جريدة الجرائد

سبتمبر والسنوات التسع

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

طيب تيزيني


نواجه بين الفينة والأخرى، حدثاً عالمياً أو شبه عالمي يثير الرأي العام ويُنتج حالة من القلق أو الرعب. وتنطفئ هذه الحالة، ليعقبها حدث جديد يُرخي بثقله على أوساط جديدة في العالم، وهكذا، يجد المرء نفسه مُلاحقاً بأحداث تُخلُّ بنظام سلامته، بقدر أو بآخر. فكأن الأمر أخذ يسلك مساراً جديداً ربما منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001، الذي هز العالم. وإذا دققنا في ذلك كله من خلال وضعه في سياقه الذي أتى فيه من قبل ومن بعد وفي حينه، لعلنا نتبين مفتاحاً صغيراً يمكن أن يقود إلى جواب على ما نحن بصدده.

لقد تفكك الاتحاد السوفييتي، فكان ذلك بمثابة غياب "الحرب الباردة" بين الشرق والغرب، ونشوء سؤال مركزي في الوسط الغربي: ما الذي بقي للغرب من معاركه مع الآخر؟ بل راح سادة التفكير الغربي الجديد-العلمي يطرحون السؤال الأكثر احتداماً واهمية، وهو: من هو "هذا" الآخر، بعد أن انتهى سابقُه تحت قبضة نتائج حرب الخليج الثانية، وثورتي المعلومات والاتصالات وغيرها؟ قد أحدث ذلك، جلبة كبرى في أوساط الاستراتيجيين الأميركيين-الغربيين. ذلك لأن هؤلاء بدأوا يعيشون القلق والاضطراب، اللذين عاش مثيلهما القائد الروماني "سلا"، بعد انتصاره على أعدائه، فصاغ هذا الموقف بالسؤال الإشكالي التالي؟ وماذا بعد؟

وجاء الجواب واضحاً دونما لبس: لقد راح عدو جديد يطرح نفسه في ساحة الصراع: إنه الإسلام، مع الإيضاح المنهجي الأكثر حسماً، وهو تحديد الهوية الحاسمة المعنية بكونها هوية الإسلام ذي الحضور الكثيف في العالم العربي. ولأن "هذا الإسلام" آتٍ مع عالم أصبح خارج التاريخ، أو في ذمة التاريخ، أو لأنه أتى بأيدي من يفتقدون القدرة على تحويله إلى حضارة بهية، فقد أصبح من حق من يملك القوة والعلم والتكنولوجيا أن يمتلك العالم وأهله. وحيث يصل الأمر إلى هذه "المعطيات الحاسمة"، فإنه يتبقى اكتشاف السبيل الذي ينبغي السير فيه للتعامل مع دين "مدجّج بالإرهاب": لقد "اكشفوا" العدو المخيف، الذي يجب أن يُبدأ بتصفيته في أعين العالم "قبل أن يتمدد". وجاء الخط الجديد الناظم لتاريخ العالم الجديد، الذي حدده أحد صناع العالم الجديد، العولمي صمويل هنتنجتون، الذي كتب بحثاً عنونه بما يضع الأمور واضحة ذلك هو: الغرب والبقية(!).

تسعة أعوام مرت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، الذي أفضى موت ثلاثة آلاف من رجال ونساء وأطفال الشعب الأميركي، الذي أعلن في تظاهرة -شاركتُ فيها في واشنطن في حينه- دفاعه الشجاع والمشكور عن ضحايا الشعوب المقهورة في الوطن العربي وفي باكستان وأفغانستان...إلخ.

وسارت الأمور متتالية ومتكافلة باتجاه تقديم كل المسوّغات لإشعال النار في العالم باسم الإرهاب "الشرقي-الإسلامي" كما يرى مستشرقون، أو كما يرى المستشرق (كابلان) في قوله بكون الشرقيين يدبّون على الأرض كالحيوانات وبكونهم ليسوا مبدعين ولا يثقفون بأنفسهم.

لقد بدأوا منذ عقود مديدة في إشعال الأرض، وأسسوا -في مرحلتنا المعيشة- لحالة صغيرة ولكن مستمرة لحرائق يُذكر منها ما قدمه سلمان رشدي، والرسوم المسيئة للنبي، والتحريض على إحراق القرآن...إلخ. ومن طرف آخر، ماكان لبعض سادة الإعلام الإسلامي والعربي السير وراء تلك الاستفزازات. العقلانية في هذه الحال هي ما ينبغي التسلح به في مواجهة ذلك، بل هي مناسبة جليلة لتطوير الإعلام العربي والإسلامي، إنها دعوة لمواجهة الظلامية فيما بين العرب والمسلمين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف