أضرار القرار الظني لـ"الحزب" حصلت قبل صدوره !
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سركيس نعوم
يعترف متابعون اميركيون للأوضاع في لبنان والمنطقة بأن صدور قرار اتهامي أو ظني عن المدعي العام في "المحكمة الخاصة بلبنان" يتضمن اتهام أفراد من "حزب الله" بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل نحو خمس سنوات ونصف سنة سيتسبب بازعاج كبير له ولقيادته. لكنهم يعتقدون في الوقت نفسه ان هذا القرار على أهميته وخطورته وسلبيته لن يلحق بالحزب الأذى الكبير الذي يخشاه اعضاؤه او مناصروه او جمهوره أو "شعبه" والذي يتمناه له ولهم اخصامه واعداؤه ومنافسوه لبنانيين كانوا أو غير لبنانيين.
ولهذا الاعتقاد سببان. الأول، ان لاتهام الحزب دور ما في الاغتيال عمَّم في الاوساط الشعبية اللبنانية على تناقضها واختلافها كما في الاوساط العربية والاسلامية والدولية. وذلك يعني ان الضرر الذي كان يخشاه الحزب من القرار الاتهامي او الظني الدولي قد تحقق. والأذى الذي قد ينتج من ذلك وخصوصاً على صعيد تفاقم الخلافات السنية - الشيعية في لبنان ولاحقاً تحولها اعمالاً عنفية في الشارع صار احتمالاً وارداً بقرار دولي او من دونه. فالشعب السني توصل في غالبيته الى استنتاج بأن من شارك في اغتيال زعيمه ومعيد مجده في لبنان ينتمي الى الشعب المذكور. والشيعة توصلوا الى استنتاج يفيد ان هناك استهدافاً لهم مذهبياً وسياسياً ووطنياً، وقومياً وخصوصاً بعد المقاومة المظفرة التي مارسوها ضد اسرائيل وحققت نجاحات بارزة أهمها اثنان: تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة من اسرائيل أو معظمها عام 2000 واحباط حرب اسرائيل عليها وعلى لبنان عام 2006، ومنعها من تحقيق الاهداف التي وضعتها لهذه الحرب.
أما السبب الثاني ان القرار الظني أو الاتهامي الدولي لن يؤذي كثيراً "حزب الله"، فهو اقتناع المتابعين الاميركيين أنفسهم بأن القرار ليس محاكمة وليس حكماً وبأن التوصل الى حكم يستلزم وقتاً طويلاً يقاس بالسنوات وليس بالاشهر. وهو اقتناعهم ايضاً بأن اقصى اجراء عقابي "دولي" قد يحصل لـ"حزب الله" المُتهم، هو مبادرة دول عدة في العالم الى وضعه على لوائحها للاحزاب والجهات الداعمين للارهاب أو الممارسين له. ومن شأن اجراء كهذا الحاق بعض الاذى المعنوي بالحزب. وربما عرقلة بعض تحركاته الدولية. لكنه قطعاً لا يهدد وجوده في لبنان وخارجه ودوره اللبناني والاقليمي والاسلامي. ومن الادلة على ذلك انه وُضِع على لوائح من هذا النوع في أكثر من دولة. ولم يتأثر كثيراً. لكن هذا الوضع قد يختلف بعد القرار الظني او الاتهامي، حتى في نظر المتابعين الاميركيين اياهم، ولا سيما اذا صار "تصنيف" "حزب الله" ارهابياً موقفاً دولياً شبه اجماعي. واللبنانيون يذكرون كما غيرهم ان الاتحاد الاوروبي بدوله التي يبلغ عددها لـ27 كاد ان يضع الحزب على لائحة الارهاب. لكن تدخلاً من جهات اوروبية قليلة، لكن فاعلة، في مقدمها فرنسا حال دون ذلك.
والسؤال الذي يطرحه كثيرون اليوم هو: هل تستمر فرنسا في موقفها هذا؟ والجواب عنه ليس سهلاً. وقد يكون عند قيادة "حزب الله". ذلك ان سفير فرنسا في لبنان دوني بييتون طلب، وبناء على اقتراح من حكومته، موعداً للقاء الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله للتحدث معه في موضوعات لبنانية - دولية معينة وربما لابلاغه مواقف معينة. ولم يُعرف بعد ما اذا كان حصل الاتصال أو اللقاء. لكن المعلومات المتوافرة عن الموقف الفرنسي المطلوب ابلاغه الى الحزب تشير الى تمسك بسلامة القوة الدولية (اليونيفيل) ورفض تهديدها او التعرض لها، وتمسك بالاستقرار ليس في الجنوب فحسب بل في لبنان كله، ورفض اي مس به من أي جهة اتى، وتأكيد استمرار التأييد الفرنسي للمحكمة الخاصة بلبنان. ولا يستبعد اصحاب هذه المعلومات ان يُذكّر السفير الفرنسي قائد "حزب الله" بدور بلاده في منع ادراجه على لائحة الاتحاد الاوروبي للارهاب.
ما هي الاسباب الفعلية لقلق "حزب الله" وتالياً للتصعيد الذي بدأه قبل مدة اذا كانت اضرار القرار الاتهامي أو الظني الدولي له غير بالغة الاذى؟
يعطي المتابعون الاميركيون انفسهم للاوضاع في لبنان والمنطقة سببين للقلق المذكور، الأول، اقتناعم بأن النظام الاسلامي الحاكم في ايران يبدو مصمماً على التوصل الى انفراج (Entente) مع الرئيس الاميركي باراك اوباما. ومن شأن ذلك في حال حصوله اضعاف الحزب وتقليص دوره في شكل أو في آخر، ولكن من دون ان يتسبب بالحاق ضرر به غير قابل للتعويض. أما السبب الثاني، فهو اصرار الرئيس السوري بشار الاسد على المحافظة على الوضع السياسي الحالي في البلاد (اتفاق طائف + اتفاق دوحة + حكومة وحدة وطنية + حق "فيتو" للحلفاء + الاستمرار في قضم السلطة في البلاد + استعادة النفوذ كاملاً في لبنان وعليه). أي المحافظة على "الستاتيكو" الراهن. ويستبعد هؤلاء المتابعون ان يبادر الاسد الابن منفرداً الى القيام باي عمل عسكري مباشرة او مداورة ضد اسرائيل.
اشارت المعلومات الاميركية في "الموقف" امس واليوم الى بقاء الوضع الراهن في لبنان بموافقة معظم اللاعبين الكبار اقليميا ودولياً (أي "الستاتيكو"). لكن تسارع التطورات السياسية السلبية في لبنان يقلق اللبنانيين، فهل يعني ذلك ان المعلومات خاطئة وان تغيير "الستاتيكو" قد يحصل؟ والجواب عن ذلك هو ان مس "الستاتيكو" يتم الآن وسيستمر لكنه لن يتعدى السياسة بكل مفاعيلها والاهداف المرجوة منها. وذلك نوع من قرار كبير. لكن احداً وفي بلد كلبنان وفي منطقة كالشرق الأوسط لا يستطيع ان يضمن بقاء الصراع سياسياً وعدم تحوله عنفاً او ربما حرباً ولا سيما في ظل "اللعب الكبير" الذي تقوم به حالياً في المنطقة اسرائيل وايران وسوريا واميركا والسعودية والاردن ومصر وتركيا، وفي ظل نوع من بحث بعيد عن الاضواء يركز على اعادة ترتيب المنطقة وعلى توزيع جديد للأدوار وللنفوذ فيها.