توكل كرمان وجائزة نوبل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالعزيز المقالح
هل بدأت جوائز نوبل تكفّر عن خطاياها الكبرى وتقترب شيئاً فشيئاً من العالم الثالث بمناضليه ومبدعيه؟ وهل اختيار توكل كرمان وناشطتين من إفريقيا بداية لهذا التحول وهذا الاقتراب؟ سؤال تردد كثيراً في الأيام الماضية انطلاقاً من أن هذه الجوائز لم ينلها سوى عدد قليل جداً ممن يستحقونها سواء في مجال الإبداع الأدبي أو في مجال العمل الحقيقي للسلام . والعيب ليس في الجائزة وإنما في اللجان التي تولت الإشراف والتحكيم والاختيار، ولا أستبعد أن تصوراً ما قد كان يشغل ذهن مؤسسها ألفريد نوبل يحمي به استقلالية جائزته وحياديتها من تحكم لجان ذات اتجاهات تتصادم مع أهداف الجائزة العالمية، ومن أهم بنود ذلك التصور أن يتم تشكيل اللجان من متخصصين يتم انتقاؤهم من أنحاء العالم، ومن الرجال المشهود لهم بنزاهة الحكم والقدرة على الاختيار وفق معايير دقيقة سواء أكانت إبداعية أم سياسية أم علمية، بدلاً من ترك أمور الجائزة في أيدي لجان أثبتت عبر العقود الماضية أنها منحازة وغير أمينة .
وللحق والإنصاف فإن الاتهام لا يشمل كل أعضاء اللجان التي تداورت على التحكيم، حيث لم تكن تخلو من أفراد على درجة عالية من الحياد والنزاهة، لكن الأصوات الفردية المنصفة تصبح في مثل هذه اللجان حبيسة شبكة من التدابير والمؤثرات السياسية الداخلية والخارجية . وإذا كان الغرب (أوروبا وأمريكا)، قد فاز حتى الآن بنصيب الأسد من جوائز نوبل الأدبية والعلمية، وتلك المخصصة للأنشطة الحقوقية، فإن العالم الثالث وهو يشكل ثلاثة أرباع هذا العالم، لم يفز بسوى أقل قدر من هذه الجوائز . وما يبعث على التساؤل المر أن الوطن العربي لم يحصل طوال قرن من عمر الجائزة في مجال الإبداع الأدبي إلا على جائزة واحدة ووحيدة ذهبت إلى الروائي الكبير نجيب محفوظ . وكان من المخجل حقاً أن مبدعاً ومفكراً وناقداً عربياً كبيراً في قامة طه حسين قد تجاهلته لجان الجائزة، وأن مفكراً عربياً آخر إنساني النزعة مثل ميخائيل نعيمة لم يتح للجائزة أن تتشرف به .
وأعود إلى الفائزات الثلاث، إفريقيتان وآسيوية عربية لكي أهنئهن بالفوز ولأحيي الأعضاء المحايدين في اللجنة الذين اخترقوا بأصواتهم النبيلة الحصار المضروب على كل ما هو آسيوي وإفريقي، وما هو عربي بخاصة، وأهنئ من القلب فائزتنا توكل كرمان، المرأة اليمانية الحرة التي قابلتها للمرة الأولى في مكتب محامي الإدعاء وهي تنافح من أجل إطلاق سراح أحد سجناء الرأي، فأكبرت فيها جرأتها وصدق مواقفها، وأنكرت على الذين يتحدثون عن انتمائها الفكري، فقد كان السجين الذي تدافع عنه من حزب مخالف فكرياً للاتجاه الذي تصطف معه .
وأدركت أن توكل نموذج مختلف لما اعتاد الناس في الشعوب المتخلفة أن يروه في نماذج من متحزبين لا يدافعون إلا عن حزبهم وأعضاء حزبهم . وكان قد سبق لي قبل ذلك اللقاء أن تابعت ما تبذله من جهود في سبيل احترام حرية الرأي والتعبير، وتابعت دورها في الدفع بالمرأة اليمنية إلى أن تأخذ مكانها الطبيعي في الحياة السياسية والاجتماعية وكانت تقوم بذلك دون خوف ولا وجل وفي ظروف غاية في الصعوبة . ومن هنا فمهما قيل عن انتمائها إلى اتجاه معين، فإن كل صاحب ضمير لا يتم النظر إلى أي اتجاه ينتمي إليه من خلال الحزب أو التنظيم الذي ينتسب إليه، وإنما من خلال مواقفه وإلى نوع الدور الذي يؤديه في حياة الناس والمجتمع . ومن المؤكد أن توكل كانت منذ بداية ظهورها على الساحة السياسية صوتاً حراً رائداً، وهي جديرة بأرفع الأوسمة المحلية والعربية والعالمية، والذين يعترضون - إن وجد من يعترض على حصولها على الجائزة - ينقصهم الكثير من الشعور الوطني والفخر بفوز مواطنيهم بنصيب من هذه الجائزة أو غيرها من الجوائز التي تستحقها عن جدارة أخلاقية ووطنية .