جريدة الجرائد

أين يهرب الحاكم المخلوع؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

جلال عامر

إشارات المرور ثلاثة: "الأخضر" مرور و"الأحمر" خطر ممنوع و"الأصفر" انتظار.. والغريب أن تونس الخضراء انتقلت مباشرة من اللون الأخضر إلى اللون الأحمر -لون الدم- دون المرور على الانتظار، والأغرب أن "صفعة" باليد على خد مواطن تحولت إلى "شلّوت" في ظهر الرئيس، فيا أيها الإنسان ما أظلمك! ما أجهلك! لا تتعظ بمن هلك، لكن أين يذهب الحكام بعد أن يغادروا الكرسي؟غالباً إلى النار وأحياناً إلى المنفى..
وقد استضافت مصر رؤساء مطرودين مثل "النميري"، بينما يفضل حكام مصر أوروبا كمنفى.. وأستطيع أن أحدد لك قائمة بمائة ملك ورئيس والأماكن التي اختاروها لمنفاهم لكن توفيراً للوقت والنفقات أنصحك أن تحصل عليها من شركات الطيران وأنا لم أشاهد بعيني حاكماً في المنفى لكنني رأيت الكرسي الذي يجلس عليه هناك.. فعندما طردوا الملك "السنوسي" ملك ليبيا بسبب الحرب العالمية الثانية كان يجلس على مقهى بجوار منزلنا في "زنقة الستات" بالإسكندرية ومرت الأيام وأصبح كرسي الملك مزاراً تاريخياً يشرف عليه القهوجي ويشاهده الزبون نظير عشرة جنيهات.. وأتذكر أنني ذهبت مع زميلة صحافية إلى هناك لتصوير الكرسي وكان عبارة عن قطعتين "كرسي" وعليه "شلتة ليف" وبعد أن أخذ القهوجي عربون المحبة نظر إلينا وسألنا: (كرسي أم شلتة؟).. فطلبت أنا "الكرسي" وطلبت الزميلة "الشلتة" ثم رفض القهوجي التصوير بحجة أنها أسرار دولة صديقة، وبعد سنوات ضاع الكرسي ولم يتبق إلا "الشلتة" مثلما ضاعت "الحاشية" ولم يتبق إلا "الحشية".. وكان القهوجي يسمح لنا أن نمسك الشلتة ونحضنها ونبكي على أحوال الملوك بخمسة جنيهات.. وقد قال الملك "فاروق" يوماً أنه لن يتبقى في العالم إلا خمسة ملوك واحد في لندن والأربعة هم ملوك الكوتشينة "أوراق اللعب" ثم سمعت أن القهوجي رمى "الشلتة" بعد أن يئس من وصول حاكم جديد ليجلس عليها.. فالحمد لله أن المواطن العادي لا يخضع لأدوات النفي لأنه إذا طردته زوجته يذهب بسهولة وينام عند أخته.. وإذا طرده زوجها يستطيع أن ينام في الجامع أو في الكنيسة طبقاً للمدوّن له بخانة الديانة في بطاقة الرقم القومي أو ينام في الشارع احتجاجاً إذا كانت له مطالب فئوية.. فسبحان الله الذي يحول "العرش الذهبي" أحياناً إلى "شلتة ليف"، وعندما طردوا "قسطنطين" ملك اليونان عمل وكيلاً لأعمال "الشاه" ثم طردوا الشاه الذي كان وكيلاً لأعمال أميركا، وراح الاثنان يبحثان عن مأوى أو منفى أو مقهى ولكن بعد فوات الأوان فقد كان القهوجي قد رمى "الشلتة"..
وقد سأل أحد الصالحين "هارون الرشيد": "كم تدفع إذا كنت في صحراء وعز عليك ماء الشرب؟"، فقال هارون: "أدفع نصف عمري" ثم سأله الرجل "وكم تدفع إذا عز عليك تصريف الشربة؟" فقال "هارون": "أدفع النصف الآخر" فقال الرجل: "عجبي على مُلك لا يساوى عند صاحبه بولة".. والدنيا عند الله لا تساوى جناح بعوضة.. فمن يهرب من شعبه، أين يهرب من الله؟ وكل حاكم مخلوع يظل معلقاً في الجو مثل "نيزك" تخشى كل دولة أن يسقط عليها.. فاتعظوا يا أولى الألباب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تصحيح
محمد الليبي -

لمجرد التصحيحالملك ادريس السنوسي لم يطرد من ليبيا ابدا.