جريدة الجرائد

«إسرائيل»... والمشهد اللبناني

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

وليد نويهض

انهيار حكومة الوحدة الوطنية وانجرار قوى 8 و14 آذار نحو معركة الأصوات والاستشارات النيابية واحتمال حصول مصادمات طائفية ومذهبية مترافقة مع تدخلات دولية وإقليمية كلها عوامل تصب في نهاية المطاف في مصلحة المشروع الإسرائيلي. هذا الكلام الإنشائي لا قيمة فعلية له في فضاءات تتنافس على إثارة المخاوف والفتن. الكل يدرك أن "إسرائيل" هي المستفيد من إشعال فتيل الحروب الداخلية ولكن مختلف الأطراف تبدو غير مكترثة للنتائج المدمرة التي يمكن أن تتوصل إليها القوى المتنازعة خارج السلطة وعليها.

من يراقب المشهد اللبناني يقرأ الكثير من التحليلات والاتهامات المتبادلة بالعمالة والخيانة والتواطؤ. قوى 8 آذار تتهم 14 آذار بالتفاهم مع الخارج ومحاولة الاستقواء به لكسر التوازن الداخلي. وقوى 14 آذار تتهم 8 آذار بتنفيذ أجندة إقليمية واستخدام سلاح المقاومة لكسر صيغة التعايش والتوافق وجرجرة لبنان إلى مواجهة داخلية يستفيد منها العدو الخارجي.

على رغم هذه التحليلات لا تتردد القوى المعنية في تمريرها وتنفيذها ما يطرح فعلاً السؤال عن مدى جدية الكلام اللفظي الذي يقال عن ضرورة الانتباه لمخاطر العدوان الإسرائيلي وتهديد تل أبيب المستمر بتجديد حرب التقويض من دون تمييز بين المناطق والطوائف والأطياف السياسية. وليس سراً القول إن حكومات تل أبيب هددت مراراً منذ العام 2006 أنها ستعاود الهجوم حين تأتي الفرصة وهي لن تميز بين الدولة والمقاومة لكون لبنان كله يقع في خانة الأعداء ولا يمكن التفرقة بين جانب وآخر.

العودة إلى التصريحات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية تكشف عن رؤية أخذت تتأسس في مختلف الأوساط والأحزاب والقوى الحاكمة منذ توقف عدوان صيف 2006. والرؤية الإسرائيلية لا تتوقف عن تكرار التهديد بتجديد ضرب البني التحتية والمؤسسات الرسمية والهيئات العامة ومواقع الجيش وعدم استثناء منطقة في حال اتخذت قرار العدوان. فالكل في نظر تل أبيب يقع في دائرة العدو وذلك استناداً إلى معطيات سياسية تأسست على قناعات وتجارب ميدانية حصلت مع لبنان خلال مواجهات امتدت منذ تسعينات القرن الماضي إلى حين تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وصدور البيان الوزاري.

تل أبيب تعتبر أن الحكومة اللبنانية التي تألفت بعد انتخابات 2009 نجحت في جمع 8 و14 آذار في وزارة مشتركة وأدخلت وزراء من حزب الله في دائرتها وبالتالي فهي أعطت غطاء شرعياً للمقاومة ما بات يستدعي تغيير الاستراتيجية العسكرية وتطويرها لتكون شاملة وقادرة على زعزعة الدولة بوصفها تشكل مظلة حماية للسلاح. وترى تل أبيب أن البيان الوزاري الذي أقره مجلس النواب بالغالبية تضمن فقرات تشرّعن حزب الله وتضع سلاح المقاومة في سياق استراتيجية دفاع رسمية مشتركة مع الجيش والشعب ما يضفي صفة قانونية تعطي الحق لـ "إسرائيل" أن تضرب كل الجهات والمواقع في حال وقعت الحرب.

بناء على هذا التوصيف لجأت تل أبيب خلال الفترة الماضية إلى سياسة تحريض ضد ما أسمته التحالف بين الجيش والمقاومة وقامت بحملة اتصالات دولية تطالب عواصم القرارباتخاذ موقفٍ ضد الحكومة وبيانها الوزاري بذريعة أن السلطة اللبنانية ساهمت في تأمين الغطاء الشرعي لحزب الله ما اكسبه مشروعية قانونية تعطيه صلاحيات للتأثير على الدولة ومشروعها الدفاعي. وارفقت تل أبيب حملاتها السياسية بتحرشات ميدانية (معركة شجرة العديسة مثلاً) للتأكيد على وحدة السلاح اللبناني ومخاطره على أمن "إسرائيل". ولم تتردد حكومة الثنائي نتنياهو - ليبرمان في الطلب من دول قررت تزويد الجيش بالمعدات والأجهزة (فرنسا وروسيا مثلاً) وقف التعاون وإلغاء الصفقات والوعود بالتسلح بذريعة أن الأمر يشكل قوة مضافة إلى حزب الله.

"إسرائيل" واضحة في استراتيجيتها الشاملة. لبنان عدو من دون تمييز. والدولة عدو في كل الجهات والمناطق. والجيش مستهدف في مواقعه وثكناته. والحكومة معادية لأنها تضم وزراء من حزب الله. والبيان الوزاري أعطى شرعية رسمية لسلاح المقاومة. والحرب المقبلة إذا وقعت لن توفر مؤسسة أو هيئة أو دائرة أو محطة بذريعة أن لبنان كله يقع في جبهة الأعداء.

هذا الخطاب الإسرائيلي الرسمي ليس سراً، كذلك الاتصالات والضغوط والتهديدات ليست تسريبات صحافية وتحليلات وفرضيات. فالخطاب وصل مراراً وتم تداوله على مستويات مختلفة سواء حين اعترضت تل أبيب على تسليح الجيش أو حين شنت حملة إعلامية على الحكومة وبيانها الوزاري بذريعة أنه أعطى غطاء رسمياً للمقاومة ونشاطها.

الآن وبعد انهيار الحكومة وانجرار قوى 8 و14 آذار إلى معركة الاستشارات واحتمال التصادم ميدانياً لابد من إعادة قراءة الخطاب الإسرائيلي بهدف التعرف على تفصيلاته. فما لا يقال في الخطاب أخطر لأن الشيطان يقبع في التفاصيل ولأن المسألة من الجانب الإسرائيلي تختلف في رؤيتها للمشهد اللبناني من الجانب الداخلي في بلاد الأرز.

حكومة نتنياهو - ليبرمان لابد أن تكون سعيدة من فرط الحكومة وجرجرة لبنان إلى فراغ دستوري طويل الأمد. كذلك لابد أن تكون مرتاحة لما تسميه رفع الغطاء الشرعي عن سلاح المقاومة بعد أن تحول البيان الوزاري إلى ورقة تتلاعب بها مرحلة تصريف الأعمال. فالمسألة من الجانب الإسرائيلي تختلف في رؤيتها أو تعاملها مع المخاطر الأمنية عن الجانب اللبناني. وأساس الاختلاف يقوم على مبدأ الشرعية الرسمية الذي يعطي المقاومة قوة قانونية تسمح بالدفاع عنها وحمايتها في منظومة العلاقات مع المحيط الإقليمي والفضاء الدولي وعواصم القرار.

هذا الجانب الخطير في العلاقات الدولية لا تعطيه القوى المحلية اللبنانية أهميته القانونية وتتعامل معه بوصفه مجرد غطاء شكلي لا يقدم ولا يؤخر في موضوع المواجهة المفترضة أو المتوقعة مع تل أبيب.

الاستخفاف بهذه المسألة والتعامل معها باستعلاء والإطاحة بقوتها القانونية (الشكلية أوالفعلية) من دون انتباه لمخاطرها العابرة للحدود، يرجح أن تساهم بقصد أو غير قصد في إعطاء ذريعة لـ "إسرائيل" أن تستغل الفرصة وتنتهز المناسبة لإعادة تجربة عضلاتها العسكرية واختبارها ميدانياً في ساحة مكشوفة ومفتوحة على احتمالات متخالفة.

الفضاء اللبناني لا يمكن عزله عن المحيط والجوار لكون الملفات المحلية ممتدة إقليمياً وتتصل من بعيد أو قريب بكل المشكلات العالقة في "الشرق الأوسط". وهذا الكلام الإنشائي تعلمه وتدركه قوى 8 و14 آذار ولكنها لا تأخذه جدياً ولا تأبه بعواقبه ونتائجه المدمرة حين تنجرف نحو حملات إعلامية متبادلة ترفع سقف الاضطراب الأهلي إلى أعلى الدرجات.

"إسرائيل" لاشك تنتظر الفرصة، ولكنها أيضاً محكومة بشروط دولية وإقليمية حتى تتحرك. فهي لا تستطيع التصرف منفردة من دون أخذ الضوء الأخضر وتأمين الغطاء الشرعي وذريعة تعطيها إشارة للانقضاض والهجوم.وهذا الأمر يحتاج إلى تنسيق إقليمي وتوافق جواري حتى تكون الضربة مناسبة وتأتي في الوقت المناسب.والنموذج في غزة ليس بعيداً عن التصور والذاكرة حين تركت الأمور في القطاع تسير تحت رقابتها ولم تتدخل خلال فترة التصادم والتناحر بين فتح وحماس. التدخل حصل لاحقاً بعد حسم الأمر واستقرار الوضع فكانت الحرب والدمار والحصار


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف