هل أعاق الإسلاميون تطورنا السياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عصمت الموسوي
يخطئ من يعتقد ان حركة شباب 6 ابريل الشبابية التي قادت التظاهرات الحاشدة في مصر لم تلق دعما وتشجيعا من الغرب لمساعدته على احداث التغيير الديمقراطي المنشود عبر التظاهر السلمي المشروع والتعبير عن مطالبه واللجوء الى الوسائل والتقنيات التكنولوجية الحديثة والتشبيك، وتذكر صحف بريطانية ان سفارتين غربيتين قد جلس دبلوماسيوها مرارا وتحاوروا مع فريق من هؤلاء الشباب وتم منحهم الفرصة للسفر وللتدريب والاستعداد لمرحلة ما بعد الرئيس مبارك، فالغرب لا يستطيع مهما عظمت تحالفاته واتفاقاته ومعاهداته ومصالحه الاستراتيجية مع انظمة الحكم الصديقة لا يستطيع ان يغض الطرف عن اصوات ومطالب بقية القوى السياسية المطالبة بالاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكي لا يتهم ايضا بالدوس على مبادئه وشعارته حول حقوق الانسان والعدل والمساواة، ثم ينحاز الى السلطة القائمة فقط، ان هذا الغرب لديه رأي عام وصحافة حرة وبرلمانات تحاسبه وتذكره بموازين الكيل غير العادلة، يعرف الغرب ان التغيير في الوطن العربي قادم لا محالة وان الانتفاضات الشعبية التي قمعت مرارا وساعد الغرب على اسكاتها عبر الدعم اللوجستي والسياسي والامني للانظمة السياسية ستنتقل موجاتها من بلد الى اخر في ظل ارتفاع الاسعار ومطالبات البنك الدولي برفع الدعم عن السلع، وقد وضعت صحيفة ليبرسيون الفرنسية بعد يوم من سقوط نظام بن علي التونسي وعلى صدر صفحتها الاولى صورة لخمسة زعماء عرب آخرين سيطالهم الدور واحدا واحدا، فالحرب على الارهاب كما اشرت في مقال يوم السبت والتي جاءت بعد احداث 11 سبتمبر قد اعاقت التنمية السياسية الحقيقية في العالم العربي وعطلت الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، حتى مبادئ الانفتاح الاقتصادي وحرية السوق والتنافس يجري الالتفاف عليها في بعض الانظمة وتحول البيئة الفاسدة دون تحقيق اهداف النمو العادل والتنمية الشاملة التي استفادت منها القلة وحرمت منها الاكثرية، واذ وضعت كل الامكانات والقدرات العربية على مدى عشر سنوات او يزيد في سلة مكافحة الارهابيين الاسلاميين المتطرفين ولتشتيت الانتباه عن القضايا الشعبية المطلبية في الداخل بسبب التوترات والحروب الاقليمية / فانها بالمجمل قد اعاقت نمو المجتمعات كلها على جميع الاصعدة، بل انها تغاضت عن فساد النخب السياسة والانتخابات المزورة وقمع الحريات وتأجيل الاصلاحات الحقيقية، لذا كان من الطبيعي ان تواجه بالسؤال المحرج امام شعوبها "كيف تقولون بالديمقراطية وتدعمون انظمة استبدادية؟".
وعلى مستوى الداخل العربي، فإن الانظمة التي قدمت نفسها بوصفها حائط الصد ضد التيارات والتنظيمات الاسلامية على اختلافها وكسبت رضا الغرب ومساندته برغم اخطائها وتجاوزاتها تفاجأ اليوم بهذا التحول الغريب، فأما انها لا تقرأ حركة التغيير وديدن الزمان وتقلب الاحوال السياسية والمعادلات الدولية والاقليمية او انها لا تفطن الى المبدأ الاول في علم علاقات الدول وهي انعدام وجود صداقات دائمة في ظل اوضاع متغيرة المصالح.
ان التيارات الاسلامية شئنا ام ابينا، كرهنا او احببنا هي جزء من حركة التغيير والمطالبة بالاصلاح التي تجتاح اليوم كل الشوارع العربية، وان الغاءهم او تصفيتهم او تخويف الغرب من وصولهم الى قبة البرلمان او سدة الحكم لم يعد مجديا، بل هو يناقض المبدأ الديمقراطي الاساس الذي يقول بالتعددية وبتمثيل كل الاطياف السياسية في منظومة الحياة السياسية، لذا فإن الدرس المستفاد من هبوب رياح التغيير في العالم العربي هو ان على الاسلاميين ايضا ان يتغيروا ويقدموا التنازلات ويعيدوا النظر في فلسفة توجهاتهم وايديولوجياتهم ويتقبلوا الاخر المختلف فكرا وعقيدة وحياة، فالعالم وحدة واحدة مترابطة ومتعاونة في ظل العولمة، ولن تحظى اي حكومة عربية جديدة او مقبلة "عبر الانتخابات القادمة" برضا الداخل وحده بل لا بد وان تنسجم مع الغرب الذي ستقيم معه علاقات واتفاقات سياسية واقتصادية، ثمة حقيقة لا يمكن التغاضي عنها ونحن نشهد التظاهرات المتتالية في العواصم العربية هي ان الاسلاميين يخيفون الداخل والخارج معا وان تعنتهم وتصلبهم وجمودهم قد مكن الاستبداد السياسي الداخلي والخارجي، وسمح للغرب بالتدخل السافر في شؤوننا واعاق تطورنا الطبيعي في جميع المجالات