جريدة الجرائد

لبنان: بداية «الإسرائيلات» العربية..

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إياد أبو شقرا


لبنان: بداية "الإسرائيلات" العربية.. أو مرحلة "الوصاية الثنائية"
لا تركنَنَّ إلى من لا وفاءَ له

الذئبُ من طبعهِ إن يقتدرْ يثبِ

(علي بن مقرّب)

كلام الأمير سعود الفيصل على قناة "العربية" الأسبوع الماضي، حول لبنان، كان واضحا لكل من قرأه بموضوعية، سواء من الناحية اللغوية أو الناحية السياسية. وما يمكن أن يفهم منه المراقب حسم مسألتين: الأولى أن الأفكار التي جرى تداولها طويلا بين الرياض ودمشق - منذ "المصالحة العربية" في الكويت، والتي لم تصل إلى "مبادرة" - اصطدمت برفض دمشق الالتزام بأي تسوية خارجة عن تصوراتها ومصالحها. والثانية أن ثمة جهة تتعمّد الترويج لمزاعم تصرّ على وجود اتفاق غير موجود وربما لا يُراد له أصلا أن يوجد.

ثم إن كلام الأمير جاء بعد تأكيد السفير علي عوّاض عسيري، السفير السعودي في بيروت، مرّتين، بينهما بضعة أسابيع، وعلانية، أن لا وجود لـ"مبادرة سعودية - سورية" بل مجرّد أفكار جار تداولها. ومع هذا، ظلت الأطراف اللبنانية الملتزمة بـ"محور طهران - دمشق" تتكلم عن "مبادرة" ترفضها واشنطن.. ومن ثم رفضتها فعلا.

الثابت اليوم، بعد كل تداعيات الأسبوع الماضي وصولا إلى الاستشارات النيابية المقرّرة لتشكيل حكومة جديدة إثر اطمئنان "محور طهران - دمشق" إلى موقف وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، وقبل خطاب آخر للسيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، أن لبنان بلغ حقا مرحلة جديدة. وهي مرحلة لا تشكل - على الإطلاق - قطعا مع الماضي، بل اقترابا من تتويج مسيرة "الانقلاب الزاحف" المسلّح، الذي يبدو - حتى يثبت العكس - أنه مستمر حتى يبلغ خاتمته غير الميمونة، ربما بمباركة الدول الكبرى.. أو بتواطؤ منها.

السيد نصر الله وأركان حزبه لا يجدون غضاضة بين الفينة والفينة في الاستشهاد بتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وسَوقها كأدلّة تخوينية دامغة ضد خصومهم السياسيين داخل لبنان. وبالتالي، يجوز لنا هنا التوقف عند موقف إسرائيلي رسمي خافت كُتم بسرعة خلال الأيام القليلة الماضية، بينما كان حزب الله منهمكا بانقلابه على الدولة اللبنانية. فقد قال داني آيالون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، إن "إسرائيل لن تقع في الفخ الذي ينصبه لها حزب الله بجرّها إلى التدخل في لبنان.. وهي تعتبر أن ما يحدث في لبنان شأن داخلي (لبناني طبعا)".

ومن ثم أكّدت واشنطن عبر وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، و"باريس نيكولا ساركوزي" عبر أكثر من ناطق وأكثر من تحرّك فارغ، على أهمية "تفاهم اللبنانيين"(!) لحل الأزمة الجديدة القديمة.. بما يوحي وكأن العاصمتين توافقان تل أبيب الرأي بأن ما جرى ويجري في لبنان "شأن داخلي".

ولكن إزاء كل هذا "الاحترام" الإسرائيلي والغربي للتفاهمات اللبنانية الداخلية، كان الرئيس السوري بشار الأسد يواصل سياسته المعتادة إزاء كيان لم يعترف عمليا بوجوده. فبعد تنسيقه مع "الحلفاء" عملية إسقاط الحكومة اللبنانية - تحديدا، الزيارة الليلية لموفدي قيادتي حزب الله وحركة أمل لدمشق - فإنه استقبل لاحقا قائد الجيش اللبناني في خطوة يصعب تفسيرها من الناحية البروتوكولية، ويستحيل قراءتها بشكل صحيح وسط المناخ السياسي الحالي. والغريب أن حظوظ الرئيس عمر كرامي باستعادة كرسي رئاسة الحكومة انتعشت مع بزوغ شمس العهد الانقلابي الجديد - بمحض الصدفة (!) - بعد فترة قصيرة من تفجير سيارة نجله المركونة داخل مرآب بعبوة، مما استدعى تسيير وفود جماهيرية تضامنية وتعاطفية معه!

أما الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد فقد تحدّث يوم الأربعاء الفائت 19 يناير (كانون الثاني) في خطاب له بمدينة يزد (وسط شرقي إيران) عن الوضع اللبناني وكأن لبنان جزء من السياسة الإيرانية الإقليمية. وجاء كلام أحمدي نجاد هذا بعد شهر تماما من كلام المرشد الأعلى السيد علي خامنئي عن أن "أي قرار يصدر عن المحكمة الدولية المكلفة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري، سيكون ملغى وباطلا".

الخلاصة التي يمكن التوصل إليها، مما سبق، أن لبنان يشهد اليوم ولادة أولى الدويلات الطائفية التي نسمع أنها بالضبط ما تريده إسرائيل.. وهي هذه المرة "شيعية"، وربما عبر الانقلاب الـ"حزب الله"ـي، مُهّدت فيه الطريق أمام شكل من أشكال "الحكم الثنائي" - على الطريقة السودانية قديما - Condominium أو "الوصاية الثنائية" الإسرائيلية - الإيرانية على منطقة الشرق الأدنى، تكملة للتجربة العراقية المستجدة، والتجربة السورية الأقدم عهدا.




التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف