نحن والمصحف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إياد الدليمي
في خضم أزمة حرق المصحف التي هدد بها القس الأميركي، لم نسمع موقفاً عربياً أو إسلامياً مندداً، ومهدداً، وساعياً إلى قبر الفتنة في مهدها احتل القس الأميركي المغمور والمطمور صاحب الأتباع الستين، تيري جونز، صدارة نشرات الأخبار في عالمنا العربي الإسلامي بعد أن هدد بحرق المصحف الشريف في ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وصار هذا القس غير المعروف والذي لا محل له من الإعراب وجها مألوفا للعديد من مسلمي العالم وهم يتابعون هذا المأفون.
الغريب ليس في إقدام واحد من قساوسة "آخر زمن" ممن لا يمتون إلى المسيحية بصلة، على التهديد بحرق المصحف في ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي أدانها العالم الإسلامي قبل العالم الغربي، ولكن الغريب أن يفجر هذا الفعل المدان غضبا غير عادي لدى الإدارة الأميركية أولا ولدى قادتها العسكريين ثانيا.
لقد انتقدت الإدارة الأميركية ممثلة بقمة الهرم، الرئيس باراك أوباما ومن خلفه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون هذا الفعل، وعدوه بالفعل المشين، وزادت دائرة الانتقادات لتصل إلى كافة أركان هذه الإدارة ولتتعداها إلى العالم الغربي أجمع، والسؤال هنا، لماذا انتفضت أميركا الرسمية ضد هذا القس، ولما لم تعامل فعلته بذات الطريقة التي عاملت بها الدنمارك رسامها سيئ الذكر عندما أقدم على رسم الرسول الكريم بطريقة مهينة؟
لا أحد يمكن له أن يتخيل أو يعتقد أن الانتقاد الأميركي لهذا القس نابع من خوف واشنطن على مصالحها مع العالم العربي والإسلامي أن تضرر، فهي تعرف وبشكل أكبر بكثير مما نعرفه نحن شعوب تلك المنطقة، أن حكومات العالمين العربي والإسلامي، غير معنية كثيرا بالحفاظ على قيمة ومكانة كتاب الله القرآن الكريم.
واشنطن لم تكن، وهي تنتقد القس الهرم، خائفة أن يقدم العرب على قطع إمدادات النفط لأميركا، كما أنها تعرف وبشكل واضح، أن حكومات تلك الدول أجبن بكثير من أن تتخذ قرارا يمكن أن يهدد مصالحها التجارية أو غيرها، فالولايات المتحدة الأميركية، هي الراعي الرسمي لمونديال البقاء مدى الحياة لأغلب رؤساء الدول العربية والإسلامية، وبالتالي فليس من المنطق أن تقدم هذه الدول على قرارات تضر بـ "الماما" أميركا.
الخوف الأميركي إذن لم يكن نابعا من قرارات قد تتخذها الدول العربية والإسلامية في حال لم توقف واشنطن قسها المغمور عن فعلته، وإنما الخوف الأميركي من إقدام "الإرهابيين" على أعمال تعرض حياة الجنود الأميركيين في أفغانستان والعراق للخطر، كما صرح بذلك الجنرال ديفيد بترايوس، الخوف من عمليات مسلحة قد ينفذها "إرهابيون" ضد مصالح أميركية في عدد من دول العالم.
لا نبرر الإرهاب، ولا نقبل به، وإنما ندينه بشتى وسائل وأساليب الإدانة، ولكن نقول: لماذا تركناه يكبر وينمو ويترعرع؟
إن الأمة العربية خاصة والإسلامية بشكل عام، تعيش واقعا من المهانة والذل لم يسبق أن مرت به من قبل، حتى تحولت أغلب حكومات العالم العربي إلى حكومات تسعى وبشكل علني ومفضوح إلى التخلي حتى عما كان يعرف بالثوابت، أو القضية المركزية، وأعني بها فلسطين.
لقد رفع رؤساء وحكام عالمنا العربي شعارا "جئنا لنبقى" فهم ديمقراطيون ما دامت هذه الديمقراطية تبقيهم على الكراسي، وديكتاتوريون ما دامت هذه سبيلهم لتوريث الحكم إلى الأبناء وأبناء الأبناء، وبين ديمقراطيتهم وديكتاتوريتهم، ضيعوا كل شيء، وبتنا، بفضل سياساتهم، عالة على المجتمع الدولي، ولم يعد لنا وجود يذكر سوى ذلك الوجود الذي يخدم المصالح الأميركية والغربية، فلم يعد يهابنا أحد.
من هنا جاء دور "الإرهابيين" الذين أخذوا على عاتقهم تصحيح المسار، كل على طريقته الخاصة، فصاروا هم من يقرر كيفية التعامل مع الغرب، وطبعا، لأنهم لا يملكون سوى أرواحهم ومعتقدات يؤمنون بصحتها، كان السلاح هو الوحيد القادر على إيصال أصواتهم.
إن تخلي الدول العربية والإسلامية عن مسؤولياتها، تجاه شعوبها أولا، وتجاه دينها وأمتها ثانيا، كان أبرز العوامل التي ساعدت على تحويل الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية إلى مجتمعات لـ "تفريخ الإرهابيين" ناهيك طبعا عن تدني مستوى المعيشة وغياب الأنظمة الديمقراطية.
في خضم أزمة حرق المصحف التي هدد بها القس الأميركي، لم نسمع موقفا عربيا أو إسلاميا منددا، ومهددا، وساعيا إلى قبر الفتنة في مهدها من خلال العلاقة الجيدة و "العميقة" التي تربط أغلب حكومات العالمين العربي والإسلامي مع الولايات المتحدة الأميركية.
هل يجب علينا أن نلوم "الإرهابيين" دوما على "إرهابهم" دون أن نجلس ولو لمرة واحدة مع أنفسنا لنعرف أسباب "إرهابهم"؟