جريدة الجرائد

تقسيم السودان: فشل ام نجاح؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

حسان حيدر


يطرح تقسيم السودان الذي بات شبه مؤكد ولا ينقصه سوى اعلان النتائج الرسمية للاستفتاء على تقرير مصير الجنوب الذي سيجرى بعد مئة يوم، تساؤلات عن الدور الذي لعبته الحركة الإسلامية التي تسلمت الحكم في الخرطوم بعد انقلاب 1989 في ايصال البلاد الى هذا الفشل الذريع في الحفاظ على الوحدة الجغرافية والمواطنية، والذي يفتح الباب امام انقسام آخر ربما في الشرق الدارفوري، او ما اذا كانت هذه الحركة التي انقلبت ايضاً على مؤسسيها قد "نجحت" في ازالة "العقبة الرئيسية" امام اقامة "امارة" اسلامية خالصة في الشمال.

وبين "الفشل" و "النجاح" يسجل التاريخ ان السودان سيكون الدولة العربية الأولى في مرحلة ما بعد الاستعمار التي تقسم بموجب "أمر واقع" داخلي وصمت عربي ورعاية دولية، فيما تتراجع نظرية "المؤامرة" الجاهزة للاستخدام كلما واجه نظام عربي أزمة في ايجاد ارضية مشتركة بين مكونات شعبه المتنوعة دينياً وعرقياً، مثلما هي الحال في العراق ولبنان.

واذا كان نظام البشير يقدم نفسه على انه "ضحية" تراكم ظروف وعوامل داخلية وخارجية حرمته من اي خيار آخر سوى القبول بنتائج الاستفتاء، في اطار موافقته على انهاء اطول حرب اهلية في افريقيا، فإن منتقديه يردون بأنه شجع عملياً على الانفصال عندما امتنع اساساً عن ممارسة شراكة صحيحة مع الجنوبيين الممثلين في حكومة الخرطوم ورفض مبدأ التقاسم الفعلي للسلطة، وتلكأ في تقديم اي حوافز للجنوبيين لإبقائهم داخل الوطن الأم، وتعامل معهم سلفاً على اساس انهم كيان مستقل وباشر التفاوض مع "الحركة الشعبية" التي تمثلهم على ملفات لمرحلة ما بعد الانفصال وتقاسم الثروة النفطية والمياه وسواها، حتى انه لم يتردد في اعلان انه سيسقط الجنسية عن الجنوبيين فور اعلان نتائج الاستفتاء، قاطعاً بذلك الطريق على اي احتمال للتعددية في الشمال.

ويقول المنتقدون ايضاً ان الإسلاميين وصلوا الى الحكم في وقت كان العالم يقطع خطوات متقدمة نحو الاعتراف بحق الاختلاف، مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانقسامه جمهوريات قومية ثم مع تفكك دول مثل يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا على اساس عرقي وديني، فلم يدركوا اهمية هذا التغيير في المفاهيم الدولية، ولم يفعلوا شيئاً لتفادي المصير نفسه، لو كانوا فعلاً راغبين في تجنبه. فهم أصروا على أسلمة القوانين وفرض تطبيقات الشريعة من دون مراعاة الواقع التعددي، والتضييق على الأقليات وحرمانها من حقوقها تدريجياً، ولم يقدموا تطمينات عملية لشركائهم بأن المد الأصولي لا يعرض الوحدة الوطنية للخطر ولا يدخلها في تجارب غير مضمونة النتائج مثلما حصل.

تصرف نظام الخرطوم وفق مبدأ وحيد هو ضمان استمراريته، فلم يتنبه الى ان الحروب "الداخلية" جغرافياً لم تعد شأناً داخلياً للدول، بل صار لها بعد دولي يمكن ان يؤدي الى معاقبة انظمة وحتى سقوطها، فكان ان تورط ايضاً في اغراء ممارسة القوة في دارفور، ما جعل رئيسه مطلوباً للعدالة الدولية، وزاد من سعيه الى محاولة استرضاء العالم عبر التخلي اكثر عن جنوبه وبشروط لفظية فحسب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تقسيم السودان
aziz -

تتوجه الأنظار منذ الآن نحو ما سيتمخض عن الاستفتاء العام المزمع اجراؤه في اقليم جنوب السودان بعد أكثر من شهرين بقليل ليقرر شعبه مصيره بارادته الحرة في الاستقلال واعلان دولته الخاصة أو البقاء كما كان سابقا في اطار الدولة السودانية وليس سرا أن الخيار الأول هو المرجح حسب كل التقديرات وذلك اعتمادا على المواقف المعلنة للنخب السياسية والثقافية الجنوبية ورغبة الأوساط الشعبية عموما في الخلاص من اضطهاد الأنظمة السودانية المتعاقبة الاستبدادية والتيوقراطية ذات اللون الواحد الحاكمة في الخرطوم بنزعاتها الأصولية الاسلاموية والقوموية معا وانعدام حظوظ – الوحدة الجاذبة – حسب تعبير الجنوبيين مضافا اليه البيئة الدولية الحاضنة لارادة استقلال الجنوب وترسيم الحدود ومعالجة قضايا دارفور ومنطقة أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق والتمهيد بخطوات متلاحقة منذ حين في توفير المستلزمات الاقتصادية والدبلوماسية والتنموية والأمنية وكان آخر تجلياته اللقاء الأربعيني حول جنوب السودان على هامش الاجتماع الدوري للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بحضور مميز ومعبر للرئيس أوباما. العلاقة الوثيقة بين عملية التغيير الديموقراطي وانجاز حق تقرير المصيرواعادة بناء الدولة العصرية في مشهد السودان تكاد تكون عضوية غير قابلة للانفصام وهي تدفع مجتمعة نحو محاولة حل الأزمة العامة في العلاقات القومية في مجتمع متعدد الأقوام والأعراق والمعتقدات وفي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبنيوية والثقافية والادارية لكل السودانيين في الشمال والجنوب والأطراف بمختلف مكوناتهم القومية والأثنية والدينية واذا تعذر ذلك فامام الجنوب والأقاليم الأخرى فرصة بناء كياناتها – الديموقراطية الجديدة – الواعدة التي ستشكل تراكمات معاناتها الطويلة من الظلم والحرمان والقمع خميرة لولادة الجديد الأفضل بكثير مما هو سائد الآن في أسوأ الأحوال واذا كانت القوى الوطنية السودانية المعارضة بشكل أساس قد حسمت موقفها من خلال اعلان جوبا للحوار قبل أشهربشأن تنفيذ اتفاقية السلام واحترام ارادة شعوب الجنوب ودارفور والمناطق الأخرى في تقرير مصيرها عبر الاستفتاء الحر وكذلك الأمر حول التحول الديموقراطي والمصالحة الوطنية فان النخب السياسية والثقافية في الجنوب متمثلة في قيادة الحركة الشعبية التزمت ومازالت تسعى من أجل " سودان جديد لأن القديم قائم على التناحر والحروب