مستقبل العلمانية في العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حسين علي الحمداني
تطرح دائما في العالم العربي مقولة "العلمانية هي الحل"، وطرحها يأتي دائما من قبل منظري الدولة وكتابها الذين يحاولون جهد الإمكان إضفاء صفة العلمانية على نظم استبدادية متشبثة بالحكم منذ عقود طويلة. وبهذا، فإن الشعب العربي حين تسوق له العلمانية على هذا النحو فإنها تسوق بشكل مشوه إذا ما قورنت بأصولها وجذورها وأسباب تكاملها.
وهناك كثير من التعريفات للعلمانية، ولكننا نجد أن أفضلها (للفرنسي جان بوبيرو) هو الذي يرى أن العلمانية، كمرجعية فكرية، يمكن تشبيهها بمثلث: الضلع الأول فيه (وهو يتعلق بخاصية "العلمانية") هو "عدم تسلط الدين (أو أي نوع آخر من المعتقدات) على الدولة، ومؤسسات المجتمع والأمة والفرد". والضلعان الآخران من المثلث هما: حرية الضمير والعبادة والدين والعقيدة، وذلك في التطبيق المجتمعي وليس كمجرد حرية شخصية باطنية. والمساواة في الحقوق بين الأديان والمعتقدات؛ مع ضرورة تطبيق هذه المساواة واقعيا ومجتمعيا.
تعريف شمولي جدا ونجده نصوصا موجودة في كثير من دساتير العالم ومنها الدستور العراقي لعام 2005 المستمدة مواده من الدين الإسلامي كمصدر تشريعي بالدرجة الأولى، ولوائح وقوانين حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية في هذا الشأن بالدرجة الثانية.
المتتبع لتاريخ العلمانية ووجودها في المنطقة العربية يجد أنها دخلت مع دخول الدول الاستعمارية، وبدأت الدول العربية الإسلامية تتخلى عن بعض الجوانب من الدولة الدينية مثل تطبيق العقوبات البدنية كجلد شارب الخمر، وقطع يد السارق، ورجم الزانية، وعن جباية الجزية من مواطنيها غير المسلمين.
وهذا ناجم عن تأثر هذه الدول بحقبة الاستعمار، خاصة أن الكثير من الدول العربية قد استعمرت لعقود طويلة. وبدأت فترة الدولة المدنية في الوطن العربي، لكنها لم تكن علمانية بمعناها الصحيح بقدر ما كانت نظما مستبدة انفرد فيها حزب واحد بالسلطة لعدم وجود عنصر مهم وهو تعدد الأحزاب والانتخابات التي يمكن من خلالها إحداث التغيير.
وهذا يجعلنا نستنتج أن العلمانية لم تفشل في الوطن العربي لأنها لم تختبر بإدارة الدولة، لكنها تعرضت لهجمات كثيرة من أحزاب إسلامية كالإخوان المسلمين في مصر الذين روجوا لمقولة إن العلمانية تعني الإلحاد والكفر، بل البعض تمادى أكثر من هذا في تفسيراته.
وبالتأكيد، عدم تسلم أحزاب علمانية مقاليد الحكم هو جزء من فشل مشروع التحديث بأكمله في الوطن العربي. فما زال "مشروع التخلف" - إن جاز هذا التعبير - هو المشروع السائد والمتسيد في العالم العربي.
أما في العراق، فإن إمكانية وصول القوى العلمانية لقيادة البلد محدودة جدا في السنوات القادمة لأسباب كثيرة؛ يأتي في مقدمتها أن أغلب أحزابنا؛ إما قومية أو دينية. أما القوى الليبرالية والعلمانية فإنها منيت بهزيمة في الانتخابات الأخيرة لأسباب كثيرة؛ في مقدمتها قانون الانتخابات ذاته الذي لم يمنحها فرصة الحصول على مقعد واحد في البرلمان، وبالتالي فسح المجال لتيارين للصعود هما التيار القومي والتيار الديني.
وحتى التيار القومي الذي صعد، إنما استند إلى آليات دينية ومذهبية بأطر جديدة، طارحا نفسه ممثلا لمنطقة أو فئة، ولم يكن قادرا على رفض هذا المنطق، خاصة في ظل التنافس مع أحزاب دينية هي الأخرى استخدمت الآليات ذاتها.
