جريدة الجرائد

لماذا لم ينتظر الشعب التونسي ثلاث سنوات أخرى؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

منصور الجمري

السياسة واحدة من المجالات التي تتطلب من ممارسيها امتلاك قدرات للاستعداد للأمور غير المتوقعة، لكن هذا الأمر يغيب بسهولة عن أولئك الذين يعتبرون السياسة مسألة حسابية، على نمطِ واحد زائد واحد. وفي العادة، فإن الذين يقعون في هذا الخطأ هم الذين يحجبون أنفسهم عن المحيط الذي يعيشون فيها، وتصبح علاقتهم بالناس وبالعالم الخارجي تمر من خلال طبقة نفعية يخلقونها بأنفسهم ويسلطونها على الناس... وهذه الطبقة النفعية تزيِّن لمن تستفيد منه ما يقوم به، وتسمعه ما يود سماعه، وتقلب الحقائق له بطريقة تنتهي بإلقاء اللوم على كل البشر في العالم ماعدا الجهة أو الشخص الذي استعان بهم لممارسة هذا الدور النفعي.

السياسي الذي يصل بطريقة شرعية إلى الحكم، ويخضع للانتخابات، وليست له علاقة بفساد، تكون لديه قدرة أكبر على الاستعداد ومواجهة الحوادث السياسية غير المتوقعة، وفي حال ازدادت الأمور سوءاً فإنه يترك الساحة لغيره، ويعود إلى أهله وحياته سالماً آمناً. أما السياسي الذي يمارس عمله "على رغم أنف" الدساتير والأنظمة والقوانين، ويصر على إخضاع المجتمع لسلطة الطبقة النفعية التي يخلقها من أجل تمرير ما يشاء، فإنه يعجز عن فهم مسار الحياة في بلاده أو في المحيط الذي يتحرك فيه. ولذلك، فإن الأحداث المفاجئة تأتي بنتائج مذهلة لمن يعتقد بأن التقارير التي تطبخها طبقته النفعية ستنفعه في توجيه الشأن العام بطريقة ما.

الأحداث الجارية في عالمنا العربي، وفي مناطق في مختلف أنحاء العالم، توضح لنا أن هناك أنواعاً من الساسة... نوع يدخل الساحة السياسية بسبب الإيمان بمبادئ، وهذا النَّوع من المفترض انه يسعى إلى خدمة الناس. وهناك نوع آخر وجد أن السياسة وسيلة لتعظيم الذات، وهذا النَّوع ينتشر أكثر في البلدان التي تفتقر إلى الديمقراطية، ويتحول هدف هذا النَّوع من السّاسة إلى المحافظة على موقعهم بأي ثمن، ويحيطون أنفسهم بطبقة من النفعيين (من الأقارب ومن البيروقراطيين والأجهزة الأمنية والعسكرية)، الذين يعمُون بصرهم ثم لا يعودون يرون ما يحدث في مجتمعاتهم ولا يستطيعون سماع ما يدور بين الناس.

ليست هناك مشكلة في المرور بمرحلة تقشُّف في أي بلد من ناحية المبدأ، فعدة بلدان متقدمة، من بينها بريطانيا، تمر حاليّاً بمرحلة تقشُّف وتطلب من شعبها أن يتحمل ذلك، وفي الوقت ذاته، فإن السياسيين يتقشَّفون أيضاً، ويمارسون ضبط النفس، ويقبلون النَّقد ويستعدون للرحيل من مواقعهم إذا فقدوا ثقة الناخبين. أما إذا رأى الناس أن الذين يدعونهم إلى التقشُّف وتحمل زيادة كلفة المعيشة إنما هم بعيدون عن التأثر بما يمر به الإنسان العادي، بل إن بعضهم يزداد في جني الثروات والإسراف في نمط الحياة (معتمدين في ذلك على المال العام) ، فإن الوضع يكون مختلفاً عندما تحدث أمور غير متوقعة.

لقد كنَّا ندرس في المدرسة قصة ماري انطوانيت (زوجة الملك الفرنسي لويز السادس عشر) في نهاية القرن الثامن عشر، التي ورد أنها استغربت لماذا لا يأكل أبناء الشعب الفرنسي البسكويت (الكعك) عندما قيل لها إن الخبز أصبح غالياً، وكانت غير مؤهلة وغير مستعدة لفهم ما يدور حولها. واليوم أيضاً نسمع حديثاً مماثلاً لماري انطوانيت، وذلك عندما استغرب الزعيم الليبي (بعد يومين من هروب زين العابدين بن علي)، قائلاً: "لماذا لم ينتظر الشعب التونسي ثلاث سنوات أخرى؟". الجواب يكمن في قصة ماري انطوانيت، وفي الأحداث التي عاصرتها


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف