جريدة الجرائد

الفضائيات الدينيّة والمهنيّة الغائبة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

حسن المصطفى

لم تعد المنابر على الأرض، ولا روادها يجلسون في زواياهم، في هذه المدينة أو تلك، فهم باتوا اليوم يعتلون منبر "الفضاء"، لتزدحم بهم سماء المشاهدين العرب.
ما إن تقلّب بصرك بين المحطات الفضائية، إلا وتلحظ نموّا مطردا في القنوات الدينية، نموا له إيجابياته القليلة، إلا أن السلبيات التي تعممها تفوق الخير المرتجى منها، والسبب بسيط للغاية، أن كثيراً ممن ركب موجة البث الفضائي، لم يكلف نفسه شيئا من العلم، أو الدراسة، أو التخطيط المسبق، مكتفيا بتسجيل خطبة في هذا المسجد، أو محاضرة في تلك القاعة، أو الإتيان بواعظ إلى الأستوديو، ليطل على الملايين، بذات الخطاب الذي يطل به على بِضعِ عشرات من أهل قريته، أو مئات من بني مدينته!.
هو السباق والتنافس المحموم بين تيارات دينية ومذاهب وأفكار، على "القبض" على الفضاء ومحاولة تعميم ما يرونه "حقيقة مطلقة"، لعلهم - كما يتصورون - يهدون هذه البشرية ويخرجونها من الظلمات إلى النور!.
الأداء بهذه الطريقة من المناكفة والمنافسة بل والدخول في ترويج مذهبي وترويج مضاد، قاد لـ"تسميم الفضاء"، وتعميم روح من الكراهية والتنافر بين أتباع التيارات الدينية المختلفة. وأصحاب هذه الفضائيات، بدلا من أن يكونوا واعين لخطر ما يقومون به، أخذتهم الرغبة في الشهرة أحيانا، والحماسة الدينية تارة، والرغبة في "إظهار الحق" تارة أخرى، إلى الذهاب إلى مناطق شائكة جدا، دفعت بعض "المتشددين" إلى بذر خطاب "الشتائم" و"التكفير"، مرسخة بذلك الصورة النمطية حول المسلمين، فيما هؤلاء المتشددون يختطفون عقول الملايين ممن يتسمرون حول هذه الشاشات، رجاء في علم، أومثوبة، أتت عليهم بشكل خاطئ!.
لستُ مع التضييق على الحريات الإعلامية. وإغلاق الفضائيات "الدينية" لن يحل المشكلة، إلا أن وضع معايير مهنية وعلمية ومواثيق شرف إعلامي تلتزم بها هذه الفضائيات أمر في غاية الأهيمة، يجب أن يتم العمل عليه بشكل حثيث، ويكون متضمنا اشتراطات لنوعية الضيوف القادمين، كونهم ينطقون باسم "الدين"، لذا يجب أن يكونوا من أهل العقل والاتزان، وبعيدين كل البعد عن الخطابات التحريضية التي لن تقود إلا لمزيد من التخلف والتخندق.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف