جريدة الجرائد

علامات استفهام تثيرها تونس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبيدلي العبيدلي

يتابع العالم، ومعه العواصم العربية ما يجري في تونس بشيء من التشتت، المشوب ببعض العواطف المتضاربة. يسود التشتت المتردد، وعدم القدرة على اتخاذ موقف حاسم وصريح من الأحداث الدائرة في تونس في صفوف تلك الدوائر الرسمية العالمية والعربية، التي تقف حائرة بين الاندفاع نحو التأييد المطلق، أو التريث والترقب بانتظار صفو المياه المتكدرة في تونس، وبروز طرف منتصر يتسلم السلطة، ويساعد تلك القوى المنتظرة على اتخاذ موقفها الذي يخدم مصالحها، ويلائم أوضاعها. أما تضارب العواطف، فهو العنصر المسيطر على مواقف المعارضة العربية التي لا تملك إلا أن تؤيد التمرد الشعبي التونسي، لكنها تخشى من انقضاض الانتهازيين المتأهبين لقطف ثمار ذلك التمرد، وإعادة الهدوء الذي يخدم مصالحهم ويمدهم بالأسلحة التي تمكنهم من الإمساك بمقاليد الأمور.

ولعلَّ في هذا التشتت والتضارب تكمن أول علامة استفهام تبعث بها تونس للعالم والعرب تساؤلهم ما الذي تريدونه أكثر من ذلك، لماذا هذا الإحجام الجبان والحقيقة ناصعة؟ فقد أسقط تمرد شعبي عفوي سلطة من أكثر السلطات فساداً في العالم، وأطاحت برؤوس، كانت حتى لحظات قبل سقوطها، تحظى بتأييد عواصم عالمية مثل باريس وواشنطن، وتنعم بدعم سياسي واقتصادي من عواصم عربية ليست طرابلس الغرب سوى المثال الصارخ من بين صفوفها.

ثاني علامات الاستفهام التونسية هي: ما هو الدور الذي بات في وسع ثورة الاتصالات والمعلومات أن توفره للقوى المنتفضة على حكامها، حتى في دول متخلفة اقتصادياً وتقنياً كما هو الحال عليه في تونس؟ تخاطب تونس المعارضات الأخرى متسائلة: إلى متى تصرون على التمسك بالأساليب القديمة، وعندما تغادرونها، فما زلتم غير قادرين على إتقان تسخير الحديثة منها، وعلى النحو الأفضل؟ لقد نجح التونسيون، دون شك، في فهم واستيعاب سبل الاستفادة القصوى من شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، مثل "الفيسبوك" و "تويتر"، وأخرى غيرهما لا تمتلك الشهرة العالمية ذاتها. هذا الاستخدام المتقدم ينسف أساليب المعارضة القديمة التي كانت، لكنها لم تعد اليوم، "تتفنن" في إدخال مطبوعاتها المحظورة إلى داخل بلدانها، وكانت تواجه عقبات جمة عندما تحاول الدعوة لتجمع، أو تنادي لخروج مسيرة.

ثالث علامات الاستفهام التونسية موجهة أساساً نحو المعارضة العربية، وعلى وجه الخصوص غير الإسلامية منها، وفيها شيء من التحدي حيث نجدها تقول، إلى متى تعلقون عجزكم على ما يطلق عليه نظرية "الدومينو"، التي يكفي سقوط أحد أحجارها كي تتبعه الأحجار الأخرى تهاوياً؟ فمنذ اندلاع الساحة التونسية، لم تكف المعارضة العربية عن ترديد هذه النظرية، مستعينة ببعض أوجه التشابه السياسية والاجتماعية التونسية وبلدان عربية أخرى، وفي المقدمة منها تلك المجاورة لتونس مثل ليبيا والجزائر ومصر، مختارة بشكل انتقائي عفوي مساحات التشابه التي نتحدث عنها. فمن مصر ينتقى الظلم الاجتماعي والفساد، ومن ليبيا يقع الاختيار على الدكتاتورية وحكم الفرد الذي تجاوز أربعة عقود، ومن الجزائر تجرى مقاربة التركيبة التي تسود قوى المعارضة، وأطراف الحكم، وخلفياتها التاريخية.

رابع علامات الاستفهام، وهي الأقوى، لماذا الانتظار والترقب، بعد أن شاهدتم بأم أعينكم أن تمرداً عفوياً جماهيرياً قادر على إسقاط سلطة عاتية مثل تلك التي كانت قائمة في تونس؟ والمعني بالإجابة على هذا السؤال هم أطراف المعارضة التي هبّت، وكانت على حق، في تأييد التمرد التونسي، معربة عن إعجابها بما حقق ذلك التمرد. بل إن بعض المعارضات العربية سارعت إلى تقليد شكلي للنموذج التونسي، فسارعت إلى "تبرير، ومن ثم تحليل" الانتحار، وإحراق النفس، طالما جرى ذلك لتحقيق أهداف "نبيلة"، وضد قوى حاكمة "فاسقة" وظالمة، كما هو حال النظام التونسي المخلوع.

خامس علامات الاستفهام، موجهة إلى الحكام ومحذرة لهم من الاستمرار في "غيهم"، قائلة، ألا تتعظوا مما جرى في تونس، وتقتنعوا أن جبروتكم مهما بلغت قوته، وفسادكم، مهما حاولتم التستر عليه، وظلمكم الاجتماعي مهما حاولتم تمويهه، لابد وأن يأتي يوم تتعرى فيه عوراتكم ويوصلكم إلى نهاية قد تكون أسوأ مما كانت عليه نهاية حكم زين العابدين بن علي؟ ففي التمرد التونسي الكثير من العبر لمن يريد أن يقرأ المشهد التونسي بشكل صحيح ومسئول. فليس هناك من صمام أمان يطيل من عمر النظم ويحيطها بالأمان سوى مشاركة شعوبها في تسيير دفة الأمور فيها. فأقوى محصنات الحكم هي مشاركة شعبه في صنع قراراته. الأمر شبيه هنا إلى حد بعيد بتلك الدجاجة التي تبيض ذهباً. الحاكم العاقل هو الذي يحافظ على الدجاجة فيحسن إطعامها، ويجيد فن معاملتها بما يرضيها، ويتقن فن حمايتها من أعدائها الطامعين في بيضها ولحمها، فتنشأ بفضل ذلك علاقة حميمة بين الدجاجة وصاحبها، تقوم على الحماية المتبادلة لمصالحمها المشتركة، فتنعم الدجاجة بما تحتاجه من رعاية، ويحصل صاحبها على ما يكفيه من "بيض". أكثر من ذلك ليس هناك ما يدوم بشكل سرمدي، فجذور تاريخ الحزب الحاكم في تونس تعود إلى العام 1920، عندما بادر المناضل الشيخ عبدالعزيز الثعالبي إلى تأسيس الحزب الحر الدستوري، ومنه انبثق، عبر تسميات مختلفة في مراحل متعددة من تاريخ تونس السياسي، إلى أن وصل إلى اسمه الحالي "التجمع الدستوري الديمقراطي". ومع ذلك، وعندما تخلى الحزب عن قيمه وأهدافه لم يرحمه الشعب، ولم يغفر له تاريخه.

سادس علامات الاستفهام يوجهها التمرد التونسي نحو المنظمات العالمية المتخصصة من أمثال صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والدول الكبرى من أمثال فرنسا وأميركا، وفيها شيء من التحدي القائل: إلى متى تصرون على تزوير الحقائق وإخفائها بعيدة عن أعين الشعوب، كي تبرروا تحالفاتكم غير المشروعة، ومساعداتكم المسمومة؟ فحتى أيام قليلة قبل الإطاحة بنظام "زين العابدين بن علي"، كانت تقارير تلك المنظمات تشيد بأداء الاقتصاد التونسي، وتتحدث بإعجاب عن منجزاته، تعززها شهادات حسن السير والسلوك، والرغبة في تقديم الدعم والعون من تلك العواصم.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف