وهم الثورات السلمية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عادل الطريفي
هناك أوهام كثيرة تتعلق بـ"الربيع العربي" بعضها جلي وواضح للمراقب، والبعض الآخر قد يستغرق أعواما - أو ربما عقودا - لاستيضاحه.
منذ بداية الانتفاضات الشعبية التي ضربت عددا من العواصم وهناك عدد من المقولات التي يتم ترديدها بوصفها انعكاسا للواقع، في حين أنها لا تعدو أن تكون ضربا من التفكير "الرغبوي" والتمنيات لما يجب أن يكون عليه المجتمع، ولما يمكن أن ينتج عن هذا التغيير المسمى - تجاوزا - "ثورة" في أكثر من بلد عربي. فعلى سبيل المثال، كان هناك، ولا يزال، مبالغة في تقدير دور مواقع التواصل الاجتماعي (كـ"فيس بوك" و"تويتر"، وغيرهما)، وفي إعطاء الناشطين على الإنترنت (بلوغرز) أهمية توفق الأسباب الواقعية في سياق الأحداث.
لا شك في أنه كانت هناك موثوقية غير مبررة لدى البعض في قبول الروايات ضد الأنظمة السابقة، الصحيح منها والمتوهم، وفي تأريخ العوامل التي أدت إلى الصدام. أيضا، كان هناك تساهل في استعمال وتوصيف الشعارات المرفوعة من قبل الشباب الثائرين كتلك المطالبة بـ"الكرامة"، و"الحرية"، و"الديمقراطية"، و"حقوق الإنسان"، وهناك الكثير من المقاربات المستعجلة في ما يتعلق بمقارنة الانتفاضات العربية بالثورات الأوروبية التي عصفت بالإمبراطوريات في 1848، أو انهيار جدار برلين في 1989، أو غير ذلك من المقارنات. بيد أن أهم وهمين انكشف غطاؤهما سريعا هما: ادعاء سلمية الثورة، وبراءتها من الالتزام الآيديولوجي أو العصبيات التقليدية.
لعلنا لا نكون مخطئين إذا ما قلنا إن غالبية الانتفاضات الشعبية التي مرت بدول المنطقة لم تخل من العنف، ولم تتطهر لحظة واحدة من المؤثرات الآيديولوجية (اليسار والإسلاميين)، ومن العصبيات التقليدية كالطائفية، والعرقية والمناطقية. أي أن حكاية ثورة الشباب (غير المسيس) على الأنظمة الاستبدادية لاستعادة الحياة السياسية والاجتماعية هو توصيف غير دقيق.
نعم كان هناك شباب "مثاليون" أرادوا رحيل النظام السابق في لحظة ما، ولكن قوى المعارضة في الشارع لم تخل في أي وقت من ممارسة العنف والتخريب، ومن التشدد الديني، والتعنت اليساري (المناوئ للمؤسسات)، واستخدام الشعارات الطائفية والمناطقية.
كانت مشكلات المجتمعات العربية حاضرة بقوة، ولكن في ذروة الصدام مع النظام السابق لم يكن الإعلام أو المراقب الخارجي - المأخوذ بما يجري - يلقي بالا لتلك الاختلافات - أو قل الاختلالات البنيوية - في نسيج المعارضة بزعم أننا نشهد صفحة جديدة في تاريخ شعوب المنطقة، ولكن ما إن سقط النظام السابق بالانقلاب أو العمل المسلح حتى طفت للسطح مرة أخرى كل تلك العلل والعصبيات بحيث بات مستقبل تلك البلدان - بل ووحدتها الداخلية - على المحك.
تأمل في النموذج المصري، حيث اندلع العنف الطائفي (الأحد الماضي) ما بين الأقباط وقوات الجيش بغتة، وسقط من القتلى ما لا يقل عن 24 من الطرفين ومئات الجرحى، وعلى الرغم من كل ما يقال عن سلمية الثورة في مصر، فإن حوادث العنف المسلح، والمواجهات العنيفة ما بين المتظاهرين والجيش تكشف عن تعثر مستمر على الصعيدين الأمني والاقتصادي.
يريد العسكر أن يجروا عملية انتقالية عبر الانتخابات ليسلموها للأحزاب التقليدية مع الحفاظ على امتيازاتهم واستقلاليتهم، بينما يرغب الناشطون الشباب أن يقوموا بثورة فعلية على الأرض تبدأ من الدستور لتشمل محاكمة العسكر. لأجل ذلك وجد المجلس العسكري نفسه في مأزق لأنه لم يكن صريحا ليقول بأنه قام بانقلاب عسكري، وإن مسايرته - بل واستخدامه - لشعار الثورة جعله في مواجهة جمهور غاضب ومنفلت يريد القيام بتغيير راديكالي.
