جريدة الجرائد

شرق أوسط جديد بالسياسة لا بالدبابة؟!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

راجح الخوري

عندما وقفت هيلاري كلينتون أمام "مجلس العلاقات الخارجية الاميركية" أول من امس لتقول: "إن الاستراتيجية الاميركية الجديدة بدأت تؤتي ثمارها"، لم تكن تتحدث عن المفاوضات المباشرة التي استؤنفت بين الفلسطينيين والاسرائيليين فحسب، بل عن رؤية اميركية شاملة تتركز محوريا في الشرق الاوسط والخليج وتتوسع في اتجاه شمالي شرقي الى باكستان، وجنوبي غربي الى موريتانيا.
طبعا لم تذهب وزيرة الخارجية الاميركية الى الحديث عن تفاصيل هذه الاستراتيجية، ولكن كلامها الموجز، كما اذيع، بدا كافيا ليدرك المرء ان الاساس الذي تبني عليه ادارة الرئيس باراك اوباما هو عينه الذي بنت عليه ادارة سلفه جورج بوش، اي اقامة "الشرق الاوسط الجديد" ولكن بالديبلوماسية والسياسة هذه المرة بدلا من الدبابة والصاروخ.


❒❒❒

المدخل الحقيقي لفهم تصوّر الادارة الاميركية للوصول الى هذا الهدف، الذي يعيد شيئا من الصدقية الى وعود اوباما الزهرية التي اطلقها في خطابيه في القاهرة وانقرة، ليس المفاوضات المباشرة والرهان الاميركي الكبير عليها كما يبدو من كلام السيدة كلينتون، ولكن الخطوات الداعمة والموازية والاجراءات التمهيدية، اذا صح التعبير، التي يفترض ان تشق الطريق وتزيل العوائق من أمام حل اقامة الدولتين، دولة فلسطين الى جانب الدولة الاسرائيلية.
واذا كانت العراقيل والشروط التعجيزية الاسرائيلية اكثر من ان تحصى في هذا المجال، فإن من الضروري الانتباه الى كلام ذي مدلول عميق ورد في شهادة وزيرة الخارجية وهو يتعلق بأمرين:
عزل مفاعيل الفيتو الايراني على التسوية، وتعميم مفاعيل التسوية على الدول العربية والاسلامية.
❒ اولاً: احتل الحديث عن العقوبات المفروضة على ايران حيزا اساسيا في كلام هيلاري. وفي هذا المجال من الضروري التوقف عند قولها صراحة: "إن العقوبات والضغوط على طهران ليست هدفا بذاتها، انها حجارة بناء رافعة للحل التفاوضي الذي نلتزم به مع شركائنا(...) وان الهدف من هذه العقوبات لا يقتصر على تقويض البرنامج النووي الايراني، بل يشمل تصدير الارهاب، ولا اقصد بذلك "حزب الله" و"حماس" فحسب، بل محاولاتهم زعزعة استقرار دول في المنطقة وابعد منها".
من خلال هذا الكلام يبدو واضحا ان الجدال الذي سبق ان قام بين بنيامين نتنياهو وباراك اوباما على خلفية اشتراط الاول حل العقدة النووية الايرانية وتحديات طهران الاقليمية، التي وصلت الى شواطئ المتوسط، قبل مباشرة حل القضية الفلسطينية، في حين رأى اوباما ان حل الدولة الفلسطينية يسقط التحديات الايرانية، هذا الجدال يبدو انه انتهى بتفاهم اميركي - ايراني على ان يقوم تلازم في السعي لحل القضية الفلسطينية ومعالجة العقدة الايرانية. وهذا يعني عمليا ان مفاعيل العقوبات على ايران التي اشادت بها كلينتون تمثل عند واشنطن حجارة بناء رافعة للحل التفاوضي بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
❒ ثانياً: ان الرهان الاميركي على نجاح المفاوضات لا يقتصر على ان الجانبين يدركان ضمنا ويقرّان بانها قد تكون الفرصة الاخيرة، من منطلق ان تل ابيب تواجه اخطارا ديموغرافية (التكاثر الفلسطيني) وتقنية (الصواريخ) وايديولوجية (التيارات الاسلامية)، وان الرئيس محمود عباس يريد فعلا قيام دولة فلسطينية، بل يصل هذا الرهان الى الرغبة في تعميم السلام على قاعدة المراهنة على "المبادرة العربية للسلام"، وهنا قالت هيلاري إن 57 دولة عربية ومسلمة وافقت عليها، وهذا ما يفترض ان يفهم الاسرائيليون معناه واهميته.
وعندما تتحدث وزيرة الخارجية عن ان الجانبين يعرفان انها قد تكون الفرصة الاخيرة للسلام، وهذا امر سبق ان اعلنه عباس صراحة، فإن من المفترض ان تعرف واشنطن بدورها انها ايضا الفرصة الاخيرة لبقاء او لصمود اتفاقات السلام السابقة "كمب ديفيد" مع مصر و"وادي عربة" مع الاردن امام اتساع اليأس من التسوية الذي يوسع المجال امام القوى، التي تدعو الى مقاومة العدو الاسرائيلي وقتاله، بما يبقي الشرق الاوسط بؤرة مشتعلة تهدد الاستقرار الدولي والمصالح الحيوية للامن القومي الاميركي، كما تكرر واشنطن دائما!
على خلفية كل هذا، وعشية الجولة الثانية من المفاوضات التي ستحضرها هيلاري في القدس، قد يكون من الضروري ان نسأل:
لماذا لا تضيف واشنطن الى التهديدات الديموغرافية والتكنولوجية والايديولوجية التي تواجه اسرائيل "تهديداً" رابعا بالتخلي عن دعمها وحمايتها اذا لم تستجب شروط التسوية العادلة والشاملة والدائمة؟!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف