جريدة الجرائد

فيروس بوشهر وتغير طبيعة التحديات

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


ظافر محمد العجمي


في استراتيجية الدفاع الوطنية الأميركية، جاء أمن المعلومات مركزاً على قدسية قطاع الاتصالات لما له من دور مهم في توحيد الجهود المتعلقة بالحفاظ على الأمن، وتؤكد تلك الاستراتيجية على أهمية التكنولوجيا ومعداتها وتعتبرها من أدوات القوة الكلية، وتذهب إلى التأكيد على أن إمكانية الاختراق تظل قائمة بنسبة عالية، وتدعو إلى الاهتمام بأمن المعلومات وبتأمين الشبكات لكونه يعتبر تحدياً حاسماً وعنصراً هاماً من عناصر الأمن القومي.
هذا الإدراك لتغير طبيعة التحديات ولأمن المعلومات وتأمين الشبكات الحاضر في الفكر الاستراتيجي الأميركي كان غائباً عن الفكر الاستراتيجي الإيراني، بل إنه تحول من استعداد دفاعي في الاستراتيجية الأميركية إلى استراتيجية هجومية، فقبل أيام قليلة قالت شركة سمانتك (Symantec): إن أجهزة الكمبيوتر في إيران تعرضت لهجوم من دودة إلكترونية (worm) لسرقة معلومات وأسرار من أنظمة تحكم صناعية. وقد تم تصميم الفيروس المهاجم المسمى ستكسنت (Stuxnet) خصيصاً لاختراق أنظمة التحكّم والحصول على البيانات من أجهزة من إنتاج شركة سيمنس "Siemens" الألمانية، حيث شاركت سيمنس في التصميم الأصلي لمفاعل بوشهر خلال فترة حكم الشاه. وأكبر ضرر تعرضت له إيران بما يصل إلى %60 من أجهزة الكمبيوتر المصابة عالمياً. ومما تجدر الإشارة إليه قول بعض المختصين: إن ثمة دولة وراء الفيروس الذي ينتقل من جهاز إلى آخر عبر بطاقات الذاكرة "USB" ويتكاثر أثناء انتقاله، بل إنه صمم لإتلاف مفاعل بوشهر النووي بعد تراجع خيار الضربة العسكرية. وقد أقرت طهران بالهجوم، وقالت: إن مختصين يحاولون إخراج الفيروس من الكومبيوترات المصابة لكنها أكدت أن أنظمة مفاعل بوشهر تعمل بشكل طبيعي ولم تتعرض لأي عطل.
في دول مجلس التعاون قد لا نملك مفاعلات نووية حتى الآن، لكن لدينا ثغرات عبر أجهزة الحاسب الآلي في دوائر حكومية قد تكلف الكثير لو استطاع "هاكر" إيقافها عن العمل، ولا نكون متحاملين عند القول إنه لا يوجد لدينا حضور قوي لمفهوم أمن المعلومات. ولنا في الكويت تجربة معنوية قاسية حين أجبرت الالتزامات الدبلوماسية وزارة الخارجية الكويتية على الاعتذار للمملكة المغربية الشقيقة حين قام هاكر من الهواة مغربي الجنسية باختراق موقع الديوان الأميري الكويتي للتعبير عن غضبه للمساس بالمرأة المغربية عبر مسلسل كرتوني كويتي. وحين نستذكر ما جرى في الكويت رغم بساطته، وما يقوم به الفيروس ستكسنت "Stuxnet" من ضرر في مفاعل بوشهر نصاب بالهلع. وكيف لا نجزع حين تعتبر لافتات "ممنوع التصوير منطقة عسكرية" هي أقصى درجات تقنية الحماية والاحتراز الأمني لغرفة نظام التحكم أو لسياج منصة إطلاق صواريخ الدفاع عن سماء الخليج.
وقد نهدأ لنصاب بالهلع مرة أخرى، حين نقرأ إعلانا ترويجيا عن برنامج "Sub 7 Glold" يحرضنا بادعائه أنه أقوى برنامج اختراق عالمي وبسرعة رائعة، وشرح كامل اختراق أكبر الشبكات. نقرأ ذلك لنجد كلمتي "ممنوع الدخول" على ورقة "A4" بيضاء، هي فقط ما يحول بين شاب عابث ممسك بجهاز تلفون ذكي "SmartPhone" مثل "iPhone" أو "BlackBerry" المتصل بالإنترنت وبين أجهزة الكمبيوتر في مراكز العمليات لمصفاة نفطية أو في وحدات الإمداد التي تسجل كمية ذخائر الخط الأول، وجداول الصيانة الدورية للطائرات ودرجات الجاهزية لوحدات المناورة.
ما يجري في بوشهر لو انتقل إلينا سيجعلنا نبكي على واقع لا نملك همة النهوض لتغييره؛ حيث إن تحديات المستقبل تفرض علينا وضع أطر علمية وعملية عاجلة منها نشر الوعي بأهمية أمن المعلومات وخطورة الجرائم الرقمية، ليس بين أفراد المؤسسات الحساسة فحسب بل بين أفراد المجتمع كافة، كما أن التحديات تفرض تأهيل القائمين على منع وضبط منتهكي أمن المعلومات بعد سنّ القوانين والتشريعات الخاصة بالجرائم الرقمية، فكم من قضية مشابهة تعاملنا معها ببدائية، وكم من مرة أفلت عابث بأمن المعلومات الحساسة بسبب تغطيتنا لجهلنا بدعوى أن الاختراق تم لمعلومات نمطية ومتكررة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف