متى تستيقظ النخب السياسية العراقية من سباتها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
احمد المرشد
لم يسلم العراق بعد من موجات السيارات المفخخة التي تحصد عشرات الضحايا الأبرياء، وإن لم تكن هذه الانفجارات الدامية تحدث بصورة يومية مثلما كانت في الماضي غير البعيد، فهي تحدث على الأقل كل بضعة ايام لتعيد مشاهد الدماء والدمار والتخريب في كافة المدن العراقية. فلا توجد مدينة بالعراق نستطيع ان نقول انها تعيش في مأمن من هذه السيارات والعبوات الناسفة. فموجات العنف مستمرة ولم تبدأ وتيرتها في التراجع بالصورة المرجوة، كما كان يأمل الأمريكيون الذين أعلنوا سحب قواتهم من العراق.
وإذا كان الاجتماع السابع لوزراء داخلية جوار العراق في المنامة، قد تزامن تقريبا مع تزايد أعمال العنف في العراق، فهو على الأقل بحث سبل دعم أمن واستقرار العراق. وبالتأكيد، قد تمخض عن هذا الاجتماع نتائج مهمة، ستساهم بلا شك بشكل ملموس في تحسين الوضع الأمني بالعراق من خلال التنسيق والتواصل المستمر بين الدول المشاركة. فهذا الاجتماع السنوي هو بمثابة الإطار شبه المؤسسي الذي يضم وزراء داخلية دول جوار العراق وهي إيران وتركيا وسوريا والأردن والسعودية والكويت، إضافة إلى البحرين ومصر والجامعة العربية.. ويبحث بصورة دورية كيفية دعم دول الجوار للعراق وتقديم المساعدات من أجل توفير الأمن والاستقرار.
نعود الى أعمال العنف، ولا يهم هنا ما إذا كانت الاتهامات موجهة للقاعدة او جماعة الصحوة أو أية جهة شيعية أو سنية، فالمهم ان العنف متواصل، وهو بالقطع الذخيرة الحية للاقتتال الطائفي. ويقلل العراقيون من أهمية تصريحات مسؤولي الأمن عندما يقولون ان الهجمات المسلحة انخفضت خلال الشهرين الماضيين.
رجال الأمن في العراق يرفضون فكرة ان للإرهابيين مناطق محددة يستخدمونها لإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون. ومبرر الأمن في هذا الرفض، هو ان كل المناطق وبغداد تحديدا تحت سيطرة القوات الأمنية ولا توجد منطقة تحت سيطرة الإرهابيين. ووفقا لتقديرات وزير الداخلية العراقي جواد بولاني، فان عدد العمليات الإرهابية في عموم العراق بما فيها بغداد خلال عامي 2006 و2007 كانت تصل الى نحو 200 عملية إرهابية، من بينها 25 أو 30 عملية مؤثرة، بينما نفذ هذا العام بحدود 15 عملية إرهابية، منها 3 عمليات مؤثرة. ويعزو بولاني أسباب هذا الانخفاض في العمليات الإرهابية الى التدريبات التي تتلقاها القوات الأمنية والمسلحة، ولكن تبقى الحاجة إلى جهود القوات الأمريكية المتبقية لأغراض التدريب وتقديم الاستشارة والتجهيزات والتسليح المتطور، وكل هذا يتوقف على تشكيل الحكومة الجديدة.
المشكلة في العراق هو تكثيف كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين لمقولات أصبحت عديمة الجدوى في هذا البلد الذي يعاني الأمرين من سياسييه ومسؤوليه الأمنيين. فبعض المسؤولين يزعمون ان الفتنة لم تعد قائمة في العراق، ثم سرعان ما تشن جهة ما هجوما انتحاريا ضد فئة أخرى. ثم يتحدث مسؤول آخر عن تراجع أعمال العنف، ليرد عليه آخرون بأعمال عنف اشد فتكا بما سبقها.
اللافت في العراق، ان الأمريكيين هم الذين يشكون من تردي الأوضاع الأمنية. وعلى سبيل المثال، أعرب كريستوفر هيل سفير الولايات المتحدة السابق الذي انهى عمله بالعراق قبل ايام، عن استيائه البالغ بفشل السياسيين من التوصل لاتفاق ينهي الأزمة السياسية المتعلقة بتشكيل الحكومة بعد نحو 5 اشهر تقريبا من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية. ولم يجد هيل للتعبير عن غضبه سوى قوله: "إحساسي ان صبر الشعب العراقي على سياسييه بدأ في النفاد". مسؤول أمريكي آخر هو ريان كروكر الذي سبق هيل كسفير للولايات المتحدة في العراق يتساءل: "هل هذا النظام سيعمل من اجل صالح العراق؟" بالتأكيد يشكك كروكر في الجواب بنعم، ولكنه يشدد على أهمية الحاجة للتعامل مع تساؤله في المستقبل.
كروكر لم يتهم النخبة السياسية العراقية مباشرة بالتآمر على بلادهم، بيد ان آخرين غيره لا يتورعون في توجيه أصابع الاتهام الى هذه النخب بوصفها "فاسدة" وهي التي عاشت حياة المنفى بكل ما فيها من مؤامرات وشكوك ومناورات. هذه الصفات السلبية لا تزال تحكم السياسيين العراقيين العائدين من حياة المنفى، والسبب بالقطع هو التحايل على الوضع الحالي في العراق، من اجل تحقيق اكبر قدر من المكاسب سواء الشخصية او للحزب او التكتل السياسي الذي تنتمي اليه.
ويضع عادل عبدالمهدي نائب الرئيس العراقي يده على المشكلة ولم يجد غضاضة في قوله: "انه يجب ان يخجل العراقيون من الطريقة التي يقودون بها البلاد، فالكثير منهم يتصرف كما لو كان في المعارضة، ولا يحاولون بناء الدولة".
لقد فشل الأمريكيون في ضم الفرقاء السياسيين العراقيين من اجل التوصل لاتفاق ينهي فترة البلبلة والتوصل الى تشكيل حكومة لذر الرماد في الأعين. وغالبا ما تفشل الاتفاقات بين الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات قبل ان يأتي موعد تنفيذها، ثم يتراجع الجميع عما اتفقوا عليه. حتى لو توصلت الكتل السياسية لتشكيلة الحكومة المرتقبة، فهي ستكون على الأغلب حكومة ضعيفة ومعرضة للهزات السياسية ولا تستطيع تجاوز الأزمات، وهو ما يشكل أزمة دائمة للأمريكيين، لان هذا الفشل غالبا ستتحمله الإدارة الأمريكية كإرث دائم لها، لانها هي التي قضت على حزب البعث والبعثيين، ثم اختارت هؤلاء السياسيين الجدد وجاءت بهم من منفاهم ليكونوا حكام العراق الجدد. هذا الأمر يثير مشكلة حقيقية لواشنطن، فهي تفكر دائما في الهيكل السياسي وجوهره الذي ستتركه بعد مغادرة القوات الأمريكية بحلول عام 2012.
وإذا عدنا الى المشكلة الأمنية في العراق، فالتساؤل هو: "من يتحمل مسؤولية هذا الاضطراب الأمني، الجيش أم قوات الأمن والشرطة؟".. الأسئلة لن تنتهي، ولكن الفشل يكمن في النخب السياسية، ففشلها في إدارة أمور الدولة ينعكس سلبا على أداء الأمن وفاعليته في مواجهة الإرهاب وأعمال العنف.
إن مشكلة العراق، تكمن في سياسييه، فهم ليسوا سوى نماذج زخرفية للسلطة الباهتة، يتركون القضايا المهمة والاستراتيجية لبحث ما هو اقل أهمية. فقد اكتفى السياسيون بالاحتفال بغنائم النصر وأضحت المؤسسات العراقية يستشري فيها الفساد. فالأمر جد خطير وصعب، ولكن يضاف الى ضعف وهشاشة الطبقة السياسية العراقية الجديدة، اتهام يطال جيران العراق خاصة تركيا وإيران، إذ تتدخلان في إدارة الحياة السياسية، برغم ان اللوم هنا يقع فرضا على السياسيين العراقيين وليس طهران او أنقرة، لأنهم هم الذين سمحوا بهذا التدخل. وكمثال على مثل هذا التدخل السافر من قبل الإيرانيين والأتراك في التطورات السياسية العراقية، هو اعتراض انقرة على نوري المالكي فيما ترفض طهران إياد علاوي، رغم اقتراح واشنطن تقاسم السلطة بين كتلة "دولة القانون" بزعامة المالكي وتكتل "العراقية" بزعامة علاوي، على ان يبقى الأول رئيسا للوزراء، وان يتسلم الثاني الملف الأمني. وهنا ظهرت الاعتراضات التركية على المالكي ولم تخف إيران رفضها لعلاوي.
هذا الواقع السياسي يرفضه وزير خارجية العراق هوشيار زيباري، لانه يرفض التدخلات التركية والإيرانية في عملية تشكيل الحكومة العراقية، ولكنه يقبل بتدخل الدول العربية مع دول الجوار من اجل مواصلة العمل على استقرار العراق، على ان يكون التدخل على مسافة واحدة من الجميع، حتى لا يحدث فراغا دستوريا او امنيا أو سياسيا. ويرفض زيباري ايضا استقواء بعض الإطراف العراقية بقوى خارجية سواء عربية او إقليمية، لان مثل هذه الاستقطابات تعرقل تشكيل الحكومة.
ولعل إعلان انسحاب القوات الأمريكية وتأخير تشكيل الحكومة هو من دواعي زيادة وتيرة العمليات الإرهابية رغم تصريحات المسؤولين الأمنيين بتراجع وتيرتها، وقد خلق هذان العاملان فرصة للإرهابيين لاختراق الأوضاع الأمنية التي ربما كانت استقرت نوعا ما مؤخرا.. فتأخير تشكيل الحكومة منح الكثير من التبعات للإرهابيين، التي ستؤدي إلى حدوث عمليات إرهابية أخرى.. وكلما تم الإسراع بتشكيل الحكومة، فسيكون ذلك عاملا مهما في ردع الإرهاب والجريمة المنظمة في العراق، لأن الاستقرار الأمني لا يعني أجهزة أمنية وتدريبا ومعدات فقط، بل يرتبط الأمر بعموم الأوضاع السياسية والاقتصادية والخدمات في العراق.
ومما لا شك فيه، ان تشكيل الحكومة الجديدة سوف يعزز كثيرا من القدرات الأمنية واستقرار الأوضاع في العراق، إذ إن كل حكومة جديدة تسعى لأن تؤكد قدراتها ووجودها، كما أن تشكيل الحكومة يعني وجود برلمان قوي ورئاسة جمهورية ومؤسسات راسخة، وهذا يشعر المواطن بالاستقرار من جهة، ويبعث برسالة قوية إلى العناصر الإرهابية محتواها وجود دولة قوية قادرة على ردعهم.
ويضاف الى الشق الأمني، أن تشكيل الحكومة يعني أيضا استقرار الاقتصاد العراقي ووجود استثمارات وعمل يستقطب العاطلين عن العمل، فمع هذه الأعداد الكبيرة من العاطلين، ووجود شعور بالإحباط من قبل المواطنين، والشعور بالحاجة وغياب الخدمات كل هذه الظروف تشكل حاضنة للإرهابيين ولنمو عصابات الجريمة المنظمة. أما إذا تحسنت الأوضاع السياسية والاقتصادية والخدمات، سوف يتيح فرص عمل واسعة أمام العاطلين ويفرض احترام الناس للقانون. ولهذا كله، فان معركة الحكومة المقبلة هي التنمية وأهمية تأكيدها إلى المشاريع التنموية والبناء، وهذا يحتاج إلى جهود وكفاءات عراقية مخلصة. ومن هنا نقول، ان أمن العراق هو مسئولية الجميع، السياسيون العراقيون ودول الجوار والقوى الإقليمية، لينهض العراق الجديد من سباته.