لذا، فإن من يتابع توزيع مقاعد البرلمان العراقي الحالي سيجد جملة من الحقائق التي لا يمكن نكرانها أو تجاهلها، وتحتاج بالتأكيد لدراسات معمقة؛ أولها انتخاب أشخاص لا أحزاب، وهذا تجسد بشكل واضح مؤكدا حقيقة قد تكون سلبية وهي ميل الناخب العراقي للشخصيات وفق منظور قومي أو ديني، بعيدا عن البرامج الانتخابية والميول والاتجاهات التي يحملها هذا الشخص، وما يمكن أن يتولد من انفراد بالسلطة كما حصل في العقود الماضية.
الشيء الثاني، هو أن الأحزاب الدينية انحسر نفوذها في الجنوب ونصف بغداد، بينما تقاسم القوميون نصف بغداد ووسط العراق، تاركين كردستان لأهلها وممثليها. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه لا وجود لأحزاب خارج مناطق تمركزها، أي لا يوجد حزب بعينه أو كتلة استطاعت الحصول على مقعد من جميع المدن العراقية، وربما لو لم يكن قانون الانتخابات بهذه الصورة لوجدنا مقاعد لقوى ليبرالية وعلمانية.
إذن، هل يمكننا أن نرى مستقبلا للعلمانية في العراق؟ الجواب بالتأكيد نستطيع استنتاجه من خلال نتائج الانتخابات نفسها عبر بروز تيار ما يسمى "الإسلام العلماني" الذي يحاول بناء الدولة على أسس المدنية والحداثة، مستفيدا من حالة صحية ومهمة في البلد، وهي أن المؤسسة الدينية لا تتدخل في الشأن السياسي إلا في حدود واجباتها الاجتماعية والتوجيهية والإرشادية من جهة. ومن جهة ثانية، لا تسعى الدولة هي الأخرى إلى مصادرة المؤسسة الدينية كما هي الحال في أغلب البلدان العربية.
وهذه الحالة تجعل كلا الطرفين (الدولة والمؤسسة الدينية) يأخذ دوره في البناء الاجتماعي والسياسي للبلد وفق رؤية لا تبتعد كثيرا عن الواقع ولا تتقاطع مع التطورات والحداثة بمفهومها العلمي والصحيح.
وهذا يجعلنا نؤكد على أن العراق مقبل على علمانية إسلامية قائمة على أحزاب دينية معتدلة قادرة على بلورة صيغة جديدة في العالم العربي، خاصة أن فرص قيادتها للدولة قائمة وموجودة في العراق أكثر مما هي في الدول العربية الأخرى التي ظلت الأحزاب الدينية فيها على هامش الأحداث.
التعليقات
مقالة لتلميع الوضع
الدفاعي -الحال في العراق يا ستاذ غير ما ذكرت ان الطائفية هي المسيطرة على الدولة ولا دور للعلمانيين فيها في ظل هذا الوضع والدليل محاربتهم للقائمة العراقية رغم كون رئيسها شيعي الا انه علماني اي ليس له مرجع ديني ولا يدفع الخمس ..اما كردستان فانها دولة قائمة بحالها ولا تدخل في النقاش...نخلص الى ان العلمانية الاسلامية التي ذكرتها لاتنجح في دولة محتلة من اجنبي طامع بثرواتها وجار حاقد وطائفي يسعى لبناء امبراطوريته ولا في قيادات ولاءاتها متعددة ومذبذبة ...ومتى ما وجد الوطنيون المخلصون والاكفاء ومن مختلف الفئات الفرصة لاخذ دورا جديا في ادارة دفة الحكم بما يخدم البلد وابناءه ومستقبله ..ولكن هذه الفرصة غير موجودة في العراق وعلى العكس قد تهيء في دول عربية اخرى اقل منا ابتلاءا بمشاكل مستعصية..وشكرا
اهميه العلمانيه
ملحد خليجي -عمركم سمعتم احزاب او حكومات دينيهتكفيريه تحكم يخرج منهم اي فائده-مستحيللانهم ضد الانسان والحجر والحيوان-يكرهون الحداثه والتمدن والتحضربمعنى اخر بشر اجساد في القرن الواحد والعشرين وعقل العصور الحجريه