جريدة الجرائد

هل يتكرر السيناريو الإيراني في تونس؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

من سيرث زين العابدين بن علي، هل تتكرر التجربة الإيرانية في تونس؟ في إيران، في شهر يناير من العتم 1979، خرج الشاه وتشكلت حكومة برئاسة شهبور بختيار، الذي اغتيل لاحقاً في باريس. نزل اليسار والليبيراليون إلى الشارع وأسقطوا حكومة بختيار. استخدم رجال الدين اليساريين والليبيراليين بطريقة ذكية في مرحلة أولى سبقت استيلاءهم على السلطة، كل السلطة لاحقاً. من يتمعن في ما يشهده الشارع التونسي حالياً، لا يستطيع إلا إبداء خشيته من أن يفشل الليبيراليون واليساريون في تونس في إقامة نظام ديموقراطي وأن يستخدمهم الإسلاميون في عملية الاستيلاء على السلطة. هناك خوف حقيقي من تكرار السيناريو الإيراني في تونس بسبب اليسار الطفولي والرومانسية التي تراود الليبيراليين.
لا شك أن سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي بالطريقة التي سقط بها كان مفاجأة ضخمة بالنسبة إلى كثيرين، خصوصاً أنه لم يكن هناك ما يشير، أقلّه ظاهراً، إلى أن الشعب التونسي على استعداد للذهاب بعيداً في مواجهة النظام. كانت تونس إلى ما قبل أيام من اضطرار بن علي الى الفرار ورشة عمل كبيرة. كانت هناك منشآت جديدة في كل مكان. الأمر الوحيد الذي كان مثيراً للانتباه هو زيادة مظاهر التدين في بعض الأحياء، بما في ذلك داخل العاصمة نفسها والشغب الذي كان يثيره الجمهور في أثناء مباريات كرة القدم. وقد تحدث بن علي بنفسه عن ذلك في الخطاب الذي ألقاه في السابع من نوفمبر الماضي لدى الاحتفال بذكرى ما كان يسمى "التحول" أي ذكرى وصوله إلى السلطة في العام 1987.
كان لا بدّ من الذهاب إلى أحد الأحياء الفقيرة القريبة من العاصمة للتنبه إلى تململ في بعض الأوساط. ولكن بشكل عام، لم يكن هناك أي مظهر من مظاهر التمرد داخل الحزب باستثناء كلام خافت يصدر عن شخصيات معينة تمتلك جرأة يتناول أفراد عائلة "السيدة الأولى"، أي السيدة ليلى طرابلسي زوجة الرئيس، خصوصاً اخوتها وأبناء الاخوة وأصهارها وآخرين. كان التركيز في الانتقادات على إغراقهم البلد في الفساد، وعلى جشعهم الذي لا حدود له. لم يكن هناك من يتجرأ على قول أي كلام علني لا عن العائلة ولا عن الجانب السلبي في نظام بن علي وهو يتمثل في استبعاده أي شخصية تمتلك حيثية سياسية عن المواقع الرسمية.
ما كان يغطي عورات النظام نجاحات تحققت في مجالات كثيرة، خصوصاً في الجانب الاقتصادي، وبناء بنية تحتية حديثة. الأهم من ذلك كله، أن تونس استطاعت أن تكون واحة استقرار في منطقة اشتدت فيها العواصف السياسية التي ضربت الجار الجزائري خصوصاً. في مرحلة معيّنة، كان التونسيون على استعداد لتحمل تجاوزات النظام حفاظاً على الاستقرار، خصوصاً في وقت كانت ليبيا محاصرة فيما كانت الجزائر في مواجهة دموية مع إرهاب التطرف الديني كلفت عشرات آلاف القتلى.
تبين مع الأيام أن الشعب التونسي ليس مستعداً للاكتفاء بمظاهر الديموقراطية من دون ديموقراطية حقيقية. بكلام أوضح، بدا الناس في حاجة إلى من يشرح لهم لماذا لا وجود لمتنفس سياسي في البلد، ولماذا التعاطي بكل تلك القسوة مع المطالب الاجتماعية، ولماذا لا يوجد من يتحدث إلى الشاب العاطل عن العمل بلغة حضارية توفر له بعض الأمل بمستقبل أفضل؟ ربما كانت الخطيئة الأكبر التي ارتكبها بن علي تجاهله أن التونسيين ليسوا بالغباء الذي يعتقده وانهم في حاجة إلى نظام أفضل وأكثر تطوراً، خصوصاً في المجالين السياسي والاجتماعي.
الآن، وقد دخلت تونس مرحلة جديدة، لابد من الاعتراف بأن الذين تكهنوا بسقوط نظام بن علي بهذه السهولة كانوا قلة. كان الاعتقاد السائد أنه ما دام الرجل موجوداً في الرئاسة، سيكون قادراً على إحكام سيطرته على الوضع عبر آلة قمع بوليسية وأجهزة تتلقى التعليمات من القصر الجمهوري في قرطاج وليس من أي مكان آخر. تونس خلقت مفاجأة ليست بعدها مفاجأة. تدخل الجيش في الوقت المناسب وطلب من بن علي الخروج من البلد. لعب الجيش الذي رفض إطلاق النار على المتظاهرين دوراً في تمكين السيد محمد الغنوشي من تشكيل حكومة جديدة، بقي الحزب الحاكم، سابقاً، ممثلا فيها بقوة. تكمن أهمية الحكومة الجديدة في أنها مجرد حكومة انتقالية ترافق تشكيلها مع الإعلان عن لجنة تتولى صياغة الاصلاحات السياسية المطلوبة في اتجاه قيام نظام ديموقراطي بالفعل وتعددية حزبية حقيقية مغايرة كليا لتلك التي حاول بن علي فرضها على التونسيين.
من يسعى حالياً إلى اسقاط الحكومة التونسية بحجة رفض التعاون مع "التجمع الدستوري" (الحزب الحاكم سابقاً)، إنما يسعى إلى اجهاض الثورة التونسية ومنع البلد من الانتقال إلى مرحلة جديدة في مستوى طموحات التونسيين. المؤسف أن هناك استخداماً لليسار التونسي، بما في ذلك الاتحاد التونسي للشغل، ولليبيراليين عموماً بغية اسقاط الحكومة. تشبه المرحلة الحالية التي تمر بها تونس ما مرت به إيران في مرحلة ما قبل سقوط الشاه وبعيد اضطراره إلى مغادرة البلد في مثل هذه الأيام قبل اثنين وثلاثين عاماً. وقتذاك، استخدم الإسلاميون اليسار، بما في ذلك الحزب الشيوعي (توده) من أجل اسقاط الحكومة الانتقالية التي رأسها بختيار. وفي مرحلة لاحقة، جرى التخلص من اليسار ومن "توده" بالذات ومن الليبيراليين بعد تأدية الدور المطلوب منهم.
ليس مطلوباً بالتأكيد بقاء الحياة السياسية في تونس أسيرة حزب واحد مهما كان هذا الحزب عريقاً، ومهما كان تاريخ البلد مرتبطاً به. ولكن ما يفترض ألاّ يغيب عن الذاكرة أن "التجمع الدستوري"، وهو الاسم الجديد لـ "الحزب الدستوري" الذي أسسه الحبيب بورقيبة، تصرف بحكمة في أثناء الأحداث الأخيرة ولم يتخذ الحزبيون موقف المدافع عن نظام بن علي. وقف الحزب، الذي يضم مليونين ونصف المليون عضو، مع تونس والتونسيين. وهذا يدل على أن الطبقة المتوسطة لعبت أيضاً الدور المطلوب منها في إحداث التغيير المطلوب.
مرة أخرى تونس إلى أين؟ الجواب أن تونس بين خيارين. إما يجري تطوير للتجربة التي مر بها البلد منذ استقلاله وذلك بحسناتها وسيئاتها. وهذا يعني نقلة نوعية إلى نظام ديموقراطي عصري. وإما يسقط البلد في أسر نظام الحزب الواحد المتلحف بالدين... خصوصاً أن هناك من ينتظر في الخارج ويعدّ نفسه للانقضاض على تونس... تماماً كما فعل آية الله الخميني في ايران في العام 1979.



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف