جريدة الجرائد

"كــــش ملــــك"

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

احمد عياش

في زمن التغيير العاصف الذي يهب على المنطقة، يتساقط رؤساء وحكومات وتتزعزع أنظمة، وحدها حكومة الرئيس سعد الحريري سقطت تحت وطأة تظاهرة بضع مئات من مرتدي المعاطف السود الذين أنزلهم "حزب الله" صبيحة الثلثاء في 18 كانون الثاني فأطاح تحالف الأكثرية التي أتت بها الانتخابات النيابية عام 2009، وأنشأت أكثرية جديدة أوصلت مرشح الحزب الى سدة التكليف، إلا وهو الرئيس نجيب ميقاتي ومن وراء الحزب ومن حوله الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا. انها حالة فريدة في هذا الشرق حيث تهب اليوم شعوب وجماعات من أجل إسقاط من صادر حقوقها في الاقتراع الحر، وبالتالي إيصال من يمثلها حقيقة الى سدة المسؤولية. في حين يجري في لبنان الإجهاز على نتائج انتخابات أتت بعد نتائج مماثلة عام 2005 لتترجم أعظم حالة شعبية في الشرق، حيث قرر مئات الألوف في 14 آذار 2005 ان لبنان يجب ان يحكم نفسه بنفسه من دون أن تراق نقطة دم واحدة أو أن يتحطم أي شيء أو ينهب قرش واحد. وللمفارقة أن "حزب الله" الذي أسقط الحريري وأتى بميقاتي، هُزم في منافستين إنتخابيتين هو ومن معه في مواجهة تكتل قوى 14 آذار. كما انه يتحدر من أكبر نظام شمولي في الشرق هو النظام الإيراني، ويلتصق بآخر نظام ديكتاتوري في المشرق العربي هو النظام السوري.
إنه أمر غريب حقاً. لا بد أن هناك أسراراً ستنجلي عاجلا أم آجلا. والسؤال الكبير هو: ما سرّ بضع مئات من المعاطف السود التي ألحقت هزيمة نكراء بأهم تجربة ديموقراطية في العالمين العربي والإسلامي معا؟ وقبل ان يتأكد الجواب لا يعتقد أحد في العالم أن هذه المعاطف كانت لتحرك أثراً يذكر في تونس لو انزلها الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في العاصمة وسائر مدن بلاده الرئيسية قبل فوات الأوان، أو فعل الرئيس المصري حسني مبارك الامر ذاته لو تنبّه ان بلداً عريقاً في ديموقراطيته وصغيراً في حجمه خضعت أكثريته المنتخبة لمرأى هذه الملابس.
في غرفة الإستقبال بـ"بيت الوسط" والتي اجتمع فيها الرئيس الحريري قبل أيام بالرئيس ميقاتي، ظهرت في الصورة على الطاولة رقعة شطرنج. ربما كانت الرقعة موجودة هناك قبل كل المتغيرات الاخيرة التي حلّت بلبنان. لكن إستمرار وجودها في اللقاء الذي جمع بين زعيم أكثرية جاءت من الانتخابات النيابية الحرة وأحد أفراد هذه الاكثرية الذي خرج منها لينتقل الى ضفة أقلية مع مجموعة يتزعمها النائب وليد جنبلاط ليحدثوا خللا جسيماً في الحياة السياسية في لبنان، أعطى أكثر من معنى. ومن المعاني أن ما جرى في لبنان ويجري هو مشابه للعبة الشطرنج التي تنتهي ولو بعد حين الى فائز وخاسر، وعليه فإن من ربح استخدم مهاراته ومن خسر لم يوفق في إدارة أحجاره.
بعقل بارد يمكن القول إن ما جرى في لبنان ويجري هو لعبة شطرنج وإذا مضى الوصف على هذا المنوال يصح القول أيضاً ان الرئيس ميقاتي والسيد جنبلاط هما بيدقان سقطا في اللعبة مع سائر البيادق الصغيرة. وحتى كتابة هذا المقال فإن اللعبة لا تزال جارية باعتبار ان من كسب هذه البيادق، أي "حزب الله"، لا يزال يلعب، ومن خسرها، أي الحريري ما زال يلعب أيضاً. فقط عندما نسمع عبارة "كش ملك" ندرك ان اللعبة إنتهت بخروج أحد. وفي انتظار هذه اللحظة فإن السؤال الكبير أيضاً: لماذا يبقى لبنان خارج قواعد اللعبة الكبرى التي تغيّر وجه المنطقة والتي لا أحد يعلم متى تبلغ دمشق وطهران؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ىة
ؤرل -

..........

دمشق وطهران
علي السوري -

يتساءل الكاتب في نهاية مقالته، ما اذا كانت قواعد اللعبة ستطال دمشق وطهران.. أي ما اذا كان النطامان الاستبداديان السوري والايراني سيواجهان نفس مصير طغاة المشرق؟ وبرأيي، فإنّ عاملاً خارجيا، موضوعيا، هو من جعل فرعنة هذين النظامين ممكنة ليس فقط في لبنان ، بل وأيضا في العراق وفلسطين. فإنّ الانظمة العربية المعتدلة، فضلا عن الدول الغربية، قامت لتساوم هذين النظامين والتذلل قدامهما والتنازل التدريجي لمطالبهما في السيطرة الاقليمية. بينما كان من الممكن، لو توافرت الجهود والنية، ان يعزل كلا النظامين السوري والايراني داخل شرنقته وأن يطوّق دولياً بانتظار محاكمة رموز الأول بجرم اغتيال الحريري ورفاقه، كما ومحاكمة الايرانيين دوليا أيضاً بجرم محاولة امتلاك السلاح النووي لفرض الهيمنة على دول المنطقة والعالم. والآن، فالحالة التي يعيشها لبنان، والتي آلت إلى وقوعه مجدداً بين براثن الأسد وذيله الحزب الشيطاني، هو نتيجة لذلك التخاذل العربي والدولي.