جريدة الجرائد

التسوية بين الفرصة والريبة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

علي الغفلي

أوضح الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه ينبغي إعطاء المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية والحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; الفرصة، وذلك على الرغم من الشكوك التي تحوم حولها . من الصعب عدم الاتفاق مع هذا المقولة، والتي يبدو أنها قد صارت تجسد القرار الرسمي العربي تجاه المرحلة المفصلية التي تمر بها القضية الفلسطينية حالياً . من المؤكد أن هذا الموقف البراغماتي يصطدم مع أصحاب الموقف المبدئي من المسألة الفلسطينية في ما يتعلق بكارثة ضياع فلسطين ومتطلبات استعادتها بالكامل . يسود هذا الاعتقاد المبدئي في أوطاننا العربية، وهو مستقر في الضمائر اليقظة التي تدرك أن الأرض الفلسطينية محتلة، وأن ldquo;إسرائيلrdquo; هي كيان غاصب، وأن الشعب الفلسطيني يستحق أن يعود إلى دياره، وأن العدالة الكاملة تقتضي أن ترجع الأرض إلى أصحابها، وأن أنفة العالم العربي لا تحتمل أن يجثم الكيان الغريب في قلبه .

غير أن حالة السياسات العربية الراهنة ليست مؤهلة كي تتبنى مثل هذه التوجهات المبدئية بشأن القضية الفلسطينية . إذا كان التعامل الرسمي العربي مع هذه القضية قد ظل متهاوناً في الغالب، فإن أحداً لا يعلم متى سوف تتحسن الأحوال السياسية العربية بالكيفية المطلوبة التي تنشأ معها المؤسسات والقيادات القادرة على تحمل المسؤوليات التي يفرضها التعامل الصارم مع المسألة الفلسطينية . في ظل ظروف التردي العربي الشامل، وتحت ضغط الشعور بواجب القيام بعمل من أي نوع بغرض إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني، وبعد أن عطلت الحكومات العربية معظم أدوات النفوذ الدولي لديها، فإنه لا يوجد بديل حقيقي آخر متاح أمام العرب والفلسطينيين سوى قبول الدخول في المفاوضات المباشرة مع الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; . إن المفاوضات المباشرة، بهذا المعنى، تكاد تمثل الفرصة الوحيدة المتوفرة أمام الأطراف العربية والفلسطينية في ضوء مقدرات القوة التي بحوزتهم أو ممارسات النفوذ التي يرغبون في تفعيلها .

هل تتنبى السياسات العربية موقفاً مبدئياً رسمياً يمكن النظر إليه كأساس لحدود التنازلات التي يمكن السماح بها وأيضاً كهدف يتم السعي إلى تحقيقه بخصوص شكل التسوية مع الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo;؟ نرجو أن يكون مثل هذا الموقف موجوداً بالفعل لدى الدول العربية الرئيسية على الأقل أو تلك التي تحاول أن توجد بشكل ما في حيز المفاوضات المباشرة التي تجري حالياً . وفي هذا الصدد نحسب أن بالإمكان أن تخدم المبادرة التي تبنتها جامعة الدول العربية قبل نحو ثمان سنوات هذا الغرض، وذلك نظراً لوضوح فكرتها وبقاء الحديث عنها مستمراً إلى الآن . تعرض المبادرة أن تعمد الدول العربية إلى التطبيع الشامل مع ldquo;إسرائيلrdquo; مقابل أن توافق هذه الأخيرة على الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة منذ العام 1967 . لا يزال العرض العربي هذا يلقى التأييد العالمي، ومن المشجع أن وزيرة الخارجية الأمريكية قد تحدثت عن المبادرة بشكل إيجابي في الأسبوع الماضي . إن صح هذا الطرح، فإن القول بأن المفاوضات المباشرة الراهنة تمثل فرصة تستحق الاهتمام يكتسب دعماً إضافياً، وذلك تحديداً عندما تنجح الدول العربية في التأكيد على مركزية المبادرة العربية وتوظيفها كمرجع يحدد أطر التسوية السلمية التي يتفاوض الفلسطينيون بشأنها مع حكومة نتنياهو .

إذاً، لا بد من منح الفرصة الوحيدة المتاحة عملياً المجال كي تسير في مجراها، ذلك أن المفاوضات المباشرة ستمثل سلسلة من المواجهات بين الفلسطينيين والحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo;، ومجرد البدء بها لا يرتب على السلطة الفلسطينية التزاماً محدداً بالرضوخ لاتفاق نهائي لا يجسد على الأقل الحد الأدنى من المصالح الفلسطينية التي ترتضيها الحكومات العربية . إن بين بدء المفاوضات والانتهاء منها فضاء من المساومات المهمة، التي يتعين على العرب خلالها اتخاذ المواقف الصحيحة من أجل مساعدة الفلسطينيين على انتزاع أكبر قدر من الحقوق وتقديم أقل قدر من التنازلات . وفي حال أدركت الحكومات العربية أن المفاوضات خلاف ذلك، فإن بإمكانها أن تدفع السلطة الفلسطينية إلى الخروج منها، وفي حال حدث ذلك فإن الفرصة المتاحة سوف تذهب أدراج الرياح، ولن تعدو أن تكون مجرد فرصة أخرى ضائعة تضاف إلى سابقاتها من الفرص التي أهدرت خلال السنوات الماضية .

ولكن ما هي إمكانية أن تفشل المفاوضات المباشرة؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتصل بشكل أساسي بعناصر الارتياب التي تحوم حول قيادة ورؤية بنيامين نتنياهو واحتمالات أن يتحقق أي واحد منها . نتذكر كيف تعامل نتنياهو مع عملية السلام خلال الفترة الأولى لرئاسته الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; في الفترة التي امتدت من العام 1996 إلى العام ،1999 والتي أنكر خلالها اتفاقات أوسلو، ورفض بشكل قاطع فكرة التنازل عن الأراضي المحتلة للفلسطينيين، واجتهد في تحطيم دبلوماسية السلام، ولم يجاره في هذا الخصوص سوى خلفه السفاح شارون . هل يمكن القول إن نتنياهو قد تغير في عهد حكمه الثاني بما يكفي لصنع القناعة بإمكانية أن يتعامل بشكل إيجابي مع الفلسطينيين من خلال محادثات السلام؟ هل العكس هو الصحيح، وأن إصراره على رفض تجميد الاستيطان غير المشروع أصلاً يمثل امتداداً لتعنته الجائر أثناء عهد حكمه الأول؟ يتعلق الارتياب الآخر باحتمال أن يقبل نتنياهو تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم من خلال منحهم السيادة على الأرض، وبالكيفية التي يمكن أن تشكل أساس اتفاق التسوية النهائية . هذا احتمال غارق في الشك، إذ برفضه قبول المبادرة العربية لا يزال نتنياهو يرفض الانسحاب ويضحي بالتطبيع . لا يشكل التطبيع مع الدول العربية حافزاً مقنعاً بالنسبة لنتنياهو كي يقدم على الانسحاب، ولا نعتقد أن بإمكان الفلسطينيين تقديم الحافز البديل الأكثر إغراء . والحال كذلك، فإن فكرة الانسحاب من الأراضي المحتلة لا تزال غير واردة لدى نتنياهو إلى الآن، ولو كانت الحقيقة خلاف ذلك فإن الأولى به أن يتفاوض مع الدول العربية حول المبادرة العربية كي يفوز بالتطبيع في مقابل الانسحاب .


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف