جريدة الجرائد

كيف روّض الكرملين شبكة الانترنت؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يفغيني ماروزوف *

قبل ساعات من إصدار القاضي حكمه الأخير بإدانة (رجل الأعمال الروسي) مخائيل خودوركوفسكي الأسبوع الماضي، كان أبرز سجين سياسي في روسيا يتعرض إلى هجوم على الإنترنت. لا، لم يتعرض موقع خودوركوفسكي، المصدر الأهم للمعلومات عن المحاكمة بالنسبة الى كثر من الروس، إلى الحجب من قبل الرقابة. بل استهدف بهجمات تسمى "الحرمان من الخدمة"، حيث يتلقى زوار الموقع رسالة على برامج التصفح التي يستخدمون، تقول: "لا يمكن العثور على الموقع".

وتتزايد شعبية هذا النوع من الهجمات عند إنزال العقاب بالخصم، على ما تُظهر الحملة على شركات أميركية مثل "أمازون" وthinsp;"باي بال" لإساءتهما التعامل مع "ويكيليكس". ومحال تقريباً تعقب أثر مرتكبي الهجمات هذه، والعديد منها لا يتم الإبلاغ عنه لصعوبة التمييز بينها وبين الحالات التي يكون فيها موقع على الإنترنت يعاني من طلبات ضخمة العدد للدخول إليه. وعلى رغم أن أكثر المواقع تعود إلى العمل، فإن "الحرمان من الخدمة" نادراً ما يسفر عن غضب مشابه لذلك الذي تؤدي إليه محاولات الحكومة لاختراق الإنترنت للحصول على معلومات.

واعتمدت الأنظمة القمعية على "الجدران النارية" في الانترنت لمنع المعارضين من نشر الأفكار المحظورة. تحلت الصين بنوع خاص من الابتكار في المجال هذا. بيد أن المهاجمين الذين ضربوا موقع خودوركوفسكي يبدون أقرب الى ما سيكون عليه مستقبل الانترنت من السيطرة الرقابية التقليدية التي تتبناها بكين. فوفقاً للنموذج الروسي - الذي سأسميه "السيطرة الاجتماعية" - لا ضرورة لرقابة رسمية مباشرة. فثمة متصفحو شبكة يؤيدون الحكومة - وغالباً ما يكون من بينهم هواة مستقلون وخبراء كومبيوتر ينتمون الى حركات الشباب المناصرة للكرملين - يتولون الاهتمام بالمسألة ويشنون الهجمات على المواقع التي لا تعجبهم، بجعلها غير قادرة على استقبال الزوار حتى أولئك المستخدمين الذين يقيمون في بلدان لا تمارس أي صنف من الرقابة على الإنترنت.

الهجمات على مواقع الانترنت واحدة، فحسب، من العدد المتنامي من الأساليب التي يعمل الكرملين بها على حمل أنصاره على التأثير على مضمون شبكة المعلومات. ويملك أكثر مصادر الانترنت الأولية أفراد الطغمة المالية الموالية للكرملين والشركات التي تسيطر الحكومة عليها. ونادراً ما تتردد المؤسسات هذه في تعليق حسابات المستخدمين أو محو مدوناتهم إذا تجاوزوا الخطوط الموضوعة من الحكومة.

ويستخدم الكرملين الانترنت استخداماً كثيفاً لنشر دعايته السياسية وتعزيز شعبية الحكومة، لتصل أحياناً الى ضرب من التشدد المضحك. وفي الصيف الماضي، أمر رئيس الوزراء فلاديمير بوتين بوضـــــع أجهزة تصوير عبر الانترنت ("ويب كاميرا") تبث في الوقت الحقيقي لمراقبة التقدم في المشاريع الإسكانية المخصصة لضحايا حرائق الغابات المدمرة. اعتبر ذلك إنجازاً عظيماً في مجال العلاقات العامة، لكن قلة من الصحافيين تحققوا من امتلاك الضحايا أجهزة كومبيوتر لمراقبـة هذا التمرين النبيل على الشفافية (والحقيقة أن الضحايا لا يملكون الأجهزة اللازمة). وتستفيد أجهـزة الأمن والشرطة الروسية كذلك من المراقبة الرقمـية، باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي لجمع معلومات استخبارية وتقييم المزاج الشعبي.

يمارس الكرملين، في واقع الأمر، مقداراً ضئيلاً من الرقابة الرسمية على الانترنت مفضلاً السيطرة الاجتماعية، على الضوابط التكنولوجية. ويكمن منطق معين وراء هذا التفضيل. فالرقابة المباشرة تؤذي صورة الحكومة في الخارج. أما الهجمات على الشبكة فغامضة الى الحد الذي يحول دون جعل أكثر الصحافيين الأجانب يتحدثون عن تدهور المناخ الإعلامي في روسيا. وعبر السماح للشركات الموالية للكرملين وللأنصار السياسيين بممارسة نوع من الحراسة على "المواطنين الرقميين"، تكون الحكومة قد تخلصت من عبء القلق حيال كل مدونة تتضمن الانتقاد لسياستها.

واحد من الأسباب التي تجعل كثر من المراقبين الأجانب يغضون الطرف عن تشجيع استخدام الكرملين لهجمات "الحرمان من الخدمة" يكمن في اعتياد المراقبين على أنواع أقسى وأعنف من السيطرة على الانترنت. فجهود الصين الضخمة في إنشاء حواجز في الشبكة - والذي أطلقت عليه مجلة "وايرد" عام 1997 اسم "سور الصين الناري العظيم" - ينتمي الى الرقابة الصارمة على الموجات الإذاعية التي مارستها الأنظمة الشيوعية أثناء الحرب الباردة. في حين أن الانترنت أثبتت أن السيطرة عليها أصعب بكثير بسبب طبيعتها غير محددة الشكل.

وراحت الصين تعتمد، بهدوء، عدداً من الإجراءات المتبعة في روسيا. وصار موقع اللجنة النروجية لجائزة نوبل يتعرض لهجمات متكررة بعدما مُنح المعارض الصيني ليو شينباو جائزة نوبل عام 2010. ويطلب إلى العديد من المسؤولين في الدوائر الصينية الرسمية الآن المشاركة في جلسات للتدريب الإعلامي واستخدام مهاراتهم في تشكيل الرأي العام بواسطة الانترنت بدلاً من فرض الرقابة عليه.

وعند تقييم سياسة الحكومة الأميركية حيال الانترنت - التي أعلنتها قبل عام وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون - يمكن رؤية بعض الإشارات الى إدراك الديبلوماسيين الأميركيين للجهود المتصاعدة التي تبذلها الحكومات المستبدة لاستخدام القوى الاجتماعية للسيطرة على الانترنت. وتنصب أكثرية جهود واشنطن على الحد من الضرر الذي يسببه التحكم التكنولوجي بالانترنت. لكن حتى في المجال هذا، تمتلك واشنطن سجلاً ملطخاً: فقبل أسابيع قليلة منحت وزارة الخارجية الأميركية جائزة الابتكار الى "سيسكو"، الشركة التي أدت دوراً كبيراً في مساعدة الصين في بناء جدرانها النارية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف