الانسحاب من العراق و"الفجر الجديد"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد السعيد ادريس
منذ سنوات قليلة وفي أوج تخطيط جماعة ldquo;المحافظين الجددrdquo; لسياسات ما أسموه بrdquo;العهد الإمبراطوري الأمريكي الجديدrdquo; التي تبلورت في ما بعد في سياسة الدعوة إلى تأسيس ldquo;شرق أوسط كبيرrdquo; في منطقة قلب العالم للسيطرة على الثروات والتحكم في السياسات وفرض الولايات المتحدة قوة إمبراطورية عالمية، حرص تيار ldquo;الصهيونية المسيحيةrdquo; على أن يطرح نفسه ضمن طلائعها، ما فتح الأبواب واسعة أمام الكيان الصهيوني ليكون شريكاً فاعلاً في التخطيط والتنفيذ ليحظى بنصيب وافر من النفوذ والسيطرة . طرح الأب الروحي لهذا التيار كله الفيلسوف الأمريكي برنارد لويس رؤيته للحروب الجديدة في الشرق الأوسط التي من خلالها ستجرى عملية تأسيس النظام الجديد والتي ستقوم على دعوة إعادة ترسيم الخرائط السياسية لدول الإقليم، ولكن على أسس عرقية ودينية وطائفية .
التدقيق في هذه الرؤية وربطها بشعار عملية ldquo;الفجر الجديدrdquo; يؤكد أنه ليس هناك جديد في السياسات الأمريكية في العراق من ناحية الجوهر أي من ناحية أهداف السيطرة والهيمنة، ولكن الجديد هو إعادة تفعيل القديم، أي تفعيل فكرة الحروب الداخلية العرقية والدينية والطائفية، أي بين المكونات الاجتماعية للدولة العراقية، واستخدام وسائل جديدة للسيطرة بدلاً من القوات النظامية الأمريكية، أي أن ما يحدث هو عمليتان في آن واحد: الأولى هي إعادة تفعيل السياسات الجديدة من منطلق أن الحروب بين الدول قد تراجعت لمصلحة ما سوف يتفجر من حروب داخل الدول، وأن إدارة هذه الحروب الداخلية يجب أن تكون هي جوهر السياسة الأمريكية الجديدة، أما العملية الثانية فهي تغيير الأدوات والوسائل بالتخلي عن وحدات الجيش النظامي باهظة التكاليف المالية والسياسية وتغييرها بأدوات سيطرة أفضل هي القواعد العسكرية داخل العراق التي سيبقى فيها 50 ألف جندي تساندهم القواعد العسكرية الأمريكية الكثيرة المنتشرة في المنطقة، إلى جانب ما يعادل مئة ألف عنصر من المرتزقة و4500 فرد من القوات الخاصة ما يضمن بقاء الوجود الأمريكي الفعلي قائماً وقوياً ويفرغ ما يسمى بrdquo;الانسحاب العسكري الأمريكيrdquo; من مضمونه الحقيقي .
هذا يعني أن المهمة الاستراتيجية الأمريكية تتجدد في العراق وهي مهمة كانت وما زالت غير محكومة بالحدود الجغرافية للعراق ولكنها تأخذ العراق قاعدة انطلاق للسيطرة على الإقليم خصوصاً مع وجود حنين متجدد لدى إدارة أوباما مع تأكد فشلها في الحرب الأفغانية للعودة إلى رؤى هنري كيسنغر وكبار الاستراتيجيين الأمريكيين . وإذا كان كيسنغر قد عبر عن أهمية السيطرة الأمريكية على العراق بمقولته الشهيرة التي قال فيها: ldquo;من يريد السيطرة على الأمتين العربية والإسلامية، فعليه أن يدمر إرادة الأمة العراقية باعتبارها الحلقة الرئيسة فيهماrdquo;، ودعمها بمقولة أخرى هي أن ldquo;المشروع الأمريكي في العراق يجب ألا يهزمrdquo;، فإن إدارة أوباما تستلهم هذا كله في رسم سياسة أو استراتيجية ldquo;الفجر الجديدrdquo; في العراق عبر استعادة المشروع القديم وتجديده ldquo;مشروع الشرق الأوسط الكبيرrdquo; وتغيير الأدوات بالحد من الاعتماد على الإدارة العسكرية المباشرة التي تفضح سوء النوايا الأمريكية بأخرى يمكن أن تتستر تلك النوايا السيئة خلفها: نوايا الهيمنة والسيطرة باستحداث ما تسميه بrdquo;مبادرات متعددة الأطرافrdquo;، والتركيز بالأساس على مواجهة القوى المناهضة للمصالح الأمريكية في العراق وجواره الإقليمي .
من هنا بالتحديد يمكن فهم فحوى مقولة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي قال فيها ldquo;حان الوقت لطي صفحة الحرب لمصلحتنا في العراقrdquo;، فالهدف هو إنقاذ المهمة الأمريكية في العراق بالعودة إلى ldquo;السياسة الواقعيةrdquo; التي تركز على مراجعة وتعديل الوسائل والأدوات من أجل إنقاذ المصالح والأهداف، وهذا يعني أن سياسة ldquo;الفجر الجديدrdquo; الأمريكية في العراق ليست مجرد سياسة انسحاب عسكري بقدر ما هي سياسة تفعيل المهمة الأساسية في العراق .