من «رصاص» تونس إلى «جنرالات» الجزائر.. يا قلبي لا تحزن!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
شريف عبدالغني
أثناء طبول الحرب التي كان يدقها الإخوة من "فارغي العقول" بالجزائر، ردا على نظرائهم الذين لا يقلون فراغا عقليا في مصر، بسبب التنافس الكروي بين البلدين في ساحة "الشرف والكرامة" للوصول إلى كأس العالم، كان عقلاء الجانبين يحذرون من هذه الفتنة، ويكشفون أن هؤلاء المتعصبين ينفذون سواء بقصد أو دون قصد أهدافا خبيثة للسلطة هنا وهناك، تريد التغطية على سوء الأوضاع الداخلية بشحن الشعبين باتجاه كرة القدم وتفريغ طاقات الغضب الكامن في النفوس نحو جماهير الجانب الآخر. شحن الإخوة الجزائريون آلاف المشجعين -وقيل إن من بينهم كثيرين من معتادي الإجرام وخريجي السجون- إلى معركة "أم درمان" المباركة، ردا على موقعة "القاهرة" التي تعرضت فيها حافلة المنتخب الجزائري للقذف بالحجارة. رد الجزائريون الحجر حجرين وفازوا بالمباراة، كما انتصروا في المعركة الأساسية مع المشجعين المصريين بشوارع الخرطوم، وعادوا مكللين بتيجان النصر إلى بلادهم ليحتفلوا مع زملائهم الذين ظلوا في الداخل لتنفيذ الشق الآخر من الحرب المقدسة بالاعتداء على المنشآت المصرية في أراضيهم. ثم ذهب الجميع إلى جنوب إفريقيا ورجعوا بهزيمتين وخروج من الدور الأول دون إحراز أي هدف.
ومن الجهاد الأصغر دخل الجزائريون إلى الجهاد الأكبر وهو مكابدة الحياة اليومية وصعوبتها، في ظل معدلات بطالة تقدر بحسب الأرقام الرسمية بـ%10 من السكان (35 مليون نسمة)، غير أن منظمات مستقلة تقدر النسبة بنحو %25. ومع تدني الحالة الاقتصادية، تطوع دعاة الفتنة مع مصر باستخدام نفس الورقة بعدما أثبتت نجاحا في المرة السابقة وحاولوا إلهاء الرأي العام بأي قضايا خارجية، فخرج نواب في البرلمان يعلنون بالصوت العالي رفضهم تصالح محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم مع نظيره المصري الذي تم في الدوحة بوساطة تستحق الشكر من مسؤولي الرياضة القطريين، وطالبوا علنا باعتذار مصري واضح وصريح متجاهلين المبادرات والاتصالات الودية بين رئيسي البلدين. لكن يبدو أن هذه الورقة لم يعد لها أي تأثير بعد استهلاكها التام، فعاد خَدَمة السلطة إلى الورقة التقليدية في جرابهم "تقرير مصير الصحراء الغربية"، فشحنوا العاطفة الوطنية وزادوا الأصوات الداعية للتصعيد مع المغرب، في الوقت نفسه الذي ارتفعت فيه أسعار كثير من السلع الأساسية بنسب بين %40 و%50. ظن هؤلاء أن رفع راية المواجهة مع جارهم الغربي العربي سيلهي الشارع عن غول الأسعار، لكن الورقة حرقت نفسها، وخرجت "ثورة الجياع" بحسب وصف عدة تقارير إعلامية، لكن وزير الداخلية والجماعات المحلية دحو ولد قابلية، رفض أن يخرج عن صف وتصريحات زملائه العرب عند الأحداث المشابهة، فقال إن أحداث الشغب في بلاده "لا تحمل صفة الغضب الشعبي الناقم على سياسة الحكومة، حيث لم يشارك فيها المهنيون والتجار والموظفون، بل إن من ضمن المشاغبين إجراميين".
الجزائر بلد غني بالنفط والغاز، يملك مساحة جغرافية شاسعة وشواطئ ممتدة وغيرها من المقومات الطبيعية والسياحية والتاريخية التي تجعل منه واحدا من أغنى دول المنطقة، والمفترض ألا يقل أبدا عن مستوى دول الخليج، لكن الفارق بين الجانبين هو كيفية إدارة الثروة ومدى تغلغل الفساد في الحكم. لقد وجد الشعب الجزائري العظيم -الذي خاض واحدة من أشرف معارك النضال العربي- نفسه لا يعيش في المستوى اللائق به. لم يجد كثير من الأكاديميين والكفاءات والمثقفين سوى الهجرة للخارج بحثا عن حياة أفضل، ومن المفارقة أن قطاعا كبيرا منهم اتجه للعمل في دول الخليج مثله مثل زملائه القادمين من دول لا تملك قدرا يسيرا من ثروة الجزائر. اختار جزائريون الغربة وركبوا البحر والطائرات ليبتعدوا إلى عالم آخر، ويتمنى آخرون اللحاق بهم بعدما تحول بلدهم إلى مافيا للجنرالات، فبحسب الكاتب الجزائري أنور مالك هناك "جنرال السكر" و "جنرال الزيت" و "جنرال السيارات" و "جنرال الدواء" و "جنرال الصحافة"، وذكر أنه "لا نجد جنرالات همهم مستقبل المؤسسة العسكرية"، مشيرا إلى أن ثكناتها "تحولت إلى مدارس يتخرج منها التجار والمحتالون والمرتشون وبارونات المخدرات"!!
ولا ننسى هنا الدور الذي لعبه العسكر في إدخال البلاد إلى أتون الحرب الدامية طوال فترة التسعينيات، حينما انقلبو على صناديق الديمقراطية التي اتجهت لصالح "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وكانت على وشك تولي السلطة بعدما حققت فوزا كاسحا خلال الجولة للانتخابات العامة عام 1991. رفض "الجنرالات" النتائج حرصا على مصالحهم وأحكموا سيطرتهم على بلد المليون شهيد، ليضيعوا عليه وعلى العالم العربي فرصة ذهبية لاختبار قدرة الإسلاميين على الحكم ومشاكله بعيدا عن الشعارات التي يرفعونها، وهل يؤمنون فعلا بمفهوم تداول السلطة وسيتركونها إذا خسروا في انتخابات مقبلة.
وبحسب مالك نفسه فقد "أشعل الجنرالات البلد بحرب أهلية من أجل حماية مصالحهم وكراسيهم، واليوم أشعلوها بحرب مجاعة وفقر تأتي على صحة الناس وحياتهم، فقد صار الجزائريون مهددين بالمجاعة في زمن أسعار خيالية للنفط،، لكن الجنرالات وبارونات المال ومافيا الاقتصاد الذين يتحالفون معهم حولوا تلك الطفرة المالية إلى أرصدتهم سواء عن طريق النهب أو الاحتيال المنظم أو التهريب، حتى أن أحدهم روى لي في التسعينيات أن الجنرالات عندما يقدم البنك الدولي على ضخ أموال جديدة إلى خزينة الدولة (كديون طبعا)، تجدهم في مكاتبهم الفاخرة ينكتون ويجعلون من ذلك اليوم شبيها بـ18 من كل شهر الذي هو تاريخ دفع رواتب العسكريين".
وأظن أنه مما يزيد حالة الاحتقان بين الجزائريين أن "النظام" لا يتمتع بأي حنكة وحكمة، فلو كانت هناك حرية تعبير في الإعلام خاصة المرئي، وبرامج تلفزيونية تنتقد الأوضاع الخاطئة في البلاد، مثل تلك الموجودة بالقنوات الفضائية الخاصة المصرية، لاستطاعت امتصاص شحنات غضب الجزائريين. فكل المظاهرات التي تشهدها مصر تطالب في الأساس بالإصلاح السياسي، ولم تصل أبدا لدرجة "ثورة جياع" مثلما يحدث في الجزائر هذه الأيام.
لكن الخوف كل الخوف أن يتكرر سيناريو أحداث التسعينيات الدامية، فقد بدأت وقتها في تونس المجاورة شرارة غضب الإسلاميين تجاه قمع السلطة، وسرعان ما هدأت الأحداث في تونس لتنتقل الشرارة إلى الجزائر، فتؤتي أكلها طوال عقد كامل وتفتح بحر الدماء على مصراعيه. ومؤخرا اندلعت وكالعادة في تونس المظاهرات الاجتماعية التي واجهتها الشرطة بالرصاص لتقتل عشرات الأبرياء، لتحمل الرياح نار الاحتجاجات كذلك إلى الجزائر.
قلبي على تونس الخضراء وبلد المليون شهيد!
التعليقات
اهل مكة ادرى بشعابها
علي -(وقيل إن من بينهم كثيرين من معتادي الإجرام وخريجي السجون)ادا لم تكن متاكد من معلومه ايها الصحفي فلمادا تكتبها قدر مااردت ان تكون موضوعي في سرد حكاية ام درمان الا ان مشاعرك الدفينة لم تترك للموضوعية مجالا.( فلو كانت هناك حرية تعبير في الإعلام خاصة المرئي، وبرامج تلفزيونية تنتقد الأوضاع الخاطئة في البلاد، مثل تلك الموجودة بالقنوات الفضائية الخاصة المصرية، لاستطاعت امتصاص شحنات غضب الجزائريين. فكل المظاهرات التي تشهدها مصر تطالب في الأساس بالإصلاح السياسي)ياترى لمادا تحط الجزائر محل مقارنة بمصر وكانه صح هناك حرية اعلام في القنوات المصرية هل تكذب كذبة وتحاول تصديقها القنوات المصرية ملك كبار رجال الاعمال اصحاب المصالح الذين يداعبون الحكومة يمينا وشمالا لترضى عليهم ياترى هل مصر صح لم تصل اى ثورة الجياع كاللتي وصلت اليها الجزائر؟هذا السؤال انت ادرى باجابتهقلبك علن نفسك
لا دبلوماسية الجنائز
فبصل امين -تنفس ...عبر عن كبتك وغلك...للامانة انا من احد المتضاهرين و ضد النظام....الكاتب مصري....حبذا لو التهى بمشاكل شعبه ...الجزائر زلزلزتكم رياضيا سياسيا اقتصاديا ....الاعتداء على المنتخب في المقهورة و السفير و الوزير بعثة رسمية يسمى عدوان ...والعلاقات بين الدول العدوان يقابل بعدوان ...حتى ولو انكم لم تثبتوه حتى اليوم ولو بصورة ...بينما لدينا شرائط لايام من القذف والسب والشتم في القنوات الرسمية و ما ادراك الرسمية وشبه الرسمية..مشكلة نضامكم انه كسب عداء الشعب الجزائري وليس جماهير كرة القدم ...سلملي على حنكة وحكمة ال مبارك الذي عقد مجلسا للحرب...العاصفة مرت والتاريخ سجل من خرج مزيدا من الذل .. .رغم كل ذلك الشعبان لهم علاقات ضاربة في التاريخ ومممتدة الى يوم الدين....سلام
اهل مكة ادرى بشعابها
علي -(وقيل إن من بينهم كثيرين من معتادي الإجرام وخريجي السجون)ادا لم تكن متاكد من معلومه ايها الصحفي فلمادا تكتبها قدر مااردت ان تكون موضوعي في سرد حكاية ام درمان الا ان مشاعرك الدفينة لم تترك للموضوعية مجالا.( فلو كانت هناك حرية تعبير في الإعلام خاصة المرئي، وبرامج تلفزيونية تنتقد الأوضاع الخاطئة في البلاد، مثل تلك الموجودة بالقنوات الفضائية الخاصة المصرية، لاستطاعت امتصاص شحنات غضب الجزائريين. فكل المظاهرات التي تشهدها مصر تطالب في الأساس بالإصلاح السياسي)ياترى لمادا تحط الجزائر محل مقارنة بمصر وكانه صح هناك حرية اعلام في القنوات المصرية هل تكذب كذبة وتحاول تصديقها القنوات المصرية ملك كبار رجال الاعمال اصحاب المصالح الذين يداعبون الحكومة يمينا وشمالا لترضى عليهم ياترى هل مصر صح لم تصل اى ثورة الجياع كاللتي وصلت اليها الجزائر؟هذا السؤال انت ادرى باجابتهقلبك علن نفسك
كاتب المقال
شريف عبدالغنى -الإخوة الجزائريون..أقسم أننى أحبك وأحترمكم جميعا،وكلنا فى الهم سواء.هدفى من المقال أن تكونوا فى الوضع الجيد الذى تستحقونه ويتناسب مع مكانة وثروة بلادكم.وطبعا لعلكم لاحظتم فى النص أننى ذكرت"الشعب الجزائرى العظيم".وللعلم فقد سبق وإنتقدت كثيرا الجهلاء فى مصر الذين أشعلوها ثورة أثناء تصفيات كأس العالم ومباراتى القاهرة وأم درمان.وعيب والله أن نخسر بعضنا بسبب الكرة،ولو راجعتم ما نشرته الصحف عندكم أثناء تلك الأزمة لوجدتم أن معظم الكتابات والآراء لا يقل أصحابها جهلا عن نظرائهم فى مصر.شكرا وكامل تقديرى وإحترامى لكم.شريف عبدالغنى
توضيح
فيصل امين -ونحن نحب الشعب المصري و نتمنا له كل الخير و مصر كبلد عزيزة علينا ....الشعبان كما قلت سالفا شقيقان الى يوم الدين ...وحتى اكون معاك صادقا اخي شريف وبكل وضوح...ليس لدينا اي مشكل مع اي مصري حتى مع الاشخاص الذين سبونا وشتمونا زينة حكيم والقائمة طويلة-انظر اليوتوب-فحسابهم عند الله عز وجل ولكن هنا في الجزائر نختلف نتفق سنبقى مجمعين ضد اي تعامل رسمي مع النضام المصري الحالي الذي هو امر داخلي لا شان لنا به....تقبل تحياتي