إيران تحاور أميركا! إذا تعرّضت "إنجازاتها" للخطر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سركيس نعوم
الذين لا يعرفون ايران من داخل يعتقدون ان الامر استتب للنظام الاسلامي الحاكم فيها، وتحديداً للتيار المحافظ والمتشدد الذي يقف على رأسه الولي الفقيه آية الله علي خامنئي ورئيس الجمهورية محمود احمدي نجاد، وذلك بعد التحدي الكبير الذي شكله له التيار الاصلاحي اثناء الانتخابات الرئاسية الاخيرة. وبعد اعلان نتائجها. وأهمية ذلك التحدي لم تنبع من تمتّع الاصلاحيين بقوة عسكرية وأمنية كبيرة قادرة على حمايتهم وتالياً مساعدتهم للاستمرار في تحركاتهم الشعبية بغية تحقيق مطالبهم. ولم تنبع ايضاً من كونهم ميليشيا مسلحة او جزءاً من ميليشيا قادرة على مواجهة النظام بالعنف، ولا من دعم فعلي مادي وعسكري تقدمه اليهم جهات دولية غربية واخرى عربية مناهضة للنظام الحاكم، رغم كل الادعاءات والمزاعم المخالفة. لكنها نبعت من امر مهم جداً هو ان الاصلاحيين او بالأحرى قياداتهم وغالبيتهم الشعبية كانوا جزءاً اساسياً من الثورة الاسلامية التي قامت عام 1979 في ايران، وركناً بارزاً في النظام "الشرعي" الذي ارسته، وأصحاب دور مهم في التحدي الأول والأكبر الذي واجهه هذا النظام بعد اشهر من قيامه وهو تعرضه لحرب مدمرة من عراق صدام حسين استمرت قرابة ثماني سنوات. ونبعت ايضاً من استمرارهم في العمل العام، ومن داخل النظام، سنوات طويلة رغم القمع والاضطهاد اللذين مارسهما عليهم المتشددون في شبه انتظام. ونبعت اخيراً من "الخطر" الذي شكلوه على المتشددين في الانتخابات الرئاسية الاخيرة. وهو لم يكن خطر الفوز على الارجح. بل كان خطر تمتعهم بتأييد جدي ومهم من داخل مؤسسات النظام الاسلامي سواء الدينية او السياسية او العسكرية - الامنية وفي مقدمها "الحرس الثوري". لكن الذين يعرفون ايران، وتحديداً القريبين منها، يشيرون الى ان الاستقرار التام والنهائي داخلها لم يتحقق بعد، والى ان التحدي الاصلاحي لا يزال موجوداً، والى ان الضغوط والصعوبات التي يواجهها النظام الحاكم فيها من الخارجَيْن الاقليمي والدولي تزيد من خطورة هذا التحدي. لكن هؤلاء القريبين يؤكدون على نحو جازم غياب اي خطر جدي وفعلي على النظام وخصوصاً من الاصلاحيين، لأنهم متمسكون به وبإصلاحه وليس بالتخلص منه ولأن الانجازات التي يحقق وخصوصاً في الموضوع النووي هي موضع فخر جميع الايرانيين.
وفي ظل الوضع الايراني المشروح هذا هناك رئيس للجمهورية اسمه محمود احمدي نجاد بات يشكل حالاً خاصة مختلفة تمام الاختلاف عن حالات الرؤساء الذين سبقوه، محافظين كانوا أو اصلاحيين. اذ نجح في اعطاء نفسه اهمية تفوق بالتأكيد الاهمية الرسمية للمنصب الذي يتبوأه وذلك بالكاريزما التي يتمتع بها وبشعبيته الواسعة بين الفقراء وبفرضه نفسه حاجة لقادة النظام الذين هم باختصار المرجعية الدينية الاولى و"الحرس الثوري".
ايران هذه ذات الرأس الواحد رسمياً، التي يمكن ان تصبح مع الوقت ذات اكثر من رأس او التي يمكن ان تثبت احادية الحاكم الفعلي لها اذا استوجبت التطورات ذلك، كيف ستعالج مشكلاتها مع اميركا وحلفائها العرب والغربيين والمجتمع الدولي؟
القريبون من ايران انفسهم يقولون ان هناك اتصالات جارية بين اميركا وايران في شكل او في آخر، سواء عبر سويسرا التي ترعى مصالح واشنطن في طهران، او عبر قنوات اخرى. ويقولون ايضاً ان ما تقوم به ايران في افغانستان والعراق يساعد في انجاح الحوار المشار اليه وقد يمهد لانخراط الدولتين في حوار رسمي وجدي ومُنتِج، ذلك انها (طهران) تسعى الى تهدئة الوضع في هذين البلدين حيث تواجه القوات الاميركية منذ سنوات تحديات كبيرة. ويضيفون ان رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني كان سيزور بغداد قبل اسابيع في اطار جولة خارجية له وذلك للمساعدة في التهدئة بعد الانتخابات الاخيرة في العراق والانقسامات التي انتجتها. لكنه ارجأ ذلك بعد الانفجار الذي قام به اسلاميون تكفيريون سنَّة في مدينة همذان. طبعاً لم ترتح الادارة الاميركية الى الإرجاء، كما انها فوجئت بالتفجير لأن لا علاقة لها به وانزعجت من الاتهامات الايرانية لها بالمسؤولية عنه. لكنها علمت لاحقاً ان ايران تعرف عدم وجود اي صلة لها به، لكنها تتهم السعودية بالضلوع فيه من دون استشارة واشنطن، اولاً لإرباك ايران وثانياً لإيهام الجميع ان لها دوراً اقليمياً مهماً رغم التحديات الايرانية. وعلمت في الوقت نفسه ان الهدف من الموقف الايراني هو دفعها الى وقف السعودية وجهات اقليمية اخرى عن تكرار اعمال كهذه.
في اختصار يلفت القريبون انفسهم الى ان اميركا تمارس حيال النظام في ايران "سياسة العصا والجزرة". فهي تريد شن حرب عليها، لكنها تعمل وستستمر في العمل لفرض عقوبات بحقها بغية حملها على الانخراط في حوار معها يؤدي الى تسوية نهائية. وايران لا تمانع في ذلك. لكنها تعرف ان انجاز هدف كهذا يحتاج الى وقت. وتعرف ان "التجاوب" مع العقوبات لا بد ان تسبقه فترة انتظار لمعرفة اثر العقوبات عليها، ولمعرفة رد فعل الشعب الايراني عليها، ومدى تقبّله لها او للدوافع التي أملتها. فاذا وجدت انها تسببت بتذمر شعبي وضرر داخلي فانها قد تعمد الى تسهيل امور الحوار الجدي. علماً انه قد يوصل الى تسوية مع اميركا او قد لا يوصل الى تسوية. لكنه في النهاية يساعد الطرفين على تلافي الحرب التي لا تريد اي منهما الوصول اليها. فاميركا تعرف ان انعكاسات الحرب على حلفائها العرب وعلى قواتها في المنطقة، وحتى على اسرائيل فضلاً عن النفط - والاثنان مصلحة حيوية واستراتيجية اميركية -، ستكون بالغة السلبية. وايران تعرف في الوقت نفسه ان الحرب عليها وخصوصاً من اميركا تعيدها الى الوراء من 50 الى 100 سنة وتطيح انجازاتها المهمة على كل الصعد. وهي لا تريد ذلك. وعندما تتأكد من انه سيحصل فإنها ستختصر الطريق الموصلة الى تفاوض جدي ومباشر مع اميركا.