لبنان: الحبل يضيق حول عنق التهدئة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الحرب على المحكمة من الامتناع عن التمويل إلى إثارة "لا دستوريتها"
بيروت - وسام أبو حرفوش
يضيق "حبل" الخيارات حول "العنق" اللبناني يوماً بعد يوم، مع الوتيرة المتصاعدة في "حرق المراحل"، ملاقاةً للقرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، والمرتقب صدوره قبل نهاية السنة الحالية.
ومَن يراقب المزاج الاهلي في بيروت يدرك بلا عناء حجم الاحتقان الناجم عن الحرب الكلامية المفتوحة، ليل نهار، بين طرفي الصراع، وعن السيناريوات المأسوية المتداولة وكأنه "القدَر الذي لا مفر منه".
ولم يكن مفاجئاً جرس الانذار الذي دقه امس مجلس المطارنة الموارنة عندما حذر من مغبة تحول الاحتقان "صداماً في الشارع" القابل للاشتعال مع بلوغ الصراع مداه السياسي واحتمالات انزلاقه الى ما هو ادهى.
واللافت ان "التوتر العالي" الناجم عن الموقف من المحكمة الدولية انتقل من الشاشات والاندية السياسية الى داخل المؤسسات، كالحكومة والبرلمان، الامر الذي يهدد بـ "انفجار" من داخلها يصعب التكهن بحجم شظاياه ونتائجه.
وفي الوقت الذي يبدي رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه "صرامة" في دعم المحكمة وعدم التخلي عنها والاقرار المسبق بالنتائج التي ستصدر عنها، يكمل الفريق المناهض للمحكمة خطواته في اتجاه السعي للاطاحة بها.
فـ "حزب الله" الذي كان باشر خطة متدحرجة للتخلص من المحكمة، قاد عملية متدرجة بدأت بملف "شهود الزور" وقرائن الفرضية الاسرائيلية، ووصلت الى عرقلة تمويل المحكمة وتتجه نحو اثارة "اشكالية" تشكيلها ودستوريته.
وبهذا المعنى فإن المعارضة التي يقودها "حزب الله" قامت بـ "حرق المراكب" في حربها المفتوحة على المحكمة، وسط سيناريوات تتحدث عن استعدادها لـ "قلب الطاولة" في الوقت الذي تراه مناسباً.
وبدا الحريري، الذي كان قام بـ "نصف خطوة" الى الوراء عبر اعترافه بوجود ما يسمى "شهود الزور"، غير مستعد للتراجع عن المحكمة امام ما يعتبره "عملية تهويل لن تغير شيئاً"، وهو يتحضر لمواجهة الاحتمالات الاسوأ.
ازاء هذا الواقع البالغ التأزم رصدت مجموعة وقائع من شأنها تظهير "الصورة السوداء" التي تنتظر اللبنانيين، ومنها:
* توقعات وزير الخارجية السوري وليد المعلم بـ "اضطرابات طائفية" في بيروت في حال اتهام القرار الظني في جريمة اغتيال الحريري عناصر من "حزب الله".
* الانفجار المحتمل لحكومة "الوحدة الوطنية" بسبب "لغم" تمويل المحكمة الذي ارجئ الاقتراب منه الى وقت لاحق بعد قرار وزراء المعارضة باحباط عملية التمويل.
* اعتبار "حزب الله" كل من يقف مع المحكمة الدولية اسرائيلياً والتلويح بالتعامل مع من يتعاطى مع المحكمة، معاملة الغزاة الاميركيين والاسرائيليين.
* التهشيم الذي تتعرض له المؤسستان الامنية والقضائية من خلال الحملات على النائب العام التمييزي والمدير العام لقوى الامن الداخلي و" فرع المعلومات"، اي استخبارات قوى الامن.
* التقارير الاجنبية التي ترصد بقلق بالغ التوترات السياسية المتعاظمة في بيروت، الامر الذي ترجمته بعض السفارات الغربية بدعوة رعاياها للتحوط والحذر.
وكانت بيروت تلقفت باهتمام و"ارتياب" كبيرين كلام وزير الخارجية السوري في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" اذ قال في موقف كشف فيه للمرة الأولى "علناً" موقف دمشق من المحكمة الدولية ومسارها، "ان المحكمة الدولية أصبحت مسيّسة بشكل لا يمكن التعويض عنه"، مؤكداً ان بلاده ستعارض أي جهود من الأمم المتحدة نحو إصدار اتهامات تدعم التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وموضحاً أن دمشق تلقت أنباء عن أن عناصر من "حزب الله" سيتم قريباً اتهامهم رسمياً باغتيال الحريري، منبهاً الى أن من شأن ذلك إغراق لبنان في جولة جديدة من العنف الطائفي.
ودعا المعلم إلى استبدال تحقيق الأمم المتحدة بتحقيق بحت لبناني، وقال "نحن مقتنعون بأن إدانة من الادعاء في هذه المحكمة لحزب الله ستكون عامل اضطراب في لبنان".
وعلى وقع هذا الكلام غير المسبوق، برز استمكال طرفيْ الصراع اصطفافهما على "خط نار" المحكمة على الشكل الآتي:
* الرئيس الحريري "ثابت" في تمسكه بالمحكمة والاستقرار معاً والعلاقة مع سورية، وهو ما أكده خلال ترؤسه امس اجتماع المكتب السياسي لـ "تيار المستقبل"، اذ اعلن "أهمية الحرص على الاستقرار الداخلي واعتماد المؤسسات الدستورية كحاضن وحيد لأي اختلاف أو تعارض في المواقف لتجنيب اللبنانيين أجواء التشنّج واحتراماً للحرص العربي على الاستقرار اللبناني". واذ شدد على "أولوية العلاقة مع سورية ورفض العودة بها إلى الوراء، لأنّ في ذلك مصلحة لبنان وسورية"، جدّد التمسّك بالمحكمة الدولية التي توافق مع المجتمعين على "عدم القبول بأي تسوية أو تراجع في شأنها، لاسيما وانها مؤسسة دولية قائمة بذاتها ولا تخضع لأي موازين سياسية، والأهم من كل ذلك ان من غير الوارد البتة التخلي عن دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وان ذلك يكون بالصبر والصمود والثبات من دون الانجرار إلى أي منزلق يؤدي بلبنان إلى دوّامة الاضطراب".
وكان الحريري ابلغ الى نواب كتلته خلال ترؤسه اجتماعها اول من امس "ان لا تسوية على المحكمة" متمسكاً "بصدور القرار الظني والاحكام"، ولافتاً "الى ان الآخرين يخوضون معارك باشكال مختلفة، من شهود الزور الى مسألة التمويل، الى فرع المعلومات، والقاضي سعيد ميرزا واللواء اشرف ريفي، وكل هذا لن يغير شيئاً"، موضحاً "معركتنا ليست انفعالية ومعركتنا ليست المحكمة فقط، بل للبلد ايضاً لمنع انقضاض البعض على الطائف والاستقرار والسلم الاهلي وعروبة لبنان والثوابت الوطنية". واضاف: "لن ننجر الى اسلوب السباب والشتائم، ولا نريد الثأر بل العدالة. وهم يخرجون عن اجماع البيان الوزاري، ونحن سنستمر في الالتزام بكامل بنوده".
* اما فريق "8 مارس" فواصل مراكمة عناصر "المعركة" التي يخوضها على "جبهات عدة". وقد استوقف الدوائر السياسية في هذا الإطار تطوران:
اوّلهما: حدة "المعركة" التي اندلعت في لجنة المال والموازنة خلال مناقشة مشروع قانون موانة 2010 والتفسيرات عن كيفية سقوط بند تمويل المحكمة خلال اجتماع سابق للجنة، لاسيما وان الإشكال الذي انفجر خلالها بين نائب "حزب الله" علي عمار والنائب احمد فتفت (من كتلة الحريري) والذي كاد ان يتطور الى اشتباك بالايدي، اختزل نظرة كل فريق الى الآخر كما الى المحكمة، اذ كشفت المعلومات ان عمار توجّه الى فتفت قائلاً: "تهدّدون البلد عبر الدفاع عن المحكمة الإسرائيلية". فردّ الأخير: "هذا الكلام يصبّ في مصلحة إسرائيل"، فعاد نائب "حزب الله" ورفع السقف بقوله: "أنت الإسرائيلي وأنت الجاسوس، استبددتم بالحكم وأخذتم البلد إلى المهوار، أتيتم بحرب يوليو (2006) وخلّفتم الدمار والمجازر والشهداء".
اما التطور الثاني، فهو بدء الانتفاء "العلني" للتمايُز الذي كان يحاول رئيس البرلمان نبيه بري ان يبديه حيال "الحرب" على المحكمة، وتوليه عبر مستشاره النائب علي حسن خليل اضافة "حجر" جديد على "الجدار" الذي يرتفع يومياً في إطار محاصرة المحكمة من "خناق" التمويل، اذ ردّ رفض التمويل الى "اساس" تشكيل المحكمة وفق آلية تعتبرها المعارضة السابقة غير دستورية لانها تمّت في فترة استقالة الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الاولى ابتداء من نوفمبر 2006.
وفي هذا الإطار، قال خليل لتلفزيون "المنار" ان بند تمويل المحكمة يحكمه موقف مبدئي، اذ لا يمكن القبول بأي اشكالات دستورية رافقت اقراره، في اشارة الى وضعية حكومة الرئيس السنيورة بعد استقالة وزراء المعارضة منها، واقفال ابواب مجلس النواب في ذلك الوقت، مضيفا ان الرئيس بري يحضر ملفا مفصلا عن شهود الزور بهدف ملاحقتهم وتصويب كل مسار التحقيق والاتهام السياسي الذي رافقه.
وكان لافتاً ان كلام خليل تزامن مع ما نُقل عن لسان بري من كلام عكس خشية لدى اوساط سياسية من انتقال الصراع الى محاور أخرى. فقد اكد رئيس البرلمان امام زواره استمرار السعي من اجل مواجهة محاولات الفتنة، منتقدا عدم تنفيذ القوانين التي تعتبر مشكلة كبيرة من المشاكل التي نعاني منها جميعا. وحذر من "استمرار هذا الاسلوب الذي لا يبني دولة ويضر بالبلد ككل"، مشددا على انه لن يستطيع أن يبقى ساكتاً على ما يجري من خرق للقوانين، ومشيراً إلى امثلة كثيرة في هذا المجال، وهي تُسيء إلى سمعة البلد.
وتحت هذا "السقف"، اعلن مسؤول العلاقات الدولية في "حزب الله" عمّار الموسوي بعد استقباله امس الممثل الشخصي الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مايكل ويليامز انه جرى البحث "في التطورات الراهنة وخصوصاً ما يتعلق بموضوع القرار الإتهامي الذي يُتَوقع أن يصدره المدعي العام للمحكمة الدولية، والسيناريو الذي بات معروفاً وفق التسريبات المتنوّعة والذي صُمِّمَ للنيل من الاستقرار الداخلي ومن المقاومة على حد سواء".
وأكد الموسوي لـوليامز، بحسب ما جاء في بيان مكتوب تلاه بعد اللقاء، "أن المسار المتّبع بات يمثل عبئاً على القائمين عليه من دول أو جهات سياسية أو من فريق قضائي تابع، وأن التحدي الأساسي المطروح على هؤلاء هو كيف ستعملون لإيجاد الحل والمخرج الملائم الذي يعطّل مفعول القنبلة الموقوتة التي هي القرار الاتهامي". وفيما اعتبر نائب "حزب الله" حسين الموسويّ "انّ المشكلة في لبنان هي بين نهجين: وطنيّ مقاوم متمسّك بالحقوق والسّيادة والمقدّسات، وآخر مراهن متنازل"، رأت كتلة نواب الحزب بعد اجتماعها امس "ان مواصلة البعض تحريض اللبنانيين والتهويل عليهم لمنع افتضاح تورطه في الكثير من التجاوزات والارتكابات، لن تجدي نفعا في تحويل الأنظار عن وجوب ملاحقة ومحاكمة شهود الزور الذين ضللوا التحقيق وألحقوا ضررا بالغا بلبنان وبعلاقاته الإقليمية والدولية، ومن ثم محاكمة من صنعهم وفبركهم ولأي أهداف وغايات".
في المقابل، توقفت الأمانة العامة لقوى "14 مارس""بقلق شديد أمام التصعيد المحموم والمرفوض الذي لجأ إليه بعض قادة حزب الله في الأيام القليلة الماضية لجهة تهديد الشعب اللبناني بالقتل إذا تقبّل قرار المحكمة الدولية".
واذ تطرقت الى "الإنتكاسة الخطرة التي أصابت المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، بسبب إصرار اسرائيل على مواصلة الإستيطان رغم الإجماع الدولي على مطالبتها بوقف هذا العمل"، لفتت الى "انّ هذا التطرُّف الإسرائيلي من شأنه أن يستنهض التطرُّف المقابل على حساب الإعتدال العربي، وهو مؤشّر على عودة التناغم الإسرائيلي - الإيراني لإجهاض مشروع السلام بمرجعياته العربية والدولية"، مضيفة: "وفي هذا السياق ننظر بكثير من الحذر والريبة إلى زيارة الرئيس الإيراني المُزمَعة للبنان نظراً لمواقفه المناهضة للسلام، ولإصرارِه على اعتبار لبنان قاعدة إيرانية على ساحل المتوسّط".
وجددت "دعمها المطلق لعمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وصولاً إلى الحقيقة والعدالة"، محذرة "من التنكُّر للإجماع الوطني الذي حصل حول المحكمة".
خشّان يشن "هجوماً دفاعياً" على السيّد
في خطوة وُصفت بأنها "هجوم دفاعي" من أحد المشمولين بالدعوى التي رفعها المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد امام القضاء السوري ضد شهود الزور و"شركائهم" اللبنانيين من شخصيات سياسية وأمنية واعلامية وقضائية، وبأنها تسلك "نفس المسار" ولكن "العكسي" الذي اعتمده السيّد بلجوئه الى "المحكمة الخاصة بلبنان" طالباً الحصول على مستندات من التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري بما يتيح له مقاضاة الشخصيات نفسها ممَن تسببوا بـ "التشهير" به و"احتجازه تعسفا لمدة اربع سنوات" على حد تعبيره، تقدّم الصحافي فارس خشان من رئيس المحكمة الدولية القاضي أنطونيو كاسيزي باستدعاء قضائي، طلب فيه "فتح تحقيق في ما يُنسب إليّ من أخبار ملفقة عن إقدامي على تزوير الشهود في ملف اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الواقع كليا تحت صلاحية محكمتكم الحصرية، أو الإستحصال على مستندات من التحقيق، تمكيناً لي من ممارسة حقوقي في الدفاع عن نفسي ومقاضاة أشخاص واقعين تحت ولاية محكمتكم ينظمون بالإشتراك مع آخرين عملية إغتيال معنوية في حقي".
ودعا خشان القاضي كاسيزي الى "إتخاذ الإجراءات التي يراها مناسبة لتتولى المحكمة الخاصة بلبنان النظر في كل ما يُنسب إليه من أدوار في فبركة الشهود"، واضعا نفسه "في تصرف المحكمة حتى إعلان الحقيقة الساطعة".
وطلب "في حال إعلان المحكمة عدم اختصاصها النظر في الادعاءات التي أتعرض لها، إتاحة المجال أمامي للاستحصال على نسخ محددة، من ملف التحقيق". وعزا طلبه "الاستطرادي هذا، إلى حاجتي إلى كل المستندات من أجل تمكيني من مقاضاة مرتكبي جرائم الإفتراء الجنائي في حقي أمام المحاكم المختصة، بما فيها محكمة الرأي العام، حيث تجري عمليات "تجريمي" يوميا، والتحريض ضدي في محاولة لاغتيالي جسديا ومعنويا ومهنيا وإنسانيا ووطنيا".
واعتبر "أن حقي في هذه المطالب مكتسب، لأن اثنين ممن يقودان الحملة ضدي، وهما السيدان (اللواءان) جميل السيد وعلي الحاج (كان موقوفاً مع السيد) يقعان تحت الولاية القضائية للمحكمة الخاصة بلبنان، بالاستناد الى ما أعلنه قاضي الإجراءات التمهيدية السيد دانيال فرانسين في قراره الأخير، حين أعطى السيد جميل السيد صلاحية مراجعة المحكمة".