الأردوغانية بانقلاب أبيض ... تمحو الأتاتوركية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ممدوح إسماعيل
في انقلاب أبيض بطيء الخطوات قوي المفعول، استطاع أردوغان "حزب العدالة" التركي أن ينهي سيطرة العسكر على مقاليد الحكم في تركيا، لذلك كان من حقه أن يحتفل بفوزه في استفتاء على الإصلاحات الدستورية، وهو فوز يقوي فرص النجاح للحزب بفترة ثالثة على التوالي في السلطة في انتخابات مقررة خلال عشرة أشهر.
ولم يكتف أردوغان بذلك، بل أعلن عن تقديم مذكرة تفيد بأن حزبه ذا العلاقة القوية والراوبط القديم بالإسلاميين في تركيا سيشرع على الفور في وضع دستور جديد للبلاد، وكان من اللافت أن خرجت صحيفة "صباح"، الموالية لحكومة "حزب العدالة"، بعنوان "تركيا تنظف عار الانقلاب". وتقصد به آخر انقلاب للعسكر في العام 1980، والشاهد من نتائج الاستفتاء أنه يعزز الحرية ويدعم الديموقراطية، ويدعم تركيا بقوة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ومن المهم الإشارة إلى أن تلك التعديلات الأخيرة استهدفت مفاصل القوة في السلطة القضائية التي تعد الحصن الأخير للأتاتوركية بعد أن طالت إصلاحات "حزب العدالة" مؤسسات الجيش والتعليم والكثير من مناحي السياسة التركية في الداخل والخارج. وكان سلاح أردوغان في انقلابه الأبيض على الأتاتوركية الكم الهائل من الإصلاحات الاقتصادية التي جعلت تركيا تنتقل إلى مصاف الدول الكبرى اقتصادياً، وقد استخدم أردوغان سلاح المواقف السياسية القوية التي تثير حماس الأتراك، فصنع مواقف مهمة في السياسة التركية أدهشت العالم وجعلت العالم العربي والإسلامي يصفق له على بُعد آلاف الكيلو مترات، وكان أردوغان مدركاً لحقد العلمانيين واللا دينيين في تركيا فأحبطت أجهزته محاولة الانقلاب التي سميت باسم المطرقة، فكانت المطرقة التي استخدمها أردوغان بذكاء ليهوي بها على رأس حقد الأتاتوركيين الحاقدين على تجربة حزبه، ومنها انطلق للتعديلات الدستورية الأخيرة.
المراقبون يقولون ان تلك التعديلات تفرض على الساحة التركية استحقاقات سياسية ودستورية مهمة، حيث تعيد تلك التعديلات في حال إقرارها بأي طريقة الاعتبار للحياة المدنية الدستورية التي توفر الحقوق وتحترم الحريات السياسية، ما يضع تركيا على طريق أوروبا في مجال تطبيق الديموقراطية، وتعيد مرحلة الجمهورية الديموقراطية الثانية.
ولكن الحقيقة أن أردوغان مع تطلعه الديموقراطي لم يفته أن تلك التعديلات سوف ترفع القيود والحظر على الإسلاميين والتدين بوجه عام في تركيا من منع الحجاب، وتقييد الحاصلين على شهادة المعاهد الدينية من الالتحاق بالجامعات، كما أن حزمة من القيود على الحرية والهوية الإسلامية سترفع. لكن من الشواهد القوية في انقلاب أردوغان الأبيض الذي خططه بحرفية وتكتيك سياسي عالٍ ونفس وصبر طويل:
أنه اعتمد على الحرب على المفاصل القوية في الأتاتوركية وصوب نحوها بدقة. أنه لم يفقد صبره أمام كل محاولات إجهاض مخططه المعلوم خطوطه العريضة لأعدائه من خلال خلفيات أردوغان ونشاطه العلني. ان التجربة تضع الدول الإسلامية الاستبدادية أمام نموذج مهم في الديموقراطية سوف يجد صداه داخل بلادهم بلاشك ويحرجهم. تجربة "حزب العدالة" وأردوغان بلاشك أحرجت بعض الإسلاميين الذين يرفضون العمل العام والسياسي ولا يرون إلا طريقاً واحداً للتغيير عبر الانقلابات، بخلاف أن التجربة ونتائجها في اتساع الحرية الاسلامية في تركيا ستجعل الكثير من الإسلاميين يفكرون في التجربة كلها والاستفادة من إيجابياتها.
وتبقى نقطتان، الأولى: هل سوف تقبل أوروبا المسيحية تركيا الإسلامية الديموقراطية المنفتحة في الحريات وحقوق الإنسان؟ أشك في ذلك وأعتقد أن نجاح التجربة يحرجهم بل يقلقهم.
الثانية: هل يسكت العلمانيون الأتاتوركيون ولا يخططون لانقلاب مطرقة جديدة؟ أعتقد أنهم سوف يبحثون عن دعم خارجي غربي إذا ما أرادوا ذلك، فعلى المستوى الداخلي هم فقدوا مقومات نجاحهم حتى الآن.
وأخيراً، هنيئاً لـ "حزب العدالة" نجاحه، وهنيئاً لأردوغان انقلابه البطيء الأبيض، وهنيئاً للشعب التركي الحرية والعدالة، وندعو أن تشتعل الغيرة في قلوب بعض الحكومات العربية المستبدة وتقلد النموذج التركي في القيام بإصلاح سياسي واقتصادي وتعديل دستوري يعطي الحرية للشعب المتشوق لتذوق الحرية والعدالة تلك التي من طول الانتظار نسي طعمها.