جريدة الجرائد

أمة كاملة تستقبل 2011 بـ «سرادق عزاء»!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

شريف عبدالغني

استقبل المصريون العام الميلادي الجديد بالحادث الإرهابي المروع أمام كنيسة "القديسين" بالإسكندرية وفقدان العشرات من الضحايا الأبرياء، ورغم أن المصريين مسلمين ومسيحيين وقفوا صفاً واحداً ضد العمل الإجرامي، إلا أن الأحداث لم تخلُ من غضب قبطي في العديد من شوارع القاهرة اتخذ شكل مصادمات مع رجال الشرطة. وبالقرب منهم في جنوب الوادي كان سودانيون وبينهم ابنة الزعيم إسماعيل الأزهري، الذي رفع علم استقلال البلاد عام 1956، يحولون ذكرى استقلال السودان في الأول من يناير الجاري إلى "سرادق عزاء"، وذلك بتنكيس علم الاستقلال للمرة الأولى في المناسبة منذ 55 عاما، تعبيرا عن "الحزن الكبير على أوضاع الدولة وانفصال الجنوب الذي بات وشيكا" خلال الاستفتاء المقرر بعد غد الأحد.
الواقع أن هذا السرادق لم يكن معبرا عن حال السودان فقط، وإنما بدا شاهدا على أوضاع أمة بأسرها، استقبلت 2011 بأحداث تحمل في ثناياها مخاوف من أن القادم على امتداد العالم العربي أسوأ مما هو فائت، وأن رياحا عاتية ستهب على المنطقة قد تقتلع في طريقها ما تبقى من دعامات استقرار "الخيمة العربية".
إذا تخطينا البحر الأحمر من السودان إلى اليمن، سنجد المشهد لا يقل حزنا، قلاقل واضطرابات في الجنوب، ثم تعديلات دستورية في صنعاء يناقشها البرلمان لإقرارها خلال 60 يوما، تحمل العسل والسم في كأس واحدة، فهي من جانب تخفض ولاية الرئيس من 7 إلى 5 سنوات، وقبل أن نفرح لنعتبرها بداية لديمقراطية حقيقية، إذا بالتعديل الثاني المقترح يلغي المادة التي تمنع ترشح رئيس الجمهورية لأكثر من فترتين، وهو ما يمهد بحسب المعارضة هناك إلى بقاء الرئيس في السلطة مدى الحياة، لكن التخوف الأكبر أن يسرع هذا التعديل في حالة إقراره من حمى دعوات "الطلاق" بين جنوب وشمال البلاد، ليتحول ما يسمى بـ "الحراك الجنوبي السلمي" إلى "الانفصال العنيف". وهكذا بينما يتجه العالم نحو الوحدة والكيانات الكبيرة يعود العرب عقوداً إلى الوراء بالوقوع في فخ التشرذم والتفكك، خاصة أن الصومال الجار الجنوبي لليمن أصبح "3 في 1" بعدما تحول بقدرة قادر إلى ثلاث دول.
الأوضاع في منطقة المغرب الكبير لا تقل سوءا.. تونس الخضراء وصلت إليها حمى "الانتحار حرقا" بسبب البطالة، فضلا عن تعديلات دستورية تتيح للرئيس أيضا الاستحواذ على الكرسي الكبير بطريقة مدى الحياة، فضلا عما تسميه الصحف الحكومية هناك بـ "مناشدات شعبية" بإلغاء فقرة سبق أن أضيفت للدستور عقب الإطاحة بالرئيس السابق الحبيب بورقيبة بألا يتخطى سن الحاكم عند انتخابه 75 عاما، كون الرئيس الحالي سيصير في الثامنة والسبعين عند ترشحه للانتخابات المقبلة عام 2014. وفي الجزائر المجاورة ثار أعضاء في البرلمان على رئيس اتحاد الكرة هناك لتصالحه مع نظيره المصري، فضلا عن دعوات أخرى بالتصعيد مع المغرب، الأمر الذي لم يقف أمامه سياسيون في الرباط مكتوفي الأيدي وأكدوا أنهم سيمضون في الشوط حتى نهايته حتى ولو قامت حرب مع "بلد المليون شهيد"، كل هذا في ظل استمرار النزاع حول الصحراء الغربية وإصرار جبهة "البوليساريو" على الاستقلال.
وبالطبع الحال في المشرق لا يختلف كثيرا، "فتح" و "حماس" تواصلان الجهاد ضد بعضهما في فلسطين ونسيتا معاً العدو الأساسي. وفي لبنان الفرقاء ما زالوا على اختلافهم بشأن العديد من القضايا ما يعرض مستقبل البلد للخطر. وعلى مقربة منه العراق في العهد الأميركي ظل الإخوة "الكابسون" على شؤونه في حالة مخاض عسير استمر تسعة أشهر كاملة حتى "نتعهم" الله بالسلامة وأنجبوا جنينا مشوها يسمونه "حكومة شراكة وطنية" وهو الاسم المهذب واللطيف لـ "حكومة المحاصصة الطائفية".
طبعا لا يخفى على أي لبيب أن كل هذه الأحداث السوداء كان يمكن تلافيها لو عرف العرب وتداولوا فيما بينهم اختراعا بسيطا يسمى "الديمقراطية". لو كان هذا الاختراع منتشراً في المنطقة لتحولت مكونات شعوبها إلى مصدر قوة لا مصدر ضعف، على غرار مجتمعات مثل الولايات المتحدة وسويسرا وكندا أو حتى الهند. الحكم الديمقراطي يحقق مبدأ "المواطنة" والمساواة بين جميع أبناء الشعب. وقتها كان يمكن أن يبقى السودان قويا موحدا لو طبقت أنظمة حكمه المتعاقبة هذا المبدأ، ولكان خيار "الوحدة" هو الجاذب دائما لكل الأطياف هناك، ولم يكن يستطيع أحد أن يتحدث عن "التمييز" بين هذا الإقليم وذاك.
كنت من المعجبين بالتجربة الديمقراطية الوليدة في اليمن، وحصول الحزب الحاكم هناك في إحدى الانتخابات على نسبة تتعدى الـ%50 بقليل، لكن التعديلات الأخيرة والمزمع إقرارها تؤكد أن "اليمن السعيد" لن يبقى كذلك. وقد بدأت أشم رائحة الخطر حينما قال الرئيس علي عبدالله صالح في حوار لـ "الجزيرة" قبل سنوات: إن حاكم اليمن أشبه بمن يحكم مجموعة من "رؤوس الثعابين". والمعنى الذي فهمته أن هذا مبرر لكل قوانين استثنائية تزيد من سلطة المسؤول حتى يستطيع إحكام قبضته على هذه "الرؤوس".
وفي المغرب العربي هناك مفارقة مدهشة، فالكل يتحدث عن "فرنسة" المجتمعات المغاربية، لكن الواضح -وهذا من سوء حظ هذه الشعوب ونحن معها- أن هذه "الفرنسة" لم تتضمن ما يحدث في باريس من حكم ديمقراطي وحرية وعدل بين عموم فسيفساء المجتمع الفرنسي. وفي فلسطين تأكد أن المسؤولين العرب يرحبون بالديمقراطية في حالة واحدة، أن تأتي النتائج على هواهم، بينما لو أفرزت حركة معارضة لتشكل الحكومة يتم الانقلاب عليها وتوجيه اللوم للصناديق التي أتت بهم وللشعب الذي صوّت لهم. ثم يدخل الجميع في عراك ضد بعضهم البعض، ويستعين كل طرف بقوة خارجية لتعضد موقفه في مواجهة الآخر حتى لو كانت هذه القوة هي إسرائيل كما كشفت وثائق "ويكيليكس"، والأمر نفسه ينطبق على ما يحدث في لبنان والعراق.
2011 بدأ عربيا بأحداث مروعة، ولأن الشواهد تشير إلى أن نهايته لن تكون أقل ترويعا فإننا كشعوب مغلوب على أمرها ليس أمامنا سوى التضرع: "اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه"، باعتبار أننا لا نتحرك أبداً لتغيير أي أوضاع خاطئة، وكل إنجازنا التاريخي هو الدعاء!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف