سورية وإيران والانفصال المتوقع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مهى عون
لم تطل المدة بين العملية الإرهابية الموصوفة للأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري والتي أدت لاستشهاد الناشط الكردي مشعل التمو, وما تلاها من تهديدات بتفجيرات انتحارية إرهابية جاءت على لسان مفتي دمشق, حتى صُدم العالم أجمع بخبر محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن واتهام النظام الإيراني بها. أما الملفت اليوم فهو ظاهرة اللامبالاة في طريقة تعامل النظامين الحليفين مع جملة الاتهامات والإدانات الأممية, والمجمعة على إدانتهما على خلفية ممارستهما للإرهاب المنظم, أو إرهاب الدولة, منذ نيف وأربعة عقود. لم نرهما يشرئبان كما في العادة لتبرير وتبييض ما لا يُبرر ولا يُبيض, ولا لنفي أي من الاتهامات الموجهة إليهما سواء بشكل سطحي أو شكلي, وكأنهما لم يعودا بحاجة إلى التغطية على طابعهما الإرهابي, أما وقد بان الارتكاب أكبر وأضخم من قدرتهم على النفاق, وعلى لفلفة الأمور وتغطية السماوات بالقباوات جرياً على العادة.
إيران من ناحيتها باتت تعاني من عزلة دولية متفاقمة. ليس فقط بسبب موقفها الملتبس والضبابي وغير الواضح في تعاملها مع العالم أجمع بخصوص ملفها النووي, وليس فقط في تمادي أجهزتها الأمنية في تخطي كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية في ممارساتها المارقة والقمعية حيال حركات الاحتجاج المعارضة, وفي اضطهادها للأقليات وللأديان الأخرى, ولكن اليوم أيضاً بسبب استمرارها في دعم النظام السوري المارق والذي بات يقمع شعبه ويحرقه بقوة الحديد والنار, غير آبه لغضب واستياء العالم أجمع حيال هذه الممارسات اللاإنسانية. وكلمة حق تقال ربما لم يصل النظام الإيراني في نسبة صلفه إلى درك ما وصل إليه النظام السوري اليوم. والتساؤل قائم حول أسباب رغبة ونية طهران وقل حتى في مصلحتها في الاستمرار بدعم نظام مخلع وقريب جدا من نقطة الانهيار والتفكك!
إلى أن جاءت حادثة محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن لتؤكد استمرار الجمهورية الإسلامية على نهج ونية الاستمرار في اعتماد مسار الإرهاب المنظم كوسيلة للتعامل مع الجوار القريب والأبعد وصولاً إلى العالم أجمع. المخطط الذي كان مرسوما لاغتيال السفير السعودي, إنما يؤكد على استمرار الجمهورية الإسلامية على النهج الإرهابي الذي كان وما يزال يشكل المدماك الأساسي والمرتكز الأهم, لحلف الممانعة الذي يجمع بين النظامين الحليفين السوري والإيراني. إن انكشاف إيران اليوم بطابعها الإرهابي ليس بعيداً عن الطابع الإرهابي للنظام السوري والذي برز بأبشع وجوهه في لبنان عبر اغتيال أكثر من مئة شخصية سياسية وفكرية لبنانية, ناهيك عن رئيسي جمهورية ورئيس وزراء واحد على الأقل, ومنهم من يرتئي اثنين. وقد تكون محاولة الاغتيال هذه القشة التي سوف تكسر ضهر البعير لأن من غير المتوقع أن يسكت العالم أجمع على تمادي هذين النظامين بإرهابيهما المنظم.
ولقد استبق الإدانات العالمية الأمين العام لmacr; "مجلس التعاون" الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني, فاعتبرها انتهاكاً سافراً ومرفوضاً لكل القوانين والاتفاقات الدولية ومضرة بصورة جسيمة بالعلاقات بين دول "مجلس التعاون" من جهة وبين إيران من جهة أخرى. وأوضح مجلس التعاون الخليجي في بيان له قبل ايام بأن دول الخليج العربية دعت إلى عقد اجتماع عاجل للجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية لمناقشة الأوضاع المستجدة, والتي بإمكانها أن تستجد نتيجة محاولة الاغتيال هذه.
وفي السياق نفسه أعلن الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده ونظيريه النمساوي والاسبانية بالعاصمة النمسوية فيينا, بأن "الدسائس والمؤامرات لن تؤدي إلى نتيجة ,وبخاصة مع المملكة العربية السعودية", معلنا أن بلاده تُحمل إيران مسؤولية ما تكشف عن خطة لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة, مؤكداً "ان إيران هي التي خططت وهي التي مولت, وما وراء ذلك سوى رغبة في زيادة المشكلات بين الدول وخلق زعزعة في العلاقات".
إيران مزنوقة اليوم في زاوية الشجب والتنديد الدوليين ناهيك عن كونها عرضة لشتى أنواع العقوبات, في حال تمت إدانتها عبر المحكمة الدولية بتهمة الإرهاب والتخطيط للاغتيال, ولاسيما أن السعودية ليست بوارد التخلي عن حقها في رفع دعوى جزائية بحقها, وأن الولايات المتحدة من ناحيتها, كونها هي التي حصلت على أرضها هذه المحاولة, هي عازمة على رفع شكوى بحقها في مجلس الأمن. ومن غير المستبعد صدور قرار أممي يعطي الضوء الأخضر لتدخل عسكري دولي في إيران, أما وقد لمحت إلى ذلك وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عندما تكلمت عن تهديد تشكله اليوم إيران "للسلم والأمن الدوليين". وهي العبارة في النص القانوني لشرعة الأمم المتحدة والتي تحتم بموجبها على كل الأعضاء بمجموعة الدول في مجلس الأمن الالتزام بضرورة التصويت على التدخل العسكري الأممي.
الخيارات أمام طهران باتت جداً قليلة ومحدودة وقد لا يكون من المبالغة القول بأن على طهران تبييض صفحتها, عبر إيجاد المخارج التي سوف تكفل لها تراجعا نسبيا لميزان الغضب ألأممي والعربي الذي يلاحقها, والتي بإمكانها ربما تخفيف نسبة هذا الاحتقان الدولي حيالها. لن تجدي طهران بعد هذا الحدث الجلل وتوسل سياسة حياكة السجاد, ولا يمكنها اللجوء إلى وسائل الخداع السابقة والقائمة على الالتفاف والمراوغة والضبابية. عليها أن تلتزم الخيار الصحيح ألا وهو البدء بالتبرؤ من ارتكابات النظام السوري, والكف عن تأمين الدعم اللوجيستي له عبر فلول الحرس الثوري التي تمر عبر العراق. ربما قد تكون فرصتها الوحيدة والأخيرة اليوم لتخفيف الضغط الدولي عنها, على أن تذهب في مستقبل لاحق إلى اعتماد شفافية أصدق في تعاملها مع المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي. فرصة إيران اليوم هي في فك ارتباطها بالحلف مع سورية والذي كان يرتكز على التبادل والتنسيق في مجال الإرهاب المنظم. فهل ترعوي طهران قبل فوات الأوان?