جريدة الجرائد

الملك عبدالله يسعى إلى تقدم «حقيقي» في جزيرة العرب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد جابر الأنصاري


إذا أخذنا أطراف الجزيرة العربية كسواحل الخليج العربي وسواحل اليمن، حيث الموانئ تستقبل بضائع التجارة ومعها مؤثرات الحضارة، نجد أنها تقدمت اجتماعياً وانعكس ذلك على وضعها السياسي بعد الاستقلال. لكن هذا "التقدم" في الأطراف الجانبية يبقى منقوصاً إلى حد كبير، إذا ظل "المركز والداخل" غير معني به. فعلى السواحل "حركة" الموج، وفي الداخل الصحراوي "ثبات" الصخر، وهذا ينطبق على النظم والعادات والتقاليد السائدة، وتلك هي "دراما" الساحل والصحراء في الخليج والجزيرة العربية!

وعلى سبيل المثال، فلو تصورنا، في تاريخ أوروبا، بقاء فرنسا على حالها في وضع "غير تقدمي"، فإن هولندا الصغيرة وحدها لا يمكن أن تمثل "ظاهرة جديدة" في أوروبا، فإذا لم يعتمل التقدم في فرنسا كلها، فإن التقدم في البلدان الصغيرة المجاورة لها لا يمكن النظر إليه "كتقدم". وهكذا كان...

وما يحدث في المملكة العربية السعودية من جهود إصلاحية للملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في الآونة الراهنة، مؤشر إلى توجّه حيوي ومهم للقيادة السعودية، فالتراكم الكمي للتقدم الاجتماعي والسياسي الذي جاهد من أجله والده الملك المؤسس عبدالعزيز وإخوته الملوك، على وشك أن يتحول إلى "تغير نوعي" في اللحظة التاريخية الراهنة التي تشهد تحولات "غير مسبوقة" في دول الخليج الأخرى سنعرض لها في نهاية هذا المقال.

إن المملكة العربية السعودية، (وأذكر أننا عندما كنا طلاباً في المدرسة، كنا نرى الخرائط التي ندرسها في مادة الجغرافيا تشير إلى "إمبراطورية ابن سعود")، هي الثقل الموضوعي الأساسي في جزيرة العرب، وحصول التقدم فيها يعني أن جزيرة العرب دخلت التقدم الإنساني، وغدت السعودية - بحق - "مملكة الإنسانية".

العربي أو الأجنبي الذي يرى بساطة الإنسان السعودي وتواضع ملبسه، يخطئ خطأ كبيراً إذا تصوره إنساناً غير متعلم أو غير متحضر. فقد أمضى الإنسان السعودي، عقوداً، وهو يصيخ السمع إلى أصوات "التقدم" العربي و "التقدم العالمي"، بحيث تشبّع بها، وأصبح مستعداً لممارستها مع تمسكه الشديد بتقاليده وعاداته التي نشأ عليها. وهنا تنشأ "المعضلة" أمام "الموجة التقدمية" التي تشهدها المملكة العربية السعودية. هل عامة الناس في حالة قبول "حقيقي" لكل خطوة إصلاحية تقدمية؟ تلك هي المسألة (خالد القشطيني، "الشرق الأوسط"، 2 - 10 - 2011). وثمة عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية وتعليمية تفتح الطريق لتقدم حقيقي أمسك بحلقته قائد البلاد، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهو يعمل مع كبار مساعديه ومع الجميع في سبيل إنجازه.

ولقد تصوّره المراقبون سياسياً حاذقاً عندما ظهر في حلبة القيادة، وقام بزياراته غير المسبوقة إلى روسيا واليابان. لكنه يثبت اليوم أنه قائد تاريخي، معيداً إلى الأذهان دور والده الملك المؤسس عبدالعزيز الذي لم أجد عنه كتاباً أصدق من كتاب المرحوم فهد المارك "من شيم الملك عبدالعزيز" في ثلاثة أجزاء. بهرني بصدقه وعفويته حيث يشعر قارئه بأنه يعاصر الملك ورجاله في تلك الأوقات الصعبة. وكان هذا الكتاب بالفعل هدية ثمينة من سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مملكة البحرين الدكتور عبد المحسن بن فهد المارك الذي أبديت لسعادته رغبتي الملحة في قراءة كتب فهد المارك الأخرى. وكان فهد، رحمه الله قائد الفوج السعودي في جبهة فلسطين بأمر الملك عبدالعزيز، وكتب كتابات صريحة وصادقة عن مواقف الزعماء العرب من القضية الفلسطينية جديرة بأن يطلع عليها كل متابع لهذه القضية، وقد ظهر كتابه المذكور في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي وجده توثيقاً صادقاً وأمر بطبعه من دون رقابة إعلامية.

