جريدة الجرائد

النفط و الانفصال في السودان

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

وليد خدوري


يشكل الاستفتاء المقرر اليوم حول انفصال جنوب السودان حدثاً إقليمياً تاريخياً، ذا أبعاد مهمة في وضع عربي مزر. ولا يشكل الاستفتاء حدثاً طارئاً أو مفاجئاً، فقد كان منصوصاً عليه في اتفاق "نيفاشا" لعام 2005 الذي أنهى حرباً أهلية دامت نحو 22 سنة ما بين الشمال والجنوب وأوقعت مئات آلاف الضحايا. ونص الاتفاق على استفتاء أهالي الجنوب بعد خمس سنوات حول الاستمرار في ظل سودان موحد. والإجابة الواضحة المتوقع أن يكشفها الاستفتاء، كما تشير إلى ذلك التوقعات كلها من دون استثناء، أن سكان الجنوب في طريقهم إلى الانفصال عن الخرطوم.

السؤال هو: لماذا النزعة إلى الانفصال، وما هي أبعاده المحتملة، وما هو دور النفط؟

لا بد من الاعتراف بأن سوء إدارة النزاعات من قبل الحزب الحاكم في السودان خلال السنوات الخمس الماضية أدى إلى هذا الوضع الحرج. أما الآثار، فستنعكس تدريجاً على تجارب الدول الفيديرالية العربية، وتشجع محاولات انفصال مماثلة من قبل أقليات كبيرة دينية أو قومية في بعض الدول العربية، ناهيك عن فتح المجال من أوسع أبوابه أمام التدخلات الخارجية (الإقليمية والدولية) في شؤون دول المنطقة. لكن الخوف ليس فقط من انفصال الجنوب عن الشمال، بل من احتمال أن تتفاقم الأمور في الوضع السوداني الصعب، بحيث يمكن أن تتكرر التجربة اليوغسلافية من انقسامات مستقبلية في دارفور وكردفان بعد أزمات مسلحة وصراعات محلية.

ما هو دور النفط؟ تميزت التجربة النفطية السودانية بالعقبات والتأخير في تطوير هذه الصناعة الحيوية، نتيجة للحروب الأهلية وضغوط المنظمات غير الحكومية الغربية لردع الشركات العاملة هناك عن الاستمرار في عملها، ومن ثم الحصار بسبب معارك دارفور. بدأ استكشاف النفط عام 1959 من قبل شركة "إيني" الإيطالية، ثم تبعتها شركة "شيفرون" الأميركية عام 1975، إلا أن الأخيرة انسحبت من السودان عام 1984 بعدما اغتال "الجيش الشعبي لتحرير السودان" ثلاثة من موظفيها. وحصلت شركة "توتال" الفرنسية على عقد امتياز عام 1979، إلا أنها لم تستثمره، لأسباب كثيرة.

أما المرحلة الثانية، فتميزت بضغوط سياسية واقتصادية من قبل منظمات غير حكومية على الشركات النفطية الغربية. وتباينت الأسباب وراء الحملة، فقد حاول مطلقوها أولاً الضغط على الخرطوم لإيقاف الحرب مع الجنوب قبل عام 2005، ثم تحول الضغط بسبب معارك دارفور. ثم رافق هذه الضغوط حصار من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية قضى بمنع السفر إلى السودان، وغير ذلك. لم تستطع هذه المحاولات إيقاف الاستكشاف والتنقيب عن النفط في السودان، لكنها نجحت في حجب الشركات النفطية الغربية عنه، ومن ثم استحوذت الشركات الصينية على نسبة كبيرة من العمل النفطي في البلاد، بالإضافة إلى شركة "بتروناس" الماليزية، والشركات الهندية والإندونيسية، بالإضافة إلى بعض الشركات النفطية العربية الخاصة الصغيرة الحجم. وارتفع حجم الاحتياط المؤكد للنفط الخام عام 2010 إلى نحو خمسة بلايين برميل، وقفز الإنتاج في العام ذاته إلى نحو 490 ألف برميل يومياً، مقارنة بنحو 57 ألف برميل يومياً عام 1999.

وساهم النفط في الخلافات في البلاد، فعلى رغم نص اتفاق "نيفاشا" على تقاسم الريع النفطي بالتساوي ما بين الشمال والجنوب، وعلى رغم أن معظم الإنتاج هو من الجنوب، نشبت خلافات جوهرية، منها أن السلطات الجنوبية شككت في أرقام الريع النفطي الصادرة عن الخرطوم. واحتج المسؤولون في الجنوب ومنظمات المجتمع المدني السودانية على غياب الشفافية وعدم تمكنهم من تدقيق الأرقام. فقد أعلنت الخرطوم مثلاً، أنها استلمت 2.9 بليون دولار من الشركات النفطية عام 2009، بينما اشتبه الجنوبيون بوجود فروق ما بين تسعة و26 في المئة تُضاف إلى المبلغ. وشكك الجنوبيون في أرقام الإنتاج الخاصة بالحقول الصادرة عن الخرطوم، وادعوا أنها تختلف عن الأرقام الصادرة في التقارير السنوية للشركات.

من نافل القول أن مفعول اتفاق "نيفاشا" سينتهي مع إعلان نتيجة الاستفتاء، ففي حال فاز التيار الانفصالي، سيعني هذا أن الجنوب سيحصل على الغالبية الكبرى من الحقول النفطية، لأنها تقع في أراضيه، مع نسبة قليلة من الحقول في الشمال. وفي حال جاء الانفصال سلمياً، سيكون هناك جدول أعمال نفطي دسم أمام الطرفين للاتفاق على تفاصيل جديدة، منها كيفية تصدير النفط، خصوصاً لأن جنوب السودان لا يطل على البحر، ما يستلزم استعمال خط أنابيب التصدير الحالي عبر شمال السودان الذي يمر عبر الخرطوم ويصب في منطقة بور سودان على البحر الأحمر. هناك خيارات أخرى أمام الجنوب للتصدير، لكن عبر دول كثيرة أخرى، ما يزيد من تكاليف التصدير، ناهيك عن تكلفة تشييد خط أنابيب جديد. وثمة سؤال آخر يتعلق بثمن الترانزيت لتصدير النفط، وكمية النفط التي سيطالب بها الشمال لسد حاجاته الداخلية من الاستهلاك، بالإضافة إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق يمكّن الجنوب في المستقبل المنظور من تكرير نفوطه في مصفاة الخرطوم، المصفاة الوحيدة في البلاد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف