جريدة الجرائد

القرار "الإسرائيلي" بشأن القدس والجولان

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

علي بدوان

مع اندفاعها باتجاه المفاوضات المباشرة مع الطرف الفلسطيني، فإن مؤشرات الخطوات الميدانية التي تتخذها حكومة بنيامين نتنياهو بالنسبة لباقي المسارات التفاوضية تسير في اتجاه معاكس للرغبة المعلنة من قبلها ومن قبل واشنطن على حد سواء لدفع عملية "التسوية قدماً نحو الأمام"، ومن تلك المؤشرات قيام مايسمى بـ "المجلس الإقليمي للمستوطنات الإسرائيلية" في هضبة الجولان السورية المحتلة، بحملته السنوية لتشجيع المستوطنين اليهود على السكن في المستوطنات الإسرائيلية هناك، في وقت أعلن عن مصادقته على توسيع مسطحات البناء لعشرين مستعمرة مقامة فوق أراضي الجولان السوري المحتل، وعرض مئات المنازل في المستعمرات على المستوطنين اليهود تحت سلة إغراءات واسعة لدفعهم للقدوم والسكن في المستعمرات المقامة في الجولان.
وتتزامن هذه الحملة مع مباشرة الحكومة الإسرائيلية بمخطط استيطاني يتم بموجبه تشجيع وتكريس الاستيطان اليهودي في هضبة الجولان المحتلة في غضون الأعوام الثلاثة القادمة، على أن يتم إنشاء وبناء تسع مستوطنات جديدة تضاف إلى (32) مستوطنة القائمة هناك ، وتوطين (200) عائلة يهودية كل عام في الجولان، هذا بالإضافة إلى مصادقة المجلس الإقليمي على توسيع مسطح مستوطنة "نمرود" شمالي الجولان المحتل. وتأتي هذه الأعمال الإسرائيلية بالتزامن مع إقرار الكنيست الإسرائيلي قبل عدة أسابيع مواصلة سن قانون "استفتاء عام للانسحاب من الجولان والقدس".
اذاً، بالنسبة لهضبة الجولان العربية السورية المحتلة، وبالرغم من الإشارات التي أطلقتها بعض مصادر القرار في إسرائيل منذ فترة بصدد إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات مع سوريا، إلا أن مشاريع الاستيطان تجري بخفوت بعيداً عن الأضواء فوق الأراضي السورية المحتلة. ففي مستعمرة راموت المطلة على بحيرة طبريا، عقد قبل فترة وجيزة من الزمن، المؤتمر الثالث لوحدة التخطيط الاستراتيجي للاستيطان الإسرائيلي في الجولان العربي السوري المحتل، وقد حضر المؤتمر (90) عضواً من أصل (100) عضو، يشكلون ما يسمى بمجموعة المائة، وهي مجموعة متعددة الاختصاصات تابعة لوحدة التخطيط الاستراتيجي لتوسيع الاستيطان. وكان موضوع البحث كيفية زيادة عدد المستوطنين في الجولان إلى (50) الفاً على المدى القريب، وإزالة كل الحواجز للوصول إلى هذا الهدف من خلال التوسع بمعدل متزايد ضمن خطة تبدأ على النحو التالي : (200) عائلة لكل واحدة من (27) مستوطنة، وتطوير (4) تجمعات سكانية كبيرة يصل عدد سكانها إلى (10) آلاف مستوطن، وزيادة عدد سكان مدينة كتسرين ( الواقعة مكان بلدة القصرين السورية بعد أن تم تدميرها عام 1967) الواقعة وسط هضبة الجولان إلى (20) ألف مستوطن، كما تم تجهيز المخططات لبناء (60) منزلاً لبعض المستوطنين من مستعمرة نتساريم السابقة، الذين غادروا قطاع غزة بعد تفكيك المستعمرة المذكورة التي كانت قائمة في القطاع. هذا إضافة إلى المعلومات الواردة بداية المقال عن قيام إسرائيل ببناء مشاريع سياحية متطورة. وفي هذا السياق فإن عمليات الاستيطان الصهيوني الجائرة فوق هضبة الجولان السورية المحتلة، وهي منطقة جيوستراتيجية، تحتوي على مخزون مائي ضخم، رست إلى الآن على إقامة (45) مستوطنة وموقعا استيطانيا، يستوطنها نحو (18) ألف مستوطن يهودي منهم (400) مستوطن من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، مقابل (18) ألف مواطن عربي سوري بقوا فوق أرضهم، ويقيمون في خمس قرى سورية (مجدل شمس، بقعاتا، الغجر، مسعده، عين قنية) من أصل (200) قرية ومزرعة تم تدميرها عام (1967) وطرد سكانها البالغ عددهم آنذاك نحو (150) ألف مواطن سوري، فيما وصلت أعدادهم الآن قرابة (350) ألف مواطن يقيمون بشكل مؤقت في المناطق السورية المحررة والقريبة من الهضبة في باقي محافظة الجولان ومحافظة حوران وريف دمشق.
وكانت بعض الجهات الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة عام 1948 قد كشفت عن وثائق مخطط مفصل تحركه "حكومة إسرائيل" في الفترة الأخيرة لتهويد الجليل والنقب والأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة تبلغ قيمته أكثر من (160) مليون دولار أميركي. ويأتي هذا المخطط المفصل تطبيقا لقرار حكومة إسرائيل الذي تمّ اتخاذه في شهر شباط /فبراير من العام 2010 الجاري، بالإعلان عن عدة مواقع عربية كأسوار القدس والحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل المحتلة كمواقع وطنية لما يسمى "التراث اليهودي"، من خلال تعزيز (150) موقعاً في فلسطين المحتلة عام 1948، وفي القدس الشرقية المحتلة و"المستوطنات الإسرائيلية" في الضفة الغربية المحتلة والجولان العربيّ السوري المحتل، تعتبرها الحكومة الإسرائيلية مواقع يهودية وصهيونية. اضافة لتعزيز (37) موقعاً اثرياً تعتبرها "إسرائيل" مواقع يهودية وصهيونية كالمنطقة المحيطة بأسوار القدس القديمة ومنطقة سلوان، ومنطقة أم القناطر ودير عزيز في الجولان السوري المحتل، وتبلغ تكلفة هذا المشروع، في القدس المحتلة والجولان السوري نحو (50) مليون دولار أميركي. كما يهدف المخطط إلى ترميم وتحديث (62) موقعاً منها مستعمرة (غوش عتسيون) في الضفة الغربيّة المحتلة.
لقد فشلت إسرائيل في جلب الأرقام المحددة من اليهود للاستيطان والإقامة في الجولان (نصف مليون مستوطن) لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بوقوع المستوطنات التي تم إنشاؤها فوق أراضي الهضبة السورية المحتلة في مناطق خط المواجهة العسكري مع القوات السورية، فضلا عن الشعور داخل المجتمع اليهودي على ارض فلسطين بأن التسوية مع سوريا لن تكون بدون رحيل آخر مستوطن من على ارض الهضبة حتى خط 4حزيران/يونيو 1967.
إن غلاة اليمين الصهيوني ومعهم تلاوين واسعة من اليسار الصهيوني الذين يرفضون بالكامل الإقرار بالهوية العربية السورية لهضبة الجولان، يدعون جهاراً نهاراً لتكثيف حملات الاستيطان فوق أراضي الهضبة، كعملية " إنقاذ " لمرتفعات الجولان، على حد تعبير رموز الاستيطان في إسرائيل. وعليه فإن خطة إسرائيلية جارية الآن بهدف انجاز عملية استيطانية واسعة، في إطار حملة ديموغرافية إستراتيجية، لتهويد الجولان العربي السوري المحتل قبل أي مفاوضات حاسمة مع سوريا، وتكريس واقع جديد لدفع سوريا نحو القبول بالاشتراطات الإسرائيلية للتسوية على هضبة الجولان، وهي اشتراطات ثقيلة لا يستطيع أحد في سوريا على هضمها أو ابتلاعها أو تجرعها. فالانسحاب الإسرائيلي الكامل والتام من أراضي الهضبة السورية المحتلة حتى حدود الخامس من حزيران/ يونيو لعام 1967 أمر لا مفر منه لفتح الآفاق أمام عملية سلام شاملة ومتوازنة في المنطقة، وإلا فإن حالة الركود المطبق ستبقى هي الحالة السائدة على المسار التفاوضي بين كل من سوريا وإسرائيل. فقد فشلت كل جولات المفاوضات الماراتونية السورية الإسرائيلية طوال العقد الماضي من الزمن، وسقطت معها كل الأفكار والمقترحات التي قدمتها الإدارات الأميركية لجسر الهوة بين الطرفين السوري والإسرائيلي، وضاعت في زحمة التباينات ماسمي حينها بـ "وديعة رابين"، ومرد الفشل يعود في حقيقته الى إصرار حكومات إسرائيل المتعاقبة الاحتفاظ بأجزاء من هضبة الجولان، وإبعاد السيادة السورية عن الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا، نقيضاً لمضمون القرار الدولي (242).
وفي سياقات التصعيد الإسرائيلي بشأن المرتفعات السورية المحتلة، صادقت لجنة في الكنيست الإسرائيلي مؤخراً على مشروع قانون يقضي بإجراء استفتاء شعبي على أي انسحاب إسرائيلي من مناطق "تخضع بموجب قوانينها لسيادتها وخصوصاً القدس الشرقية وهضبة الجولان السوري المحتل" حيث كانت دولة الاحتلال قد قامت بإعلان ضم الجولان السوري عام 1981، وهو القرار الذي رفضته الأمم المتحدة ومجموع الأسرة الدولية.
وبموجب قرار الكنيست الإسرائيلي الأخير، الذي بات يعرف بـ"قانون القدس والجولان" فإن أي اتفاق تتوصل إليه "أي حكومة إسرائيلية" بشأن "انسحاب من أراض خاضعة للسيادة الإسرائيلية" (لاحظوا عبارة انسحاب من أراض خاضعة) فإنه يجب أن يحظى بتأييد (61) عضواً من اعضاء الكنيست الاسرائيلي البالغ عددهم (120) عضواً، وعلى أن يتم بعد ذلك إجراء استفتاء شعبي، لكن في حال حظي الاتفاق بتأييد (80) عضو كنيست أو أكثر فإنه لا حاجة لإجراء استفتاء. وقد صودق على القانون في الكنيست الاسرائيلي تمهيداً للقراءتين الثانية والثالثة. وكانت تلك الصيغة لمشروع "القانون الاسرائيلي" الجائر، والتي أقرت بالقراءة الأولى، قد وضعت في عهد رئيس الوزراء السابق اسحق رابين وجرت مراجعتها مرات عدة الى ان استقرت على صيغتها الحالية.
ومن الواضح بأن "الهدف الحقيقي" من وراء هذا القانون الجائر والمرفوض دولياً والذي أقره الكنيست الاسرائيلي بالقراءة الأولى، هو أن يكون عائقاً أمام أي تسوية حقيقية وجدية في المستقبل القريب أو حتى البعيد، وفي مسار الاستخدام من قبل الحكومات الإسرائيلية التالية لتبرير رفضها الانسحاب من الجولان السوري والقدس المحتلين، تماما كما يفعل نتنياهو اليوم بادعاءاته أن الائتلاف الحكومي لا يسمح له بإجراء أي تغيير في سياسته.
أخيراً، ان المجتمع الدولي لا يعترف بقوانين وقرارات الضم الاسرائيلية للقدس ولا بالمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، ولا بقرار ضم الجولان الجائر. فالجولان سيبقى عربياً سورياً، وسيبقى قضية وطنية بامتياز تحظى بالأولية الأولى على جدول اعمال سوريا العربية وشعبها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف