جريدة الجرائد

ساركوزي عدو الديمقراطية اللدود!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


ياسر سعد

أن يعشق ساركوزي اليهود والإسرائيليين وأن يكون لهم الحليف الأوثق والمحب الأكبر، وأن يحمل مشاعر غير ودية تجاه المسلمين بل ويزدريهم، فهذا شأنه وأمر متعلق به، وإن كان من المستغرب والمستهجن أن يلقى الرجل الترحاب والحفاوة في عواصم عربية، وأن يتلقى أعلى الأوسمة والنياشين من قادة عرب ومسلمين. غير أنه من المعيب وغير اللائق أن يتخذ ساركوزي مواقف معادية للديمقراطية ومساندة للدكتاتورية في بلادنا وهو الذي يقدم نفسه كمدافع عن الديمقراطية وأحد حراسها.
في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي في صيف 2008، تحدث ساركوزي عن الطريقة التي أثرت بها اليهودية وغذت وأغنت الثقافة الفرنسية، واعتبر الكنيست من أكثر الجمعيات في العالم أصالة في الديمقراطية، وشدد في خطابه غير مرة على يهودية إسرائيل فتذكر "تأسيس دولة يهودية في بلد إسرائيل"، وقال إن وجود دولة يهودية في العالم تبلغ هذا المستوى من النجاح الباهر، لهو مصدر فخر واعتزاز لجميع اليهود، وحرص على التنويه بأن جدّه الذي رباه كان يهودياً. وقال ساركوزي أمام الكنيست إن بإمكانكم الاعتماد على أوروبا لمساعدتكم في اتفاق نهائي يشمل تعويض اللاجئين.
ساركوزي عارضَ في حملته الانتخابية للرئاسة بشدة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، مبرراً ذلك بأن انضمام تركيا سيزيد مشكلة الوجود الإسلامي في أوروبا. وفي 19-11-2007 كشفت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أن ساركوزي تكلم في اجتماعين منفصلين مع كل من رئيسي الحكومتين الأيرلندية والسويدية بألفاظ فيها عداء صارخ للمسلمين، معبرا عن استيائه من عددهم الزائد عن حده في أوروبا وعن صعوبات اندماجهم، كما تعرض في سياق أحاديثه إلى صدام الحضارات بعبارات عنيفة للغاية. وأشارت الصحيفة إلى أن ساركوزي استرسل مرة في خطاب غريب طيلة نحو عشرين دقيقة بلهجة قاسية جدا وبتعابير فظة بعيدة عن اللغة الدبلوماسية، مما صدم وأدهش مستمعيه. ولا حاجة للتذكير باضطهاد ساركوزي للطالبات المحجبات في فرنسا وحرمانهن من حقهن في التعليم، بالإضافة إلى نيله السبق في مسألة حظر النقاب أوروبيا.
في حملته الانتخابية قطع نيكولا ساركوزي الوعود الجازمة بتبني دبلوماسية جديدة لبلاده تراعي حقوق الإنسان في المقام الأساسي. وفي خطابه الأول بعد انتخابه رئيسا لفرنسا، تعهد بأن يجعل حماية حقوق الإنسان على قمة أولويات الدبلوماسية الفرنسية. وأمام البرلمان الأوروبي قال ساركوزي إن كل من خاضوا تجربة التخلي عن حقوق الإنسان من أجل الاستفادة من عقود، لم يحصلوا على العقود وخسروا في ساحة القيم. وفي خطابه أمام الكونغرس الأميركي في نوفمبر 2007 قال ساركوزي "اليوم كما كانت الحال بالأمس، في تلك البداية من القرن الحادي والعشرين، ينبغي أن نخوض معاً المعارك من أجل الدفاع عن قيم ومثل الحرية والديمقراطية وتدعيمهما".
ساركوزي وفي سياق دفاعه عن زيارة القذافي لفرنسا المثيرة للجدل عام 2007، صرح لصحيفة "لونوفيل أوبزرفاتور" بأن القذافي لا ينظر إليه كديكتاتور في العالم العربي، وأن "الرئيس الليبي هو أقدم حاكم عربي في المنطقة، وهذا أمر له حسابه في العالم العربي". وفي رده على منتقدي سياسته الذين لاموه على إتمام زيارته للجزائر ومصر، دعا ساركوزي إلى دعم بوتفليقة والحكومة الجزائرية. وقال: "نعم. يجب دعم حكومة بوتفليقة، لأنه لا أحد يريد حكم طالبان في الجزائر". وفي السياق عينه، طالب الرئيس الفرنسي، بدعم الرئيس مبارك الذي زاره مؤخرا، وقال "نعم، يجب دعم الرئيس مبارك في مصر، هل نريد في مصر حكومة للإخوان المسلمين؟".
وفي زيارته لتونس عام 2008 والتي عاد منها ساركوزي بصفقات فاقت ملياري يورو، وبإشادة واسعة بسجل تونس في مجالي مكافحة الإرهاب والحريات، ترك وراءه جدلا عاصفا في الأوساط الديمقراطية والحقوقية. ساركوزي رد على مَن طالبه بالتعرّض لملف الديمقراطية وحقوق الإنسان، بقوله: "لا أجد من مبرِّر يسمح لي بأن أمنح نفسي الحقّ بإعطاء الدّروس في بلد أزوره كصديق ويستقبلني كصديق"، مضيفاً أن في تونس "تشهد مساحة الحريات تقدّما ملحوظا، وأنه على ثقة برغبة بن علي في مواصلة توسيع مساحة الحريات". وبرر ساركوزي دعمه للنظام التونسي بقوله "إذا أقيم غداً نظام حُكم على غِرار طالبان في إحدى دول شمال إفريقيا، فمَن يصدِّق أن أوروبا أو فرنسا يُمكن أن تشعرا بالأمان". وقال إن الرئيس التونسي يحارب الإرهاب "الذي هو العدو الحق للديمقراطية". وفي خطاب أمام طلبة تونسيين، جدد ساركوزي دعمه للرئيس التونسي بقوله "استحق بن علي الثناء لأنه لم يفسح المجال للمتطرفين والظلاميين والمستبدين الذين يحاولون جر البلاد إلى الخلف". وحين اشتعلت انتفاضة الغضب في تونس التزمت فرنسا الصمت طويلا على أمل أن ينجح حليفها في قمع المحتجين وإسكاتهم، وبعد أيام طويلة خرجت عن صمتها لتعبر عن قلقها داعية للحوار والهدوء.
وبقيت فرنسا ساركوزي في موقف سلبي حتى هرب طاغوت تونس، فاضطرت لتغيير موقفها استناداً لموازين القوى والمصالح وليس لعوامل القيم والمبادئ، ولعلها تنجح في اختراق الواقع التونسي الجديد، خصوصا أن كثيرا من رموز النظام السابق ما زالوا في واجهة المشهد. فأعلن ساركوزي في بيان أنه "منذ أسابيع عدة والشعب التونسي يعبر عن رغبته في الديمقراطية. إن فرنسا التي تربطها بتونس علاقات صداقة كثيرة، تقدم له دعما كبيرا". ونبذت باريس بن علي ورفضت استقباله وطردت عائلته، وأعلنت عن اتخاذ الإجراءات الضرورية لتجميد التحويلات المالية "المشبوهة" لأرصدة تونسية فيها، والتي كانت قبل ساعات أرصدة شرعية تحظي بالحماية الرسمية.
عينات ونماذج من مواقف ساركوزي من الديمقراطية في بلادنا، مع التنويه برفضه الشديد لنتائج الانتخابات الفلسطينية النزيهة، تظهر عداء الرجل ومحاربته لحريات شعوبنا وحقها في تقرير مصيرها دون أن ينجح موقفه الأخير من تونس وعباراته الرنانة في إخفاء عوراته السياسية، لا بل أضافت إليها خصلة جديدة وفاقعة، ألا وهي انعدام الوفاء لحلفائه وأصدقائه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف