جريدة الجرائد

أمراض العراق الثلاثة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إياد الدليمي

حملت الأيام القليلة الماضية، حقائق جديدة عما يجري في العراق، حقائق لم تأت من هذا الطرف المعارض لحكومة المنطقة الخضراء الديمقراطية، وليس من طرف إقليمي، يكره أن تصل عاصمته أنوار الديمقراطية التي تشع في شوارع بغداد الخربة، وأيضا لم تأت الحقائق الجديدة من حاسد أو واشٍ داخل أطراف "اللعبة" السياسية في العراق، بل إن الحقائق الجديدة والمعطيات المريرة جاءت هذه المرة من تقارير أممية موثقة وأخرى من داخل كواليس البيت الأبيض والمنطقة الخضراء، وبالتالي فإني أرجو من "كتبة" حكومة بغداد أن ينصتوا جيدا ولا "يثرثروا" كثيرا، حاملين في جعبتهم سهام الاتهام لكل من ينتقدهم.
الحقيقة الأكثر مرارة التي استوقفتني كثيرا، هي التقرير الذي أصدرته وكالات دولية تابعة للأمم المتحدة، والذي نشر الثلاثاء، وفيه أرقام أعتقد أنها مرعبة، وتمزق نياط قلب كل عراقي أو عربي أو مسلم، فلقد أشارت تلك الأرقام الدولية إلى أن خُمس العراقيين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و49 عاما لا يعرفون القراءة والكتابة. وأوضحت أن معدل الأمية بين العراقيات يبلغ %24، أي أكثر من الضعف لدى الرجال (%11) في حين تبلغ النسبة في المناطق الريفية %25 بينما لا تتعدى %14 في مناطق الحضر.
ليست ببعيد تلك الحملة الواسعة التي انطلقت في العراق نهاية سبعينيات القرن الماضي للقضاء على الأمية بين العراقيين، حملة آتت أكلها سريعا، وفي غضون أعوام قليلة صار العراق ينافس فرنسا في العدد الأقل من الأميين، واليوم وبعد أن جاءت رياح التغيير ومبشرات التحول كما يحلو لـ "لاعبي" العملية السياسية أن يطلقوا عليها، نجد أن العراق صار في ذيل القائمة، وبات واحدا من أكثر بلدان العالم أمية، فمن المسؤول؟
طبعا سينبري طلاب المنابر من زبانية الحكومة وعشاق الفضائيات ليدحضوا هذا التقرير، ويعتبروه مسيساً وأنه جاء في وقت تتصاعد فيه حرب الدعايات السياسية بعد أن فشل "اللاعبون" في تشكيل الحكومة، وليس ببعيد عن ذلك اتهام جهات الأمم المتحدة ومنظماتها بدعم علاوي على حساب المالكي فصدر التقرير. فالأمية داء، ومتى ما انتشرت في بلاد فاقرأ على مستقبلها السلام.
الحقيقة الثانية الأكثر إيلاما، هي ما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية، والتي تحدثت عن وجود نحو ثلاثين ألف عراقي معتقل بلا محاكمات، وأنهم يتعرضون للتعذيب بشتى أنواعه من أجل انتزاع اعترافات قد تؤدي بصاحبها إلى حبل المشنقة، ناهيك عن وجود سجون سرية تابعة لبعض الميليشيات والأحزاب الحكومية، وفقا لتقرير المنظمة.
طبعا ليس هذا كشفا للعراقيين، وإنما هو تدعيم للمعلومات التي بحوزتهم، فليس من بيت عراقي إلا وقد تعرض أحد أبنائه للاعتقال، وبالتالي فإن العراقيين بالمجمل يعرفون ما يجري في تلك السجون، سواء المعلن منها أو المخفي، فلا غرابة لدى العراقيين عندما يسمعون أن وزارة خدمية يديرها وزير محسوب على الحزب الفلاني تضم سجنا سريا تحت الأرض، ولا غرابة لدى العراقيين أن يجدوا شخصا ظهر على شاشات التلفاز على أنه مجرم ومتهم بتفجيرات قتلت العشرات من العراقيين، وهو يسير بينهم في الشوارع والأسواق، والسبب أن تلك الحكومة تقايض سجناء على اعترافات خطيرة مقابل الإفراج عنهم، عقب كل تفجير يخطف أرواح عشرات العراقيين، لتقول إن أجهزتها الأمنية "مفتحة".
تقرير منظمة العفو حمل عنوان "نظام جديد والإساءة ذاتها"، والعراقيون يتساءلون ما الذي تغير إذن؟ لا يمكن لدولة أن تقوم إلا بقضاء نزيه يتعاطى مع الأمور من منظارها القانوني وليس الحزبي أو الطائفي.
الأيام الماضية حملت أيضاً فضيحة من العيار الثقيل لحكومة نوري المالكي, الذي يرفض أن يتنحى عن منصبه رغم نتائج الانتخابات التي حل فيها ثانيا، حيث نشرت صحيفة أميركية، أن تلك الحكومة وافقت على دفع 400 مليون دولار لأميركيين قالت إنهم تعرضوا لضغوط نفسية أثناء الغزو العراقي للكويت.
انتهى الخبر وتداعياته لن تنتهي بسهولة، فعلى أي أساس وافقت تلك الحكومة المنتهية الصلاحية على دفع تلك التعويضات في ظل غياب الرقابة التشريعية المعطلة منذ الانتخابات؟ وهل كان هذا ثمن الدعم الأميركي لبقاء المالكي لفترة رئاسية جديدة؟ ترى ماذا دفع السيد المالكي لإيران مقابل دعمها الواضح لبقائه في رئاسة الحكومة مجددا؟
العراقيون يتساءلون، من سيعوضنا عما فقدناه على يد آلة الحرب الأميركية وأعوانها؟ لماذا إلى الآن لم تدفع تعويضات قررتها حكومة السيد المالكي لعراقيين تعرضت منازلهم لتدمير كامل في مدينة الصدر والنجف والبصرة والفلوجة وديالى والموصل؟
من يعوض عائلات فقدت عائلها, من يعوض جيش الأطفال اليتامى في العراق، والذي وصل إلى نحو خمسة ملايين يتيم؟
وبماذا ستعوض هذه الحكومة ومعها الإدارة الأميركية الآلاف من الشباب العراقيين الذين قضوا سنوات في سجون الاحتلال والحكومة لا لذنب سوى الشبهة؟
لا يمكن أن يثق الشعب في حكومة تقدم مصالحها الشخصية والحزبية على مصالح مواطنيها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف