خطاب الحوار بدل خطاب الانفجار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
غازي العريضي
غريب أمر غالبية السياسيين ومتعاطي السياسة في لبنان، كأن هذه الغالبية بلا ذاكرة. لا تريد أن تتعلّم من التجارب والدروس لتستخلص منها العبر. ألا يكفي أن نعود بالذاكرة عقوداً قليلة فقط إلى الوراء لنرى أننا استخدَمنا كل شيء في خلافاتنا وصراعاتنا، واستُخدمنا في كل شيء في الوقت ذاته، فتقاتلنا ودمرنا البلد فهجر عشرات الآلاف من أبنائه في الداخل، وهاجر عشرات الآلاف منهم إلى الخارج، لا سيما الكفاءات والنخب، واستفاد ويستفيد منهم غيرنا، وهلكنا اقتصادنا، وخربّنا بيئتنا.
والأخطر أننا خربنا نظام القيم، لأن الحروب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية لا تنتج حالات تتمسك بهذه القيم، بل تؤدي إلى كل أشكال التفلت الاجتماعي، لا سيما عندما تكون الأحقاد مغروزة في أعماق النفوس، والمخدرات متفشية في كل مكان من المدرسة إلى الجامعة إلى القرى التي يهتز رجالها لما يرونه في بيئاتهم من ممارسات ما شاهدوا مثلها، ولا توقعوا أن تجتاح قراهم التي تتغنى بوداعتها وألفتها ومحبتها وتماسك أبنائها وتمسكهم بعادات وتقاليد وإرث غني مبني على الأخلاق والشرف والشهامة والنخوة والمروءة.
وكيف إذا كنا أيضاً أمام تطور تقني إذا كانت له إيجابياته، فإن سلبياته كثيرة وكبيرة، وخصوصاً على مستوى ثورة الإعلام خصوصاً المرئي منه الذي يدخل إلى كل غرفة دون استئذان، وما أدراك ما نشاهد ويشاهده أبناؤنا من أفلام عنف ورعب وقتل.
لقد تراجع كل شيء عندنا وللأسف.
والسلبيات طالت أيضاً مستوى القيادة السياسية، ومستوى التعليم، والوضع الاقتصادي والاجتماعي والسلوك العام، وسلوك قيم احترام النظام والالتزام بالقانون، وهذا يؤدي إلى مزيد من التفلت والإخلال بالأمن والمخالفات وارتكاب الجريمة، وعدم إعطاء أي قيمة أو اعتبار للدولة مفهوماً وقناعة وملاذاً ومؤسسات...
وبالنتيجة وبعد كل جولة من جولات العنف أو الحرب والتحدي والخطابات النارية الاتهامية التخوينية التي تعزز الأحقاد أكثر في النفوس كنا نعود إلى الطاولة. لماذا؟ لنتحاور. فنتحاور ونصل إلى تسوية لا توازي حجم ما خسرناه، وما فعلناه، وما انتظره كل واحد منا من نتائج وتطلع إليه من أهداف.
كنا نذهب إلى الطاولة في الداخل، وفي أغلب الأحيان بقرار من الخارج، فنبرّر ما فعلناه ثم نبرر ذهابنا إلى الطاولة بتغيّر المعادلات الإقليمية والدولية. وبفعل هذه المعادلات نفسها كنا نذهب إلى الطاولة في الخارج أو نُؤخذ إليها وتقفل الأبواب علينا ونمنع من العودة قبل الاتفاق على تسوية لا توازي شيئاً مما ذكرناه!
ونعود إلى الصنعة ذاتها. نفعل ما فعلناه ولا نعتبر من شيء، وكأننا في حقول تجارب، نمارس فيها أهواءنا، ونبحث عن مصالحنا، ولكننا نجرّب بالناس والبلد. وهذا شيء يجب أن يتوقف عند حدود قبل أن ينهار البلد ويتفكك الناس وتهدر مصالحهم.
نعم. آن الأوان لوقفة شجاعة إذا كان ثمة شجعان في دوائر القرار وليس فقط على المنابر حيث الصراخ لا يعتبر شجاعة والخطاب العالي لا يعتبر شجاعة، ونحن نرى نتائجه في حقن النفوس، الذي بلغ حد إحراق مسجد، وملامسة خطر أن يطال الحريق بيروت ومناطق مختلفة بسبب خلاف على توقيف دراجة نارية، أو سيارة أو كلمة، أو تصرف ...
هذا غير معقول. وهذا بسبب الاحتقان والحقن والتوتر من فوق إلى تحت، فكيف إذا تطلعنا إلى القضايا الكبرى؟
إن المطلوب تلقف أي كلمة طيبة والبناء عليها انطلاقاً بأننا مهما فعلنا سنذهب إلى الطاولة. وبالتالي، لماذا لا نذهب إلى الطاولة مباشرة ونبقي اجتماعاتنا حولها مفتوحة؟ ولماذا لا نقول الخطاب العقلاني الذي يؤدي بنا مباشرة إلى طاولة الحوار بدل خطاب الاتهام والتخوين والتهديد والوعيد والاستعلاء والاستكبار والغرور الذي يؤدي بنا إلى الشارع، فالانفجار، ثم إلى الطاولة للحوار ولكن على دماء الناس؟
ليس من حق أي مسؤول سياسي أن يبقى ويبقي معه جمهوره في أسر الأحقاد والضغائن، ولعبة تصفية الحسابات فنبقى نعيش الحذر، نخرج من مأزق، لندخل في آخر أكثر خطورة.
وليس من حق أي مسؤول سياسي، أن يبقى يمارس غروراً ومكابرة واستعلاء وادعاء بأنه لا يخطىء، لا هو ولا من معه، وبأنه لا يمسّ لا هو ولا من معه، وبأنه لا يهزم ولا يخسر لا هو ولا من معه، فيما كل الآخرين غيره واقعون في هذه الدوائر!
وليس من حق أي مسؤول سياسي أن يبقى يتصرف على قاعدة أن الاعتراف بالخطأ نقيصة فيما المطلوب من كل الآخرين أن يعترفوا بالخطأ، وعندما يفعلون ذلك، تدور عليهم الشماتة وتستمر أحياناً الشتائم ويجب أن يعاقبوا ويحاسبوا!
وليس من حق أي مسؤول سياسي أن يبقى يتصرف دون وعي لحقيقة مؤكدة وثابتة، وهي أن الفتنة في الداخل تؤدي إلى خسارة الجميع مهما امتلك هذا الطرف أو ذاك من قوة. في الفتنة يخسر الجميع. وبالتالي من يتصرف على الأساس المذكور لا يكون سياسياً، وإذا قدّم نفسه كذلك فهو ليس مسؤولاً. ومن لا يقدّر عاقبة أي تصرف وأي أمر، وأي قرار، وأي كلمة يقولها، فهو لا يحظى بشرف قيادة الرجال لأنها أمانة ومسؤولية كبرى.
من هذا المنطلق، فإن الكلام الكبير الذي قاله الرئيس سعد الحريري فيه كل الحكمة والشجاعة، لأن فيه اعترافاً بخطأ، وهذا يجب أن يحفز القيادات السياسية الأخرى على امتلاك شجاعة الاعتراف بأخطائها، وشجاعة ملاقاة الرجل في منتصف الطريق، لا التحدث بمنطق الثأر والحقد والاستكبار والادعاء وتفويت الفرصة، التي هي جزء مهم من فرصة حققتها القمة السعودية - السورية في دمشق ثم القمة اللبنانية - السورية - السعودية في بعبدا في لبنان، والتي شكلت مظلة أمان واستقرار للبلد، إلا إذا كان المستقوون "ينقزون" من هاتين القمتين. لكنهم في مثل هذه الحالة يعرضون أنفسهم ويعرضون لبنان للخسارة، وليس في ذلك أي حكمة في التصرف...
التعليقات
Where are the men?
Jyna -;فإن الكلام الكبير الذي قاله الرئيس سعد الحريري فيه كل الحكمة والشجاعة، لأن فيه اعترافاً بخطأ، وهذا يجب أن يحفز القيادات السياسية الأخرى على امتلاك شجاعة الاعتراف بأخطائها;True man admits his mistakes and move on to make peace with the other side. Calling all politicians in Lebanon to follow on the same road. Enough of Rambo and Harry.