كان "توحيد" الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، لهذه المملكة الشاسعة بقبائلها المتنازعة وولاياتها المتنافسة معجزة لافتة في التاريخ العربي الحديث. ولو استعرضنا سجل أعماله بعد التوحيد، وبناء "الهجر" إلى لم الشمل، لاستغرقنا ذلك قائمة طويلة، لكن ابنه الملك عبدالله يعمل اليوم على تطوير هذه المملكة الشاسعة إلى دولة حديثة، فلنتوقف لدى هذا "الحدث" التحولي الكبير.

الأسبوع الماضي احتفلت المملكة العربية السعودية بعيدها الوطني الحادي والثمانين. وهي فترة في عمر التاريخ ليست بالطويلة. لكن إرادة الإنسان الفاعلة يمكن أن تحقق خلالها المستحيل.

من العوامل المساعدة على التحوّل الحالي الذي يقوده الملك عبدالله بن عبدالعزيز:

أولاً: إن المجتمع السعودي بلغ مرحلة من التطور، في العهود الماضية، وإن هذا المجتمع غدا مستعداً للتغيير، وإن التراكم الكمي على وشك أن يصبح تحولاً نوعياً. وقد كتب الدكتور عبدالله الغذامي، في أحد أبحاثه القيمة، عن التفاعل الذي شهدته العاصمة السعودية مدينة الرياض في اللهجة الدارجة بين لهجة أهل المنطقة الغربيـة ولهجـة أهل المنطقة الشرقية واللهجة النجديـة الأصلية ذاتها، ما أوجد محكية عربية جديدة هي تعبير عن نشوء مجتمع جديد. هذا "المجتمع المختلف" يـريـد نـطاقاً مغايراً لما تعود عليه ويتطلع إلى التجديد والإصلاح والتغيير. ويأتي الملك عبدالله، لحسن الحظ، ليستجيب لهذه التطلعات ويقودها ويسهر على وصولها إلى بر الأمان.

ثانياً: إن قوى الأمن والقوات العسكرية التي تمثل أحدث المؤسسات في البلاد، وأكثرها استيعاباً للتقنيات الحديثة قد التحمت عناصرها، وصارت تمثّل قوة واحدة، وهذا من شأنه أن يساعد في تنفيذ التطلعات التقدمية التي يريدها الملك.

ثالثاً: لا يمكن أن نغفل "دور الفرد في التاريخ" عندما يظهر الملك عبدالله قائد البلاد في الفضائيات ويقول: "المرأة هي أمي وأختي وزوجتي... وأنا منها"، فإن ذلك يوحي بتحول اجتماعي وسياسي كبير في التكوين العربي الذي كان يعد "المرأة عورة"!

هذا التحول الذي يبديه الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو من خاصية الأزمنة الراهنة، فمنذ وقت قريب شهدت آخر انتخابات أُجريت لبرلمان الكويت، الرائدة في الجوار، فوز أربع نساء دفعة واحدة، كما شهدت مملكة البحرين في انتخاباتها التكميلية للعام 2011 فوزاً للمرأة، وصار لديها في برلمانها أربع نساء أيضاً، وهذه دفعة كبيرة لمشروع الملك حمد بن عيسى الإصلاحي الذي من أهم بنوده تطوير المسيرة الديموقراطية.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة التي عمل على توحيدها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، ويعمل أبناؤه وعلى رأسهم الشيخ خليفة بن زايد وعضده الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على تقدمها وتطويرها، فازت في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في الدولة امرأة، كان فوزها لافتاً في منطقة الخليج العربي بأسرها.

إن مقولة عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود: "المرأة هي أمي وأختي وزوجتي... وأنا منها"، أصبحت سارية المفعول في كل مكان من جزيرة العرب، ساحلاً وداخلاً، وعلينا ألّا نخشى من ذلك فهو يتم ضمن "الضوابط الشرعية".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف