جريدة الجرائد

محاكاة الأنظمة العربية وليس محاكمتها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

طارق العامر

شيء غريب فعلاً, شتاء هذا العام لم يكن كسائر المواسم الشتوية التى تمر بالشعوب العربية في كل عام .. شتاء هذا العام جاء محملا برياح الدعوة الى الاصلاح, بدءًا بثورة / عبق "الياسمين" التى اسقطت النظام في تونس, مرورا بالتظاهرات التي جابت عواصم القاهرة وصنعاء ونواكشوط وعمان والجزائر, سرعان ما انتشرت نسائم هذا العبق لتزكي انوف شعوب تعاني القهر والفقر والحاجة والاضطهاد, ولا يمكن لأحد ان ينكر حق الشعوب في التعبير السلمي والتظاهر كحق اساسي, فالشعوب العربية كسائر شعوب العالم تطمح للمشاركة وان يكون له دور في صنع القرارات التي تشكل مجرى حياتها.
العنف قد ينسف هذا الحق.. نعم قطعة صغيرة من الحجارة كفيلة بقلب المعادلة وتغير اوجه الحقوق, لأن حينها ستتحول عملية التظاهر كحق اساسي للشعوب في التعبير السلمي, الى اعمال عنف وتخريب وفوضى لايمكن ان يقر بها عاقل, وستتغير التسمية من متظاهرين الى غوغائيين, ما حدث في مصر إن فهم المتظاهرون لكلمة مظاهرة سلمية, فهماً اختلف عند البعض.. ناس ترمى حجارة وناس تهتف وراءهم "طوب لأ.. طوب لأ.. سلميّة سلميّة".
احد الصحفيين المصريين المشاركين في تظاهرات 25 يناير كتب مقالا سلب الاعجاب مني فقال "العُنف بيغيّر الموضوع وبالرّغم من أنّه ممكن فعلا يكون لا سبيل حالي لتَفادي البعض منه, الا ان الناس اللي خايفين من الفوضى وعدم الاستقرار وأخطاء الثورات, عمّالين يردّدوا كلام أجوَف عن إن دَه خَطر, وان انتو مش عارفين مُمكن تودُّونا لفين, وإن إحنا غير تونس, والكلام ده ماينفعش عندنا, وكلام كتير من نفس هذا النوع".
لذا اقول, ان مصر ليست تونس, يخطئ من يظن ان سيناريو تونس ممكن ان يتكرر مع اي نظام عربي او في اي دولة عربية، ليس مراد هذا الاحتمال الفرضي مرجعه في قوة النظام او استحكام جهاز الامن لقبضته على المتظاهرين في تلك الدول، ولكن لان مصر تختلف مقوماتها عن تونس وجوهر الاختلاف انها دولة ذات عمق جغرافي وتاريخي، لذلك ارى ان سيناريو تونس مستحيل, كما ان من مصلحة جميع الشعوب العربية - لا اتحدث عن الانظمة - ففي ظل التهديدات التي تحيط بالمنطقة نتيجة الصراع العربي الاسرائيلي وتلاشي الامل في حل عادل للقضية, وفي ظل عدم الاستقرار الذي تشهده العديد من الدول في داخله كالسودان واليمن ولبنان, وفي ظل الاطماع المحيطة بالعديد من الدول وأولهم دول الخليج, فإن استقرار مصر, هو استقرار للسودان وسوريا ولبنان والخليج وكل الدول العربية, وزعزعة الامن في مصر وانهيار النظام, هو من شأنه ان يدفع بالقوى الطامعة - القريبة والبعيدة - على التكالب على هذه الامة.
والمتابعين يعلمون ان مصر هي التي خلقت التوازن الاقليمي والامني, وليس الاتفاقات الامنية مع امريكا او صفقات طائرات الميراج مع فرنسا, وكلنا نعلم ان قلب الامة يتمثل في مصر, وانه لولا مصر لغارت قوة اقليمية طامعة على امن الخليج.
لسنا ضد التعبير السلمي وحق الشعوب في التظاهر, كما اننا لا ندافع عن أي نظام عربي, لكن نقول ان الشعوب العربية بحاجة الى محكاة انظمته وليس بحاجة الى محاكمة انظمته، عبر القنوات الشرعية ووسائل التعبير السلمية ومنها التظاهر والاحتجاج, وفي المقابل,على الانظمة العربية تفهم ان الفرص ما زالت بين ايديهم لإحداث تغيير وتقديم إصلاحات دستورية واجتماعية واقتصادية لصالح شعوبهم.
وقبل ان اضع نقطة النهاية, اقول للاشقاء المصريين: من الأفضل ألا تصلوا لما وصلت إليه تونس, فكلنا نشهد على الفوضى التي تجتاح تونس بعد رحيل بن علي, وعدم قدرة قواها السياسية على تشكيل حكومة إنقاذ وطني حتى اليوم, والدعوى الى تغيير النظام بالقوى, من شأن ذلك ان يؤدي بـ "المصريين في داهية" ويؤدي بالاستقرار في المنطقة الى "ستين داهية"!!
إلى الأعلى

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
نعم للحرية
Amar -

طالما أن استقرار مصر مهم لهذه الدرجة، لم كان النهب و السلب و الفساد منتشراً فيها، لم لا يوجه الحكام طاقاتهم لبناء دولهم و عدم تركها جائعة فاسدة عاطلة، البادئ أظلم، و لا استقرار دون حرية و كرامة و عمل و دخل جيد و تعليم متقدم، إن القلام الصفراء التي تكتب هنا و هناك متهمة الجماهير الغاضبة على الفساد و من الفساد بانتهاك الاستقرار مخظئة تماماً، فالشعوب صبرت طويلاً على انتهاك حقوقها بحجة الأمن و الظروف الحساسة و المنعطفات التاريخية التي تمر بها المنطقة، و لكن كل المشاريع التنزية كانت مؤجلة و الطاقات البناءة للشباب و للعقول معطلة، شيء وحيد كان ينمو و يزداد و هو النهب و الفساد و فتح الأرصدة في الخارج، أيها الكاتب العزيز و امثالك لدي سؤال أرجو أن تجيبوني عليه، ما رأيك بالمليارات و الصفقات التي ينعم بها أهل السلطة؟ اليست توهن من عزيمة الأمة؟ ألا تؤدي للفوضى؟ لم تتحدث عن النتيجة و تنسى السبب! عجبي منكم! إعلموا أنكم مسؤولون عما كتبتم و محاسبون،