إذا كانت كل فئة تشعر بقدرتها - أو حقها - على تغيير قواعد وشروط السلم الأهلي والتوازن السياسي والاجتماعي داخل البلد، فلماذا يمنع الأقباط من القيام بذلك إذن؟!
في ليبيا تحولت المظاهرات خلال أيام إلى حرب أهلية استدعت تدخلا عسكريا أجنبيا، وفي البحرين طغت الشعارات الطائفية والراديكالية الإسلاموية الشيعية على كل ما عداها من قضايا، أما سوريا فهي مقسمة حاليا ما بين خطوط التماس الطائفية والعرقية، وفي اليمن تكاد العين لا تخطئ الغول القبلي والمناطقي في الصراع ما بين الرئيس وحزبه من جهة، وخصومه المتحالفين من فئات قبلية ومناطقية وحزبية مناوئة. حتى تونس التي انطلقت منها شرارة الانتفاضات، حاول فيها بعض القادة السياسيين المخضرمين الذين أوكلت لهم العملية الانتقالية أن يلجموا الحمى الثورية، وأن يقللوا من تطلعات الناشطين الثوريين، إلا أنهم فوجئوا باقتحام مئات من الإسلاميين لإحدى القنوات الخاصة بغرض إغلاقها بالقوة، وعلى الرغم من محاولات الحكومة الانتقالية تسيير الأعمال والتجهيز للانتخابات، فإن مظاهر التوتر والانفلات الأمني في بعض المناطق ما زالت مستمرة.
يجادل دعاة "الربيع العربي"، والمستبشرون به، بأن ما نشهده ليس إلا نتيجة حتمية لسياسات الأنظمة السابقة، وأن العملية الانتقالية قد تستغرق وقتا قد يطول أو يقصر حتى تتمكن كل تلك الدول من استعادة أوضاعها الطبيعية، ولكن ما لا يستطيع أحد تقديره هو المدة الزمنية اللازمة لذلك، فضلا عن ضمان الانتقال إلى وضع أفضل من الماضي.
حتى اليوم، قتل ما بين 30430 و37140 إنسانا في دول "الربيع العربي"، قد تكون الأرقام مرتفعة بسبب الحرب الأهلية الليبية، ولكن علينا أن نتذكر أن هناك دولا مثل سوريا واليمن مرشحة في أي لحظة بالانزلاق إلى حرب أهلية مفتوحة.
بحسب تقرير لمؤسسة "جيوبولستي"، فإن خسائر اقتصادات دول "الربيع العربي" قد تجاوزت 56 مليار دولار، وفي ذات الوقت فإن المداخيل قد تضررت بمقدار 84 في المائة في ليبيا، و77 في المائة في اليمن (كلفة "الربيع العربي": أكتوبر 2011). أما في مصر، فإن المجلس العسكري ما زال عاجزا عن استعادة الوضع الطبيعي في ظل المليونيات المعطلة للمصالح العامة، والتعديات باسم حرية التظاهر والتعبير.
لقد تدني الاحتياطي المصري في الخارج من 29.8 مليار دولار إلى 19.4 مليار دولار، وهو مبلغ لا يكفي حتى لتوفير 4 أشهر من الواردات المصرية. أمام هذه التحولات لا بد من الإقرار أن ادعاء سلمية الثورة ليس إلا محض تمنيات غير مطابقة للواقع، ولكن العبرة في إجراء انتقال سلمي للسلطة، واحترام نتائج الانتخابات دون أن يكون لدى البعض نيات في الخروج عن قواعد التعايش الاجتماعي ما بين الطوائف والمكونات الاجتماعية.
في كتاب "الثورات غير العنيفة: المقاومة المدنية في القرن الواحد والعشرين" لشارون نبستاد (2010) تشرح المؤلفة أن المعارضة المدنية التي لجأت للسلاح دائما ما تتحول إلى صراع مستدام ما بين المكونات الاجتماعية، وغالبا ما تغذيها العقوبات الدولية التي تعطي النظام "القمعي" المزيد من الأدوات الإضافية لاستغلال الوضع السياسي، ولكن في الحالات القليلة التي تتجه فيها المعارضة إلى الوسائل السلمية التي لا تتحدى فيها الأجهزة العسكرية والأمنية تستطيع من خلالها اكتساب القبول الاجتماعي، وإعطاء البلد فرصة جديدة لكي يتخذ طريقا جديدا بعيدا عن ثقافة الماضي.
التحدي الأكبر الذي يواجه "الربيع العربي" هو ابتعاده عن العنف والتسييس الحقيقي، وإذا ما فشل في ذلك فإن المنطقة لن تستفيد من هذه المرحلة إلا المزيد من الفشل والتقصير، لقد كانت الأنظمة سيئة، ولن تصحح الأوضاع إذا ما كانت المعارضة أكثر شراسة - وعدمية - من النظام السابق. يقول غاندي: "أنا أرفض العنف حينما يبدو أنه يؤدي إلى الخير، لأن الخير مؤقت، ولكن الشر الذي تصنعه باق".
التعليقات
العبرة بالنتائج
عراقي حر -مقالك يوكد خوفك على نظام ال سعود وكلامك مردود عليه ولنأخذ مثلاً الثورة المصرية والليبية ! فبخصوص السلمية الثورة نعم كان هناك عنف من قبل ثوار ليبيا والذي لولاه لاباد القذافي الشعب عن بكره ابيه اما ان تريد شعوب ومتظاهرين يضربون بالرصاص والقناصات ان يبقوا سلميين فهذا كلام مضحك ارجوا ان لاتقوله لأي صاحب منطق وعقل ! وبخصوص اتهام طيف من الثوار بانهم إسلاميون ويساريون !!! نعم هذا صحيح وما المشكله فهل تريد ياسيد طريفي متظاهرين بلا راي وعقيده ودين ام ماذا !!! الحرية ستنتصر والثوار العرب قادمون والغد للحرية ولا للعائليات والديكتاتوريات والوراثيات الفاسدة والمتخلفه والقمعية في بلاد العرب بعد اليوم وستعود بلاد العرب اوطاني من الشام لبغدان ;
ايلاف منبر حر بحق
عراقي حر -اولاً شكراً جزيلاً ايلاف لنشركم تعليقي الاول ثانياً عتبي على السعودية نصحاً وتقويماً لا كرهاً او حقداً كنا ننتظر موقفاً مسانداً للسنة العراقيين في مواجهة الحكومة المجوسية لنوري المالكي وموقفاً مسانداً للثورة السورية الحرة ضد الارهابي بشار الفسد ؟ هذا هو سبب عتبي على فقط لاغير
ايلاف منبر حر بحق
عراقي حر -اولاً شكراً جزيلاً ايلاف لنشركم تعليقي الاول ثانياً عتبي على السعودية نصحاً وتقويماً لا كرهاً او حقداً كنا ننتظر موقفاً مسانداً للسنة العراقيين في مواجهة الحكومة المجوسية لنوري المالكي وموقفاً مسانداً للثورة السورية الحرة ضد الارهابي بشار الفسد ؟ هذا هو سبب عتبي على فقط لاغير
شكرأ إيلاف
الهدهد الشامي -شكراً على عدم نشر تعليقي على هذا المقال وبعرف أنكم رح تنشروا تعليقي هذا مشان تبينوا أنكم ديمقراطيين....بس يمكن ما تنشروه كمان مشان تجننوني....
ليس وهما بل حقيقة
ياسر حسني -سلمية الثورات حقيقة. أما ما يحدث على أرض الواقع فهو نتيجة لإستجابة ضعاف النفوس - أتباع الظواهري - لرسائله التحريضية المتواليه التي تهدف إلى الركوب على الثورات لقطف ثمارها. الفتنة هي وسيلة المتطرفين الدينيين السهلة لزرع الفوضى التي يتغلغلون في المجتمعات من خلالها. هذا هو أسلوب "القاعدة" المعروف. فلقد وجه الظواهري عشرة رسائل إلى شعوب ثورات ربيع العرب محرضاً الإسلاميين على الفتنة وتأكيد مبدأ تطبيق الشريعة. وعلينا باليقظة لمخططات الإرهاب وفكره الذي ينخر في مجتمعاتنا، وهو الفكر المسموم الذي يبثه أيمن الظواهري بين الشباب فتارة يرفعون صور بن لادن مرددين شعارات "القاعدة" وتارة أخرى يمارسون العنف في معاملتهم لغير المسلمين، وهذه كلها تتخالف مع تعاليم ديننا الحنيف.
ليس وهما بل حقيقة
ياسر حسني -سلمية الثورات حقيقة. أما ما يحدث على أرض الواقع فهو نتيجة لإستجابة ضعاف النفوس - أتباع الظواهري - لرسائله التحريضية المتواليه التي تهدف إلى الركوب على الثورات لقطف ثمارها. الفتنة هي وسيلة المتطرفين الدينيين السهلة لزرع الفوضى التي يتغلغلون في المجتمعات من خلالها. هذا هو أسلوب "القاعدة" المعروف. فلقد وجه الظواهري عشرة رسائل إلى شعوب ثورات ربيع العرب محرضاً الإسلاميين على الفتنة وتأكيد مبدأ تطبيق الشريعة. وعلينا باليقظة لمخططات الإرهاب وفكره الذي ينخر في مجتمعاتنا، وهو الفكر المسموم الذي يبثه أيمن الظواهري بين الشباب فتارة يرفعون صور بن لادن مرددين شعارات "القاعدة" وتارة أخرى يمارسون العنف في معاملتهم لغير المسلمين، وهذه كلها تتخالف مع تعاليم ديننا الحنيف.