دعاة الفتنة والانقلاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قاسم حسين
لبنان، هذا البلد الصغير الجميل، المحدود بموارده، الغني بشعبه، يدخل فجأةً ودون سابق إنذار، في منعطف أمني جديد.
لبنان دخل منذ السبت الماضي مرحلة جديدة، وهو ما دعا طلال سلمان، صاحب "السفير"، إلى كتابة افتتاحية على عرض ثمانية أعمدة على الصفحة الأولى، ومانشيت يقول: "الفتنة تستيقـظ مجـدداً... والإنقـاذ بمعجـزة سوريـة - سعودية". ويبدأها بالإشارة إلى أن اللبنانيين، يتقدّمون نحو الفتنة، بعيونٍ مفتوحةٍ وكأنهم ذاهبون إلى عرس الدم... بإرادتهم الحرة والمستقلة! ويشير إلى ما يتعرض له هذا الشعب العبقري والمفتون بذاته من ضغوط وإغراءات، بعضها أجنبي وبعضها عربي مموه، فيندفع نحو إحراق ذاته على مذبح الصراع الداخلي، في مواجهة عبثية حول حكم مشلول في دولة فاشلة.
أهمية هذا التشخيص الصارخ ترجع إلى ما تمثله "السفير" في لبنان من صوت "عروبي" واضح وصريح. وهو يركز على دور دعاة الفتنة الذين يزايدون على "ولي الدم"، ويتجاوزه إلى تاجيج الصراع المذهبي حرصاً - كالعادة - على المنافع والعطايا والهبات. بل إن منهم من أخذ يُسفّه "الاعتراف الشجاع لولي الدم بخطأ الاعتماد على شهود الزور"، والذي كان من شأن محاسبتهم لو تمت، أن يخرج لبنان إلى مرحلة جديدة من الهدوء.
هؤلاء المزايدون بعضهم متهمٌ بجرائم أخلاقية أو متورطٌ بقضايا فساد مالي، وبعضهم وصل به الإسفاف إلى الدعوة على تقسيم لبنان إلى كانتونات طائفية على طريقة "مناطقكم" و "مناطقنا"، بسبب حالة التشنج الدائم الذي يعاني منه. ويشير سلمان إلى أن بعضهم متهمٌ باغتيال بعض الرموز الوطنية المضيئة والشخصيات السياسية بقصد ما أسماه "التطهير الطائفي والحزبي والسياسي". ويذكّر بمن استأجر المدمرة الأميركية (نيو جيرسي) في الثمانينيات لدكّ بيروت والضاحية، ودفع لبنان للتوقيع على اتفاق 17 أيار... ثم يتكلّم هذه الأيام دون حياء، عن الوطنية وثورة الأرز والاستقلال!
سلمان أحد شهود الصدق على العصر، فهو يشير إلى أن من تاجروا بدم الرئيس الحريري من النواب والساسة، عادوا ليوجهوا التهمة بإعداد انقلاب إلى من أسماهم "ضحايا" إرهابهم السياسي على امتداد السنوات الخمس، حيث استخدموا كل الأسلحة، فدمروا العلاقات بين الإخوة، فصيروا بعضهم "قتلة" أو "متسترين على القتل"، وبعضهم الآخر عملاء لسورية ورهائن عند إيران.
إن أسوأ ما يمكن اللجوء إليه في الصراع السياسي الداخلي هو اللجوء إلى الورقة المذهبية، وهو ما قام به البعض باتهام غريمه بتنفيذ انقلاب لإخراج جماعته من السلطة. ففي البلدان ذات التجارب الديمقراطية الراسخة، تتداول الأحزاب المختلفة السلطة عبر صناديق الاقتراع دون تخوين واتهامات! أما في بلدان أخرى فتنتظر المعارضة تهمة الانقلاب والسعي للسيطرة، في ظلّ قصف إعلامي مضلل للحقيقة وللرأي العام. وإلا فما العلاقة بين المطالبة بمحاسبة شهود الزور والمتسترين عليهم وفق القانون... وبين الإعداد لانقلاب يطيح بموقع الطائفة الأخرى كما يشير سلمان؟
هناك حقائق وتوازنات سياسية ثابتة في كل بلد... لا يمكن تغييرها بإثارة المخاوف الطائفية وإشعال الفتن وتشطير المجتمعات وتخويف بعضها من بعض، فحقائق التاريخ تقول بأنه "لا طائفة يمكنها احتكار السلطة، ولا طائفة يمكنها إنجاز انقلاب... ومشروع إثارة الفتنة لا يخدم السنة ولا الشيعة في لبنان، بل يفيد في تدمير الوطن الصغير على رؤوس الجميع" كما يقول الرجل الناصح الخبير.