جريدة الجرائد

سوريا ولبنان ونبوءة كوندوليزا رايس

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حسن أبو طالب

اعتدت حين ألتقي صديقا من لبنان أن أسأله إلي أين ذهبت الأمور؟rlm;..rlm; كان اللقاء في القاهرة قبل يوم واحد من قمة شرم الشيخ التنمويةrlm;,rlm;

خصص لبحث دور المجتمع المدني العربي في التنمية من خلال شراكة منضبطة مع الحكومات ورجال الأعمالrlm;,rlm; وجمع بين باحثين مصريين وآخرين عرب ومنهم لبنانيونrlm;.rlm; فجاءت إجابة باحثة لبنانية واعدة في مجال البحث الاجتماعي قائلةrlm;:rlm; لبنان أحواله ليست علي خيرrlm;,rlm; نشعر نحن الجيل الأصغر بإحباط شديدrlm;..rlm; لقد عادت الأمور إلي ما كانت عليه قبلrlm;2005,rlm; نسبة كبيرة من القيادات اللبنانية تذهب إلي دمشق لتلقي الأوامر والترجيحاتrlm;.rlm; كنا نعتقد أن هذه الصيغة انتهت بعد خروج الجيش السوري من لبنانrlm;,rlm; ولكن كل الشواهد تقول إننا أخطأنا في هذا الاعتقادrlm;..rlm; سوريا مازالت تدير كثيرا من الأشياء إما صراحة وإما مواربةrlm;,rlm; لقد ضاع حلمنا أو ربما أفقنا من الحلم علي وقع الحقيقة المرةrlm;..rlm; ما يحدث الآن هو عكس الذي ناضلنا من أجلهrlm;.rlm;
إجابة عفوية وصادمة في الآن نفسهrlm;,rlm; ولعل البعض يراها تلخص الوضع اللبناني من وجهة نظر لنقل إنها قريبة من فريقrlm;14rlm; آذارrlm;/rlm;مارس بقيادة سعد الحريري وحلفائهrlm;,rlm; مقابل وجهة نظر أخري تري أن سوريا حمت لبنان في السابق وضحت من أجله بخيرة أبنائها وبكثير من مواردها المحدودةrlm;,rlm; حتي يستمر لبنان وطنا للتعايش بين مختلفينrlm;,rlm; وأن ما تفعله الآن هو نوع من الحماية المحمودة وثيقة الصلة بقناعة تاريخية لا يمكن لقيادات سوريا أن تتخلي عنهاrlm;,rlm; إذ لبنان هو خاصرة سوريا ولا مجال للتخلي عنه أو التعامل معه من موقع ند مثل التعامل مع أي بلد مستقل يكون الاقتراب منه وفقا للمصالح وليس للقناعات الأيديولوجية الذاتيةrlm;.rlm;
الإجابة السابقة ـ وأيا كان الرأي ـ تثير إشكالية الدور السوري في لبنانrlm;,rlm; كما تثير أيضا إشكالية القيادات السياسية اللبنانية التي ترتبط بسوريا بشكل أو بآخرrlm;,rlm; وتضع مصيرها الذاتي ومصير بلدها أيضا بيد السياسة السوريةrlm;,rlm; بغض النظر عن أي شيء آخرrlm;.rlm; والمثال البارز هنا يتضح في حالة التغير الحاد لموقف وليد جنبلاط أخيرا من دعم فريقrlm;14 آذار إلي مساندة كاملة لحزب الله وحلفائهrlm;,rlm; وربط هذا الموقف بأنه رد علي تعطيل وإفشال التفاهم السوري ـ السعوديrlm;,rlm; الذي يثار بشأنه لغط كثير من حيث مضمونه وبنودهrlm;,rlm; ومن التزم به ومن لم يلتزمrlm;.rlm; وهو التغير الذي أدي إلي إعادة صياغة المعادلات النيابية الخاصة بترشيح رئيس حكومة جديدrlm;,rlm; وأحبط مسعي قويrlm;14 آذار في أن تعيد ترشيح الحريري مرة أخري رئيسا للحكومة المقبلةrlm;.rlm;
ويمكن تفسير هذا التغير ببساطة شديدة في تخوف وليد جنبلاط من ردة فعل حزب الله عليه شخصيا وعلي طائفتهrlm;,rlm; إن هو أقدم علي تأييد سعد الحريري كمرشح لرئاسة حكومة جديدةrlm;,rlm; في وقت يعتبر حزب الله أن من يؤيد هذا الترشيح بمثابة خائن للمقاومة ودمه مباح علي أي وجه كانrlm;.rlm;
إذا جزء من إشكالية سوريا في لبنان مرتبط أساسا بنوعية معينة من القيادات اللبنانية نفسهاrlm;,rlm; التي تتقلب يسارا حينا ويمينا حينا آخر ومرتبط بحسابات سوريا الإقليمية وثيقة الصلة بالمتغير الجغرافي والتي تعمل وفق مبدأ حماية سوريا من التورط في مواجهة مباشرة مع العدو التاريخي للأمة العربيةrlm;,rlm; وإدارة هذه المواجهة في ساحة أخري هي لبنانrlm;,rlm; مع ربط هذه الإدارة بشعارات المقاومة ورفض الانصياع للمطالب الأمريكية والصهيونيةrlm;.rlm; بيد أن نظرة فاحصة قد تكشف عن مردود عكسي تماماrlm;.rlm;
فكلنا يعلم أن إدارة الرئيس الأمريكي بوش السابقة كانت قد رفعت شعار الفوضي الخلاقة كسبيل لتغيير معالم وتوازنات القوي في مجمل الشرق الأوسطrlm;,rlm; واعتبرت علي لسان وزيرة الخارجية آنذاك كوندوليزا رايسrlm;,rlm; أن العدوان الإسرائيلي علي لبنان صيفrlm;2006rlm; هو أحد مداخل تغيير الشرق الأوسط ككلrlm;,rlm; وأحد تجليات الفوضي الخلاقة التي من شأنها أن تقلب الأوضاع لبعض الوقتrlm;,rlm; وربما أيضا تزيد من حدة توترهاrlm;,rlm; ولكنها حتما ستقود إلي تغييرات كبري تراهن الولايات المتحدة علي أن تكون تغييرات لمصلحة إسرائيل ولمصلحة الاستراتيجية الأمريكية علي المدي الطويلrlm;.rlm;
وكلنا يعلم أيضا أن العدوان الإسرائيلي علي لبنان صيفrlm;2006,rlm; وإن لم يحقق أهدافه كلهاrlm;,rlm; خاصة القضاء علي قوة حزب اللهrlm;,rlm; لكنه استطاع أن يحجم هذه القوةrlm;,rlm; وأن يبعدها تماما عن الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية بمسافات تتراوح بينrlm;15 كم وrlm;40rlm; كمrlm;,rlm; وأن يدفع بالحزب لتفريغ فائض قوته العسكرية في الشأن اللبناني الداخلي وليس في المواجهة مع إسرائيل نفسهاrlm;.rlm;
وهو ما رأيناه بالفعل في مايوrlm;2008,rlm; حين نزلت قوات الحزب إلي قلب بيروت والجبل والشوفrlm;,rlm; وسيطرت علي مواقع مهمة وأرسلت رسالة قوية لكل ساسة لبنان والعالم العربي بأسرهrlm;,rlm; بأن القوة العسكرية للحزب باتت لاعبا سياسيا في الشأن الداخلي لابد من وضعها في الاعتبارrlm;.rlm;
والأمر علي هذا النحو يعني ببساطة الضرب بعرض الحائط بأسس العملية السياسية والدستورية اللبنانيةrlm;,rlm; ومن ثم ممارسة فوضي خلاقة كالتي نادت بها رايسrlm;,rlm; وإن علي نطاق ضيق ومحدود بلبنان كمرحلة أوليrlm;,rlm; ثم تأتي بعد ذلك مراحل أخري في هذه البقعة أو تلكrlm;.rlm; وهو ما نري تطبيقاتهrlm;,rlm; وإن بمعايير مختلفة في تونس والجزائر والعراق واليمن والسودان وغيرهاrlm;.rlm;
والصحيحrlm;,rlm; القول إن اتفاق الدوحة حاول أن يلتف علي هذه المضامين من خلال رفع شعارات التوافق وإعادة الروح لاتفاق الطائفrlm;,rlm; وإن بصيغة معدلة وإحياء العملية السياسية والالتزام بشكليات الدستورrlm;,rlm; وهو ما استمر لنحو عام ونصف العام تقريباrlm;,rlm; علي صعيد الشكل وليس علي صعيد المضمونrlm;,rlm; ولأن اتفاق الدوحة وببساطة شديدة لم يحل معضلة سلاح الحزبrlm;,rlm; ولم يحم الدستور اللبناني ولا مبادئ الديمقراطية التوافقيةrlm;,rlm; فيكون طبيعيا أن تعود الأمور إلي نقطة الصفرrlm;,rlm; ومؤكدة أن أي عملية سياسية لن تكون طبيعية مادام هناك سلاح بيد طرف في مواجهة أطراف ذوي أياد خاويةrlm;.rlm; فالأمر بات معلقا أساسا بتوازن قوي وليس مبادئ دستورrlm;.rlm;
والوجه الأخطر هنا أن القوة العسكرية مرتبطة بطائفة معينة أو بالجزء الأكبر منهاrlm;,rlm; في حين تحرم الطوائف الأخري من السلاحrlm;,rlm; والسؤال هناrlm;:rlm; إلي أي مدي يمكن أن يستمر هذا الخلل المادي الكبير؟
هذه الحالة التي يعيشها لبنان هي نموذج حي لفوضي ليست خلاقةrlm;,rlm; وإنما مدمرة للبنان ولجوار لبنان أيضاrlm;.rlm; فلبنان الذي استمر منذ تبلوره في عامrlm;1943 كدولة ذات صيغة فريدة في التوازن الطائفي والسياسيrlm;,rlm; أصبح الآن مهددا بأن يكون صيغة بلا توازن سياسي أو طائفيrlm;.rlm; وبالقطع كل من يرسخ هذه الصيغة ويوظفها من أجل السيطرة علي لبنان الدولة بكل ما فيها وما عليهاrlm;,rlm; يسهم في تحقيق نبوءة كوندوليزا رايس حتي وإن ادعي أنه يحاربها ويقف لها بالمرصادrlm;.rlm;
لقد اعتادت سوريا أن تتعامل مع لبنان باعتباره مجرد حديقة خلفيةrlm;,rlm; كما اعتادت أن توجه سياساته بما يتناسب مع مصالحها ورؤيتها الذاتيةrlm;.rlm; ولكم راهن كثيرون علي أن سوريا قد تعلمت الدرس بعد اغتيال رفيق الحريري في فبرايرrlm;2005,rlm; وبعد أن اضطرت إلي سحب جيشها من الأراضي اللبنانيةrlm;.rlm; لكنه رهان لم يصمد طويلاrlm;.rlm;
إن التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل بشأن رفع اليد عن الوساطة مع سوريا من أجل لبنانrlm;,rlm; مصحوبا بالحديث عن خطورة الوضع ونوايا تقسيم وحروب ومواجهات داخليةrlm;,rlm; لهو نموذج آخر لرهان لم يصمد عن تغيير في الأسلوب السوري وتحول عقلاني في أداء حلفائهاrlm;.rlm;
إذ اعتادت دمشق أن تقول كلاما فضفاضا يسمح بتأويلات مختلفةrlm;,rlm; ويسمح بالشيء ونقيضهrlm;,rlm; وبما يؤدي إلي تسرب الحلول السورية مدعومة بتأييد عربي أو سعوديrlm;.rlm; وما يخرج عن المصادر القريبة من السياسة السعودية يدرك أن التفاهم المشترك من أجل لبنان كان حزمة من الالتزامات المتبادلة بين الأطراف اللبنانية ولم يكن أبداrlm;,rlm; كما تروج المصادر السورية ومصادر حلفائها في لبنانrlm;,rlm; تفاهما لفرض معادلة جديدة تحقق لسوريا وحلفائها كل ما يريدون دون ثمن وتغمط حقوق الطوائف الأخريrlm;,rlm; ولم يكن أبدا مباركة سعودية لهيمنة سورية علي الشأن اللبنانيrlm;.rlm; والظاهر أن الرسالة السعودية لم تجد بعد آذانا واعية لا في دمشق ولا في الضاحية ببيروتrlm;.rlm; وأبواب الفوضي تبدو مشرعة لا تجد من يغلقهاrlm;.rlm;

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الحرب قادمة
زهير -

نظرية الفوضى الخلاقةللسيد ستراوس كانت العماد الفكري لمشروع الشرق الاوسط الكبير. هذا المشروع كان هدفه جلب الديمقراطية لمنطقة الشرق الاوسط وطرح بعد هجومات سيبتمبر 2001 .بسبب عقم المشاريع الاصلاحية في حيد الديكتاتوريات عن قمعها وتعسفها و دعمها للارهاب طرح خيار استخدام القوة للاطاحة بهاكخيار لابديل له, كما حصل في العراق. فشل هذا المشروع بعد غزو العراق لا يعني انتهاء صلاحيته. المشروع ادرج في حييز التنفيذ في فترة حرجة من تاريخ النظام العالمي , اي فترة القطب الواحد. حينها لم يحصل مشروع غزو العراق على اغلبية من دعم القوى المتنفذة لانها لم تكن معنية بخطر الارهاب كما كانت الولايات المتحدة حينها.اما اليوم فقد تغيرت المعطيات. النظام العالمي اليوم هو متعدد الاقطاب والتعاون المشترك لردع المخاطر من اهم صفاته. لقد جمع خطر الارهاب كل من الولايات المتحدة , روسيا, الاتحاد الاوربي وحتى الصين في خندق واحد. لطالما المشاريع الاصلاحية لحل ازمات الشرق الاوسط, مثل مشروع الشراكة الشرق بحر متوسطية, قد فشلت و ثورة الياسمين صعبة في الوطن السوري المتشرذم وايران واعوانها متعنتون فلم يبق خيار اخر سوى العودة لستراوس. تغيير الخارطة السياسية في الشرق الاوسط وارساء اسس الديمقراطية فيه قد باتت من اولويات عالم بامس الحاجة لاستقرار ثابت .الاستقرار لن يكون لطالما نظم مثل الديكتاتورية السورية وادواتها كنصر الله يتحكمون بمصير الشعوب واراداتهم. لذلك فالحرب الخلاقة قادمة لا محال

الحرب قادمة
زهير -

نظرية الفوضى الخلاقةللسيد ستراوس كانت العماد الفكري لمشروع الشرق الاوسط الكبير. هذا المشروع كان هدفه جلب الديمقراطية لمنطقة الشرق الاوسط وطرح بعد هجومات سيبتمبر 2001 .بسبب عقم المشاريع الاصلاحية في حيد الديكتاتوريات عن قمعها وتعسفها و دعمها للارهاب طرح خيار استخدام القوة للاطاحة بهاكخيار لابديل له, كما حصل في العراق. فشل هذا المشروع بعد غزو العراق لا يعني انتهاء صلاحيته. المشروع ادرج في حييز التنفيذ في فترة حرجة من تاريخ النظام العالمي , اي فترة القطب الواحد. حينها لم يحصل مشروع غزو العراق على اغلبية من دعم القوى المتنفذة لانها لم تكن معنية بخطر الارهاب كما كانت الولايات المتحدة حينها.اما اليوم فقد تغيرت المعطيات. النظام العالمي اليوم هو متعدد الاقطاب والتعاون المشترك لردع المخاطر من اهم صفاته. لقد جمع خطر الارهاب كل من الولايات المتحدة , روسيا, الاتحاد الاوربي وحتى الصين في خندق واحد. لطالما المشاريع الاصلاحية لحل ازمات الشرق الاوسط, مثل مشروع الشراكة الشرق بحر متوسطية, قد فشلت و ثورة الياسمين صعبة في الوطن السوري المتشرذم وايران واعوانها متعنتون فلم يبق خيار اخر سوى العودة لستراوس. تغيير الخارطة السياسية في الشرق الاوسط وارساء اسس الديمقراطية فيه قد باتت من اولويات عالم بامس الحاجة لاستقرار ثابت .الاستقرار لن يكون لطالما نظم مثل الديكتاتورية السورية وادواتها كنصر الله يتحكمون بمصير الشعوب واراداتهم. لذلك فالحرب الخلاقة قادمة لا محال