة" شاء.. ويا إخواننا زملاء الشعوب: لا تضحكوا علينا..إحنا عبد المأمور.. "اتسلسل" يا زكي قدرة قدام المسلسلات، يتسلسل زكي قدرة.. اتفرج على برامج العبط يا زكي قدرة، يستعبط زكي قدرة.
ولأن نوعية برامج النميمة والخوض في الأعراض تكاثرت وتناسلت، ودخلت مرحلة تاريخية جديدة مع نضال الأحمدية وطوني خليفة، فإن الواجب أن نذكر بكل خير مؤسسة هذا الاتجاه، الرائدة منى الحسيني، والتي عادت إلى قواعدها سالمة في رمضان بعد توقف عدة سنوات ببرنامج "حوار صريح جدا" وأذيع على شاشة "دريم" الفضائية فضلا عن التلفزيون المصري الرسمي، وبعد دعاية مكثفة وتصريحات من الرائدة عن التجديد في فكر البرنامج، تبين في النهاية أنها لعبت في المضمون ومشت في السكة القومية التي تقررها السلطة بتغييب الشعوب. معظم ضيوفها من نفس النوعية، فنانون وفنانات من أصحاب السوابق الزوجية والعلاقات المتعددة، وتكرر عليهم الأسئلة ذاتها "اتجوزتي كام مرة".. "عرفت كام واحدة".. "محتاجة راجل ليه".. "بذمتك ودينك مش حاسس بالذنب إنك طلقت أم العيال واتجوزت رقاصة.. وبترقص".
ويبدو أن الست منى التي حظيت ذات مرة أثناء أحد برامجها باتصال من "المقام الرفيع جدا"، مشيدا بها وببرنامجها، استحلت اللعبة وتمنت تكرارها، فاستضافت الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم. استبشرنا خيراً، لكنها كالعادة راحت تسفه الحوار بأسئلة عن الزيجات والطلاقات. لم تحاول مرة أن تسأله عن القيمة والمبدأ في حياته الذي جعله يخرج من سجون عبدالناصر، لتكون أبواب الدنيا مفتوحة أمامه لو قال مجرد كلمتين حلوين في حق من أخرجه من الاعتقال.. الرئيس السادات. لكنه راح يهاجم الأخير ويهجوه مع رفيق دربه الشيخ إمام عيسى، في الوقت نفسه الذي كتب إحدى أجمل قصائده "زيارة إلى ضريح عبدالناصر" وأظهر فيها من اعتقله بصورة الحسين وصلاح الدين، مترفعا في سمو إنساني نادر عما أصابه من ضرر شخصي أمام "حاجات معجزة" بحسب تعبيره، أنجزها ناصر. وحانت لحظة الرغبة العارمة في تكرار الاتصال "رفيع المقام"، حينما قالت: "بس مش عيب يا عم أحمد تطلع في الفضائيات العربية -تقصد الجزيرة- وتهاجم بلدك"، لم تعطِ الرجل فرصة ليشرح الفارق الشاسع بين الهجوم على البلد وبين نقد سياسات يراها خاطئة. وألجمته حينما قالت: "يعني نروح الفضائيات ونقبض بالدولار وننشر غسيلنا الوسخ بره.. لأ المفروض إننا نتكلم عن أوضاعنا عندنا". راحت تقاطعه حينما قال: إنه لم تعد هناك أمور خفية حتى نداريها عن الخارج، ثم نطت فجأة وارتدت ثوب الناصح الأمين والوطني المخلص وحشرت "المقام الرفيع" في الحديث: "يعني يا عم أحمد المثل بيقول اللي مالوش كبير يشتري له كبير، وإحنا كبيرنا الرئيس مبارك.. يعني يصح تطلع في الفضائيات إياها وتهاجمه.. عندك التلفزيون المصري تطلع فيه تقول اللي أنت عاوزه".. حاول المسكين أن يفهمها أن المذكور المصري لا يستضيفه، فقالت له مسرعة: "أنت الآن على شاشة التلفزيون المصري".. وبعد أخذ ورد وعملية مونتاج ظهر عم أحمد وهو يعتذر للرئيس مبارك: "حقك عليّ يا أبوعلاء لو كنت زعلتك"، لتتنفس الست الرائدة الصعداء، أخيراً جابت الديب من ديله، وحصلت على اعتذار من "الفاجومي" للرئيس، لتكشف عن أن شاشة التلفزيون المصري مفتوحة للمعارضين، فقط ليعتذروا ويُبدوا الندم ويبوسوا القدم على غلطتهم في حق الغنم!
وختمت الست المذيعة حوارها مع الشاعر الكبير، بسؤال يبدو خبيثا عن "أخبار مزاجه"، لكن السؤال أبله لكون الرجل ليس متجملاً واعترف على الملأ في أحاديثه ومذكراته بكل نواقصه. لو تعبت الرائدة نفسها قليلاً وشاهدت لقاءات "الفاجومي" مع "الجزيرة" ربما خرجت بدرس عن الإعلام البناء، وكيف تستخرج من ضيفك مكامن قيمته الحقيقية. "الجزيرة" أظهرت نجم المبدع.. الإنسان.. الموقف.. المبدأ.. الرافض للظلم.. المحب للخير والناس.. الذي ينظر في المرآة ليرى نفسه أجمل إنسان في الكون كونه لم يتاجر بنفسه أو إبداعه على أحذية السلطة. أما الرائدة فأظهرته "مزواجاً"، "مزوراً"، "حشاشاً" و"متجنياً على أسياده الحكام".
بمناسبة العيد -الذي هو فرحة وأجمل فرحة بالفعل كما حفظنا من صفاء أبوالسعود- سأنفض عن نفسي غبار حصاد البلاهة الذي خرجت به من تلفزيون رمضان والست الرائدة، وسأبحر مع بعض أروع كلمات أحمد فؤاد نجم نفسه: "بلدي وحبيبتي.. الغرام في الدم سارح.. والهوى طارح معزّة.. والحنين للقرب بارح.. والنوى جارح يا عزة.. يا ابتسامة فجر هلت بددت ليلي الحزين.. يا ندى الصبح اللي شقشق فوق خدودي الدبلانين.. بلّ شوقهم.. صحي لون الورد فوقهم.. مين يدوقهم.. مين سواكي.. يا حياتي يا ملاكي.. يا نسيم الحب لما هب هز القلب هزّة.. يا هوى الأحلام يا عزة.. الليلة دي يا حبيبتي.. جم خدوني جوز تنابلة ونص دسته من التيران.. كنت بحلم يا حبيبتي.. كنت بحلم بيكي انتي..ومين سواكي..كنا قال إنا وانتي قال في جنينة خضرا ومحاوطها البرتقان والسيسبان.. وانتي جوا قرنفلاية في العبير بتستحمي.. أجري يمك يا هوايا.. تسبقيني وتجري يمي.. أحضنك واشرب عبيرك من شفايفك.. والغصون واقفة شايفة بتراعينا.. بس خايفة من العيون.. والعيون بتقول كلام.. والكلام طاير حمام.. بيهادينا بالمحبة وينادينا بالسلام".