لبنان... وإعادة تشكيل الوزارة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وليد نويهض
تراجع قوى 8 آذار من مشروع إعادة تشكيل السلطة الانقلابي إلى القبول بتسوية تقر بخطوة إعادة تشكيل الحكومة في إطار لعبة الدستور ساهم في الحد من مخاطر الانزلاق نحو فتنة طائفية - مذهبية كان لها لو حصلت أن تزعزع الاستقرار الإقليمي. فالتراجع نقل المعركة من الشارع إلى البرلمان وأعاد ترتيب اللعبة الدستورية بناء على معطيات وحيثيات ظهرت في موقف التكتلات النيابية.
إعادة خلط أوراق القوى السياسية أدى إلى تغيير نسبي في التوازن البرلماني. فبعد أن كانت قوى 14 آذار تمتلك 71 مقعداً أصبحت الآن تسيطر على 60 مقعداً بينما نجحت قوى 8 آذار في تحسين مقاعدها رافعة العدد إلى 68 بعد أن انحاز سبعة من "اللقاء الديمقراطي" وثلاثة من "التوافق الطرابلسي" ونقولا فتوش (النائب عن زحلة الذي التقته السفيرة الأميركية في لبنان) إلى الجبهة المضادة لرئيس الوزراء السابق سعد الحريري.
تعديل التوازن البرلماني وضع مسألة تغيير الحكومة في إطارها الدستوري ومنع الانجرار إلى الشارع لفرض إعادة تشكيل الوزارة من طريق القوة المسلحة. ولاشك أن هذا التعديل السلمي في مظهره السياسي يعكس في النهاية مجموعة متغيرات تتجاوز حدود بلاد الأرز. فاختيار نجيب ميقاتي (من قوى 14 آذار) وقبوله بالتحدي وعدم اكتراثه للمخاطر المتأتية من ردود فعل الشارع يؤشر إلى وجود حماية دولية وموافقة إقليمية أعطت الضوء الأخضر للسير بهذا الاتجاه. ميقاتي معروف باتصالاته وهو لا يمكن أن يغامر بالتزاماته وجمهوره لو لم يحصل على ضمانات بتغطية خطوته والعمل على إنجاحها في الأمد القريب وبأسرع وقت حتى لا تخرج الأمور عن مسارها التقليدي.
مجرد قبول ميقاتي بالمهمة الصعبة يعني أنه استجاب لتقاطعات دولية وإقليمية توافقت على تجميد الأزمة وتأجيل انفجارها إلى فترة لاحقة. وموافقة ميقاتي على المغامرة تؤشر أيضاً إلى وجود رغبة دولية - إقليمية بعدم تصعيد الخلافات وتفجير الاحتقان الطائفي - المذهبي في بلاد الأرز خوفاً من تكرار مشاهد الدمار الذاتي التي أصبحت من الصور المألوفة في باكستان وأفغانستان والعراق.
اختيار ميقاتي ليس حلاً للازمة اللبنانية وإنما خطوة جرت في قنوات دستورية تفترض ضمناً احتمال تأجيل الحل إلى وقت آخر يكون مناسباً أكثر للتوافقات والتقاطعات الدولية والإقليمية. فالولايات المتحدة مثلاً منشغلة بالكثير من الملفات وهي الآن تنتظر نتائج انتفاضة تونس وانعكاسات انفصال جنوب السودان وترتيبات وضع العراق والتحسن المرتقب بالعلاقات مع سورية بعد أن قدم السفير الأميركي روبرت فورد أوراق اعتماده في دمشق. والقوى الإقليمية أيضاً منشغلة بالتداعيات التي قد تنجم عن التغيير الحاصل في تونس وما قد تلفظه المنطقة من تموجات شعبية سواء على مستوى الغلاء وارتفاع الأسعار وتغول الاستبداد السياسي أو على مستوى النتائج المترتبة عن إعلان انفصال جنوب السودان رسمياً في يوليو/ تموز المقبل.
المنطقة عموماً في حال طوارئ وهي مشدودة الأعصاب وتتابع بدقة مجريات الحوادث غير المتوقعة في الموضوع الفلسطيني وانسداد آفاق التسوية، مضافاً إليه غموض صورة المشهد في اليمن وتداخل عناصره بين الشمال والجنوب واحتمال انعكاس الاضطراب الأمني على المحيط ودول الجوار.
كل هذه الفضاءات الدولية الإقليمية ساهمت في تشكيل قناعات تتجاوب مع مطلب التغيير الوزاري في لبنان من دون حاجة إلى تجاوز اللعبة الدستورية والذهاب بعيداً في مشروع إعادة تشكيل السلطة. وبهذا السياق يمكن وضع تكليف نجيب ميقاتي في إطار التوافق والتقاطع بين دمشق والرياض وبين دمشق وواشنطن. فالرغبة في هذا المعنى مشتركة وهي في نهاية المطاف تأتي استجابة لمطلب أميركي يريد تأجيل الأزمة حتى لا يشكل انفجارها مشكلة يصعب توقع نتائجها في بؤر ساخنة وقابلة للاشتعال بسهولة.
اختيار ميقاتي لابد من وضعه ضمن اتفاق إطاري توافقت عليه عواصم المنطقة كما حصل في السيناريو العراقي. فالسيناريو اللبناني ليس بالضرورة نسخة طبق الأصل عمَّا جرى في بلاد الرافدين ولكنه في حدوده الدنيا يحاكي السيناريو البغدادي من حيث الشكل على الأقل (أقلية تحكم أكثرية بتحالفات برلمانية). وهذا النوع من الحلول ليس كافياً لتجاوز الأزمة ولكنه يعطي فرصة مضافة لتأجيل الانفجار حتى تأتي مناسبته.
الآن أصبح ميقاتي الرئيس المكلف وسط احتجاجات الشارع السني وغضبه الذي رأى في المشهد محاولة انقلاب تلفزيونية على الأعراف والتقاليد والديمقراطية التوافقية (الميثاقية). ولكن الشارع الغاضب لا يعرف عادة لعبة الكواليس وماذا يدور من اتصالات فنية ولقاءات تقنية خلف ستار المسرح السياسي. فالشارع الذي احتج وخرج إلى الطرقات والأحياء ليس على اطلاع أن ميقاتي كان على اتصال بالمراجع والعواصم الإقليمية والدولية قبل أن يعطي موافقته على الترشح والتكليف وبأن مهمته تختصر بالعمل على تأجيل الأزمة ومنع انفجارها.
السؤال الآن كيف سيدير ميقاتي قواعد اللعبة، وما هي الشروط التي يقبل بها، وما هي الحدود التي يستطيع التحرك في داخلها أو خارجها؟ لاشك في أن التأليف أصعب من التكليف في بلد تتكاثر فيه العصبيات والمنازعات الأهلية. هناك احتمالات كثيرة يمكن ترجيحها منها أن يشكل حكومة من لون واحد وهذا أمر مستبعد. أن يشكل حكومة شراكة تتألف من 8 و4 آذار وهذا الاحتمال لا يستبعد إذا كانت الحصص متساوية. أن يشكل حكومة تكون فيها الغالبية لقوى 8 آذار وهذا يحتمل أن ترفضه 14 آذار. أن تقاطع قوى 14 آذار الحكومة وتنسحب من التمثيل الوزاري وتلجأ إلى المعارضة في البرلمان والشارع. أن يشكل ميقاتي حكومة محايدة من خارج البرلمان لا تنتمي سياسياً إلى الفريقين، أو أن يشكل حكومة تكنوقراط - اقتصادية تكون بعيدة عن الاستقطابات والتجاذبات.
مسألة التأليف معضلة سياسية بحد ذاتها وهي تزداد صعوبة في حال قرر كل فريق أن يأخذ نصيبه وفق اللعبة الدستورية. وما يرفع من نسبة الصعوبات مشروع الحكومة (البيان الوزاري) وتلك الشروط المتبادلة التي يضعها كل فريق في مواجهة الآخر. فهل ينص البيان المرتقب على موضوع السلاح واستخداماته المتعددة؟ هل يتضمن موضوع المحكمة (إلغاء البروتوكول، سحب القضاة، وقف التمويل) أو يتجاهلها بالنص الواضح؟ هل يسقط البيان من بنوده كل تلك الفقرات السياسية الخلافية ويركز فقط على النقاط الاقتصادية والتنموية والإصلاحية؟
الإجابات بشأن إعادة تشكيل الحكومة مؤجلة وهي محكومة بالحسابات والارتدادات والتوقعات والافتراضات. ولكن الأساس الآن في موضوع الصورة السياسية في لبنان يمكن اختصاره بخروج الحريري من الوزارة بسبب تعثر مبادرة سين سين والخلاف على المحكمة الدولية وارتفاع درجة التدخل الأميركي بذريعة مراقبة مفاعيل التحولات في ساحة بلاد الأرز. فهل ميقاتي يشكل الرجل المناسب لإعادة التفاهم على سين سين والمحكمة الدولية والرغبة الأميركية في التدخل أم أنه رجل مرحلة تقطيع الوقت وتأجيل الاتفاق على القضايا الخلافية؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه قبل أن تتوضح حقيقة ما جرى من اتصالات سرية إقليمية ودولية أملت على ميقاتي المغامرة بالتزاماته وجمهوره لقبول الترشح والتكليف... والتأليف... و...