جريدة الجرائد

هل كان المسلمون سبّاقين فعلاً في ميدان حقوق الإنسان؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


فواز الشروقي

لا يوجد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية المطهّرة نصّ واحد يمنع الرقّ ويدعو إلى وقف المتاجرة في بيع العبيد والجواري. ولقد استمرّت ممارسات الرقّ واتسعت بشكل كبير أثناء الفتوحات الإسلامية في شرق المعمورة وغربها، ولم يتمّ إنهاؤها إلا بعد أن صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 والذي حرّم فيه ممارسات الرقّ وأطلق جميع العبيد في العالم ومنحهم الحرّية، ولم تعد هذه الممارسات مشروعة.
فهل يمكننا أن نعتبر أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أفضل من مبادئ الشريعة الإسلامية؟ وهل يمكن اعتبار الإسلام متخلّفاً حينما يقرّ العبودية في الوقت الذي يجرّمها هذا الإعلان؟ بالطبع لا.
فمنذ أن انطلقت الدعوة المحمدية حملت على عاتقها مسؤولية تحرير الناس من العبودية والتسلّط وعبادة الأفراد والانقياد إلى الأوهام. ولقد تحلّق العبيد حول النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام ولم يتورّع، وهو من هو شرفاً ونسباً ومكانةً، من مجالسة بلال بن رباح وياسر وسمية وابن مسعود ومساواتهم في المعاملة مع باقي المسلمين، حتى اتهمه أشراف قريش بتأليب عبيدهم عليهم.
لقد اعتبر الإسلام أنّ أفضلية المرء لا تتحقّق بلونه أو نسبه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا فرق بين عربي ولا عجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى". وقال أيضاً: "الناس سواسية كأسنان المشط". ولقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بلالاً الحبشي باعتلاء الكعبة والأذان من هناك بعد فتح مكّة، لكي يوصل رسالة إلى أشراف قريش بأنّ عهد التمايز بالنسب واللون قد انتهى.
ولم تكن هذه الأحاديث الشريفة مجرّد كلام للتسويق السياسي، بل إنّ ممارسات الرسول كانت تدلّ على ما كان يدعو إليه فعلاً. فها هو يجعل جيش المسلمين الذي يضمّ أشراف قريش يأتمرون بأمر خادمه زيد بن حارثة، وها هو يطلق السرايا ويرسل الوفود ويجعل العبيد في مقدّمتها.
ولقد سار الخلفاء الراشدون والصحابة رضوان الله عليهم على النهج النبوي في معاملة العبيد، فها هو ربعي بن عامر يردّ على سؤال كسرى عن سبب زحف جيوش المسلمين إلى فارس قائلاً: "جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد". وها هو عمر بن الخطّاب يلوم عمرو بن العاص على ضربه قبطياً مصرياً قائلاً له: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".
ولكن رغم ذلك لم يصدر أي إعلان من المسلمين بإنهاء الرقّ وبإطلاق العبيد وبتحرير الجواري. بل إنّ الفتوحات الإسلامية التي تلت عصر الخلفاء الراشدين ضاعفت من أعداد العبيد والجواري وضاعفت من دكاكين النخاسة التي تبيع الأسرى المقاتلين وغير المقاتلين في البلدان المفتوحة بأبخس الأثمان، وملأت القصور ببنات بني الأصفر والخلاسيات اللائي كنّ يقضين النهار في مطبخ سيّداتهنّ، ويقضين المساء في مضاجع أسيادهنّ.
لقد كان الإسلام سبّاقاً في الحديث عن المساواة وفي السعي إلى تحرير العبيد، ولكن لم يكن المسلمون الذين أتوا في الفترات اللاحقة سبّاقين في إيقاف العبودية وإغلاق باب الرقّ. والسبب في ذلك ربما يعود إلى أنّ المسلمين كانوا يبحثون عن نصّ ثابت وتوجيه صريح في القرآن الكريم أو السنة المطهرة للقيام بهذه الخطوة، لأنهم ينظرون إلى الشريعة الإسلامية بكونها نصوصاً وأحكاماً ثابتة، لا بكونها مقاصد ومرامي.
لقد كانوا ينتظرون أن يجدوا آية تأمرهم بإيقاف العبودية، أو إلى حديث نبوي يحرّم شراء العبيد من سوق النخاسة، ولم يلتفتوا إلى الغاية الكبرى التي كان يرمي لها الإسلام في النصوص والممارسات وهي غاية الحرّية. ولم يكونوا مدركين أنّ الإسلام لم يشأ أن يوقف الرقّ ويحرّم الاستعباد في تلك المرحلة المبكّرة، لأنّ تشريعاً من هذا القبيل كان سيُحدث خللاً كبيراً في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع العربي. لذا، فإن الحكمة الإلهية اقتضت أن يتمّ إلغاء العبودية وإنهاء الرقّ بالتدرّج.
وبعد قرون طويلة، وحين وُضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقرأ كثير من فقهاء المسلمين ما تضمّنه من توجيه إلى إنهاء الرق والعبودية، ظنّوا بأنّ الإعلان لا يتّفق مع الشريعة الإسلامية لكونها لم تحرّم الرقّ ولم تدعُ إلى إيقاف العبودية. وهؤلاء الفقهاء إنما نظروا إلى النص الشرعي ولم ينظروا إلى مقصد الشريعة. فلو أنّهم نظروا إلى غاية النصوص والممارسات الإسلامية في هذا المجال لتوصّلوا إلى قناعة راسخة بأنّ إنهاء الرقّ وإلغاء العبودية يتفق اتفاقاً كاملاً مع مبادئ الإسلام، وأنّ ظهور هذا الإعلان هو ثمرة جهد متواصل من أصحاب الشرائع والمصلحين والدعاة، وأنّ الإسلام كان له دور بارز في التنبيه إلى حقوق العبيد، في انتظار أن تبلغ البشرية مرحلة من النضج بحيث تستطيع أن تتخذ لوحدها قراراً بإلغاء العبودية وإنهاء الرقّ.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف