جريدة الجرائد

الهوية بين الوطنية والقومية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

طيب تيزيني

تظهر في الفكر السياسي العربي بعض الالتباسات تحت تأثير الفكر القومي العربي. فإذا كتب أحدهم مؤكداً على "الثوابت العربية"، أشار إلى "القومية العربية" بوصفها هوية الأمة العربية والشعوب المنضوية تحتها. وليس في ذلك غضاضة أو ما يدعو إلى الدهشة. ذلك لأن الهوية العربية تتجلى في العرب بمثابتهم أفراداً وشعوباً وأمة. ومن ثم، فما يظهر من ثوابت عربية، يكتسب تجليات عمومية وأخرى خصوصية وثالثة فردية. ولكن ما يدعو إلى بعض التساؤل يعلن عن نفسه، بضرورة منطقية وأخرى سوسيولوجية، عمّا إذا كانت "الثوابت" مرتبطة بمفهوم العموميات وحدها دون الخصوصيات، وكذلك دون مفهوم الأفراد!

وبكل الأحوال، فإن مفاهيم العام والخاص والمفرد إنْ هي إلا مفاهيم نسبية منطقية متحركة، غير مطلقة؛ تظهر في أحوالٍ ما عامّة، في حين تظهر في أحوال أخرى خاصة، كما يظهر كذلك المفرد هنا أو هناك. ودون تعقيد المسألة، نقول، إن الهوية الوطنية (لبلد عربيّ ما) تفصح عن ثوابت لعصر ما أو آخر، كما هو الحال بالنسبة لظهور ثوابت ما للهوية القومية (العربية مثلاً). وهذه الأخيرة هي مجمل القول فيما يحدد وطناً بكل أقطاره ووجهاته ومحافظاته وقراه عموماً. لكننا - بذلك - لا نكون قد ضبطنا خصوصيات الأقطار العربية كلاً على حدة؛ مِـمّا يدعونا للبحث فيما يحدد خصوصيات المجموعتين كلتيهما. ولننتقل إلى العيني: هل هنالك ما يحدد ثوابت للوطن العربي العام، وكذلك للبلد أو القطر العربي الواحد؟ فإذا أجبنا عن السؤال الأول بوجود ثوابت كلية للوطن المذكور، مثل المهمات الاستراتيجية الكبرى المطروحة أمام العرب جميعاً كالتضامن ووجود استراتيجية دفاعية عمومية وتطوير أسئلة الثقافة العربية باتجاه تطوير منظومات القيم والحداثة والحرية السياسية وقواعد الديموقراطية عبر إلغاء أو زحزحة قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، فإن أسئلة كبرى أخرى تقف أمام بلد عربي دون آخر.

ففي اليمن مثلاً تطرح مسائل الخروج من "المجتمع الأهلي القبلي"، وفي لبنان يبرز سؤال الخروج من "مجتمع الطوائف"، وهكذا.. وتبرز مسألة الإندماج الاجتماعي الإثني والقومي في جنوب السودان وشماله إلخ. وسنأخذ هذا بعين الاعتبار في ضوء الزاوية التي نرغب في ضوئها النظر إلى مسألتنا المحدودة في حالة وردت في إحدى الصحف العربية. فقد نَشرت مقالة في واحدة من هذه الأخيرة في 18 سبتمبر الجاري، تحدث كاتبها فيها عن أن ثوابت اتحاد الكتاب العرب تتمثل في اثنين، هما الالتزام بالثوابت القومية، وبالنزاهة المالية. لقد أكد الكاتب على ذينك الثابتين، لينتهي بهما إلى واحد منهما هو الثاني (النزاهة المالية). أما أولهما - وهو ما ينبغي أن يكوّن الاستراتيجية السوسيو ثقافية للاتحادات العربية للكتاب - فهو يعني ليس بمسائل وشعارات خارج السياق المطروح في البلدان العربية مجتمعة وبكيفية تعبر خصوصاً عن مهمات الكتاب، ونعني منها تلك التي تتصل بحرية الكتابة والثقافة والتعبير عن الرأي حيال مالا يمكن أبداً الصمت عليه: الحفاظ على حقوق الإنسان، التي لا يمكن الاعتقاد بوجودها في ظل قوانين الطوارئ والأحكام العرفية.

إن حرية الكتّاب العرب يمكن النظر إليها بمثابتها رائزاً لكل ما يهم هذا البلد العربي أو ذاك، وإذا كان تيار الفساد قد غطّى الآفاق في بعض بلدان العالم العربي، بما في ذلك المؤسسات الثقافية والعلمية ذات العلاقة بمؤسسات الضمير، فإن الهوية العربية القومية تندمج في عدد متنام من المسائل والموضوعات المتصلة بالهويات العربية الخاصة في بلدان عربية متعددة. وبهذا يمكن التحدث عن تضامن حقيقي بين ما يجعل الشعوب العربية أمة، وبين ما يجعل هذه الأمة أنساق متعددة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف