جريدة الجرائد

تونس . . . من البوعزيزي إلى الغنوشي؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عصام نعمان

أحرق محمد البوعزيزي نفسه في تونس، فألهَمَ شبابَ العرب انتفاضاتٍ من المحيط إلى الخليج . غداً تتوجّه أغلبية الناخبين السبعة ملايين من التونسيين لاختيار أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، فهل تنتهي أول انتخابات حرة في تاريخ البلاد إلى أن يُصبح راشد الغنوشي ملهماً للناخبين في سائر الأقطار النابضة بانتفاضات شعبية؟

الغنوشي مفكر إسلامي عصري، تزعّم حركة ldquo;النهضةrdquo; الإسلامية منذ 1981 ودعا إلى الديمقراطية والعدالة، فحاربه نظام الحبيب بورقيبة ثم نظام زين العابدين بن علي ونفاه إلى بريطانيا مدة عشرين عاماً . لكنه عاد بعد سقوط الأخير أواخرَ يناير/ كانون الثاني الماضي ليعيد بناء حزبه الذي كان بن علي قد أودع السجون 30 ألفاً من أعضائه . إنه اليوم ملهم الإسلاميين الذين تشير استطلاعات الرأي إلى أن حركة ldquo;النهضةrdquo;، وهي كبرى تنظيماتهم، سوف تفوز بنحو 30 في المئة من الأصوات .

لن تكون لحركة ldquo;النهضةrdquo;، إذاً، أغلبيةُ مقاعد المجلس التأسيسي . ستكون، على الأرجح، كبرى كتل المجلس في موازاة، أو ربما في وجه، مجموعة من كتل أخرى متمايزة ومتنافرة تضم خليطاً من الليبراليين والعلمانيين والديمقراطيين .

المهمة الرئيسة للمجلس الوطني التأسيسي وضعُ دستور جديد لجمهورية ldquo;ثانيةrdquo; في تونس، فكيف تراها تكون؟

إن أحداً لا يمكنه إبداء رأيٍ حصيف إلاّ بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات بعد ظهر يوم الاثنين المقبل، ذلك أن الكتل والمرشحين المتنافسين كثر، وعدد مكاتب الاقتراع يفوق السبعة آلاف موزعة على 27 دائرة انتخابية . ومع أن الاصطفاف السياسي يكاد يكون محصوراً بين الإسلاميين من جهة، وrdquo;العلمانيينrdquo; من جهة أخرى، إلاّ أن الفريقين يتشكّلان من فئات وجماعات متعددة ومتنافسة ما يجعل المنافسة صعبة والتكهن بالنتائج أشد صعوبة .

حركة ldquo;النهضةrdquo; حاولت في حملتها الانتخابية طمأنة العلمانيين والإسلاميين على السواء . للعلمانيين توجّهت بخطاب نصف علماني من الغنوشي بأنه ldquo;يقود حزباً إسلامياً ديمقراطياً قريباً من حزب العدالة والتنمية التركي ( . . .) ولا نريد فرض الشريعة الإسلامية ولن نمسّ قوانين المرأة التونسيةrdquo; (المتعارف على أنها تقدمية) . مع الإسلاميين السلفيين، تعقد ldquo;النهضةrdquo; ldquo;حواراً أكاديمياًrdquo; تحرص فيه على تأكيد توجهها الإسلامي من دون الانزلاق إلى ما تعتبره تطرفاً لا فائدة منه .

غير أن العلمانيين كما الإسلاميين يشككون بخطاب ldquo;النهضةrdquo; ويحرصون على إبراز ازدواجيته . العلمانيون يعتقدون أن ظاهر الخطاب ldquo;النهضويrdquo; يحاكي ldquo;النموذج التركيrdquo;، لكن باطنه يخفي تشدداً دينياً . لعل المؤرخ عليه العلاني عبّر عن موقف هؤلاء بقوله إن ldquo;النهضةrdquo; منقسمة بين ldquo;قيادة تعلن خطاباً سياسياً منفتحاً وقاعدة يتسم قسم منها بالتشددrdquo; .

الإسلاميون السلفيون لا يروق لهم ldquo;النموذج التركيrdquo; ويتهمون ldquo;النهضةrdquo; بأنها تعتزم اعتماده . إنهم أكثر تشدداً من ldquo;النهضويينrdquo; ولا سيما لجهة قوانين المرأة والحرية الثقافية . ثم إن دعاة حقوق الإنسان يتوجسون خيفة من السلفيين . يشيرون إلى مضايقة النساء غير المحجبات في الطريق، واحتلال مسجد كان يفتح عادةً لزيارة السياح في جربة، وتصاعد نشاط المتشددين إثر بث قناة ldquo;نسمةrdquo; فيلماً فرنسياً إيرانياً اعتبروه مسيئاً للإسلام، ولم يتورعوا عن إحراق منزل صاحب القناة .

الاصطفاف في تونس بين الإسلاميين وrdquo;العلمانيينrdquo; ينعكس على الرأي العام والقوى السياسية في دول عربية عدة، لاسيما مصر وسوريا . ففي مصر، يوحي ldquo;الإخوان المسلمونrdquo; بأنهم معجبون بالنموذج التركي ولا يمانعون في محاورة المسؤولين الأمريكيين حول الصيغة المقبلة للنظام السياسي في بلادهم .

في سوريا، تتخذ المعارضة الخارجية الممثلة بrdquo;المجلس الوطني السوريrdquo; من اسطنبول مقراً لها، ولا يخفي بعض أطرافها وأنصارها في الداخل، ولاسيما ldquo;الإخوان المسلمينrdquo;، إعجابهم بالنموذج التركي .

في المقابل، يتحفّظ ldquo;الليبراليون والديمقراطيونrdquo; في مصر وسوريا عن سلوكية الإسلاميين عموماً وrdquo;الإخوان المسلمينrdquo; خصوصاً، لاسيما لجهة انفتاحهم على الولايات المتحدة في سياق سعيهم الحثيث للوصول إلى السلطة . غير أن ما ldquo;ينقصrdquo; هؤلاء وجود نموذج بديل من النموذج التركي أو موازٍ له . صحيح أنهم ينادون بالحرية والديمقراطية، لكنهم لا يدعون إلى اعتماد نموذج ديمقراطي معين يحاكي أياً من نماذج الحكم في دول أمريكا وأوروبا .

إلى ذلك، تتميّز القوى الديمقراطية في مصر وسوريا بتعددية لافتة، إذ لا وجود لكتلة واحدة ذات قاعدة شعبية كبيرة توازي كتلة الإسلاميين المصريين أو التونسيين .

يرافق المسؤولون في دول الغرب باهتمام كبير انتخابات تونس وما إذا كانت ستسمح للإسلاميين بأن يصلوا عبرها إلى السلطة، وانعكاسات هذا التطور المحتمل على أقطار عربية أخرى . الإسلاميون أدركوا، من جهتهم، اهتمام دول الغرب يتنامي قوتهم وحاولوا طمأنتها كما طمانة منافسيهم في الداخل . الغنوشي أكد أنه لئن كان ldquo;حزب النهضة هو الأكبر في البلادrdquo;( . . .) فإنه يَعِد بrdquo;تشكيل حكومة ائتلاف حتى وإن فاز بشكل كبير في انتخابات المجلس التأسيسيrdquo; . أما في مصر فقد حرص الأمين العام للجماعة الإسلامية الدكتور محمود حسين والناطق باسمها الدكتور محمود غزلان على التقاء وفد مشترك من منظمة ldquo;فريدوم هاوسrdquo; الأمريكية وبعض مساعدي أعضاء الكونغرس . وذكر بيان للجماعة بعد اللقاء أن الحوار بين الجانبين دار حول حقوق غير المسلمين في دولة الإسلام، ldquo;وكيف أن الإسلام يحفظ لهم كل الحقوق الدينية والمدنية والسياسية، وأن اللقاء انتهى بإقرار الجانب الأمريكي أنه استفاد كثيراً خلافاً لما كان يعلمه عن الإسلام وعن الإخوان المسلمينrdquo; .

عيون العرب، كما عيون الغرب، شاخصة إلى تونس . ترى، لمن ستكون نتائج انتخاباتها أكثر إلهاماً وتشجيعاً: للديمقراطيين العلمانيين أم للإسلاميين المتشددين أم لمن هم في منزلة بين المنزلتين؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كأن لم يكن
محمد السوري -

مقال كأن لم يكن ؟

كأن لم يكن
محمد السوري -

مقال كأن لم يكن